مقالات مختارة

دولتان وخدعة واحدة: ناحوم برنياع

 

واشنطن. ثمة شيء ما في السباق للرئاسة في الولايات المتحدة يغلف المرشحين بهالة ما، هالة رئاسية. هذا لم يحصل بعد للمرشحين في الجانب الجمهوري، ولكن لهيلاري كلينتون، المرشحة الرائدة في الجانب الديمقراطي، هذا حصل. فقد القت كلينتون امس الخطاب الذي أنهى مداولات منتدى سبان في واشنطن. أبدت مرجعية، طلاقة، خبرة في التفاصيل، تجربة، برغماتية. ما قالته في المواضيع على جدول أعمال الشرق الاوسط لا يقول الكثير عن قراراتها إذا ما وعندما ستكون رئيسة الولايات المتحدة. فهي ليست هناك بعد. واذا ما كانت، فانها سترى من هناك أمورا لا تراها من هنا .

لقد قرأت أقوالها من شاشتين نصبتا امامها، متخذة جانب الحذر كي لا تضر بحملتها الانتخابية او تحرج ادارة اوباما، قبل بضع ساعات من القاء الرئيس نفسه خطابا دراماتيكيا للامة في أعقاب العملية الفتاكة في سان برندينو، كاليفورنيا، والمنسوبة لداعش. لقد اتخذت كلينتون مواقف تعتبر اجماعا بين ناخبي حزبها: حرب بلا هوادة ضد داعش ولكن حد أدنى من مشاركة القوات الأمريكية على الارض. السعي إلى اسقاط الاسد ولكن بجهد مشترك مع روسيا ومع إيران. صراع ضد إيران ولكن تأييد للاتفاق النووي. دعم حازم لإسرائيل، عسكريا، سياسيا، اخلاقيا، ولكن تحفظ طفيف على سياسة الاستيطان. ان كلينتون تسعى إلى السير بين القطرات: هذا ما هو صحيح أن تفعله. المشكلة هي أننا في ذروة المطر.

بين هذا وذاك، تحدثت بطريقتها العملية، كمحامية، في صالح السلطة الفلسطينية وابو مازن. فقد قالت «اعرف انه تثور الكثير من المشاكل بسبب المواقف التي يعرب عنها. ولكنك تبدأ حيث تبدأ. البديل للسلطة هو داعش. إذا كنتم تؤمنون بان داعش يشكل تهديدا وجوديا على إسرائيل، فما البديل؟».

يفترض بمنتدى سبان أن يجمع شخصيات عامة بارزة من الولايات المتحدة ومن إسرائيل في مداولات اساسها العلاقات بين الدولتين، بين الحكومتين. وكان اللقاء في نهاية الاسبوع هو الـ 12 في عدده. وبمعنى ما كان قاتما للغاية، باعثا على الاكتئاب للغاية. وينتستون تشرتشل قال ذات مرة عن الأمريكيين والبريطانيين بانهم شعبان تفصلهما لغة مشتركة. هذا القول يدوي في ما يجري اليوم بيننا وبين الجمهور الأمريكي. أمريكا تتغير. إسرائيل تتغير. ورغم أننا نكافح ضد عدو مشترك ـ الإرهاب الإسلامي – فان المسافة آخذة في الاتساع.

يوم السبت القى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري كلمة في المنتدى. في الفصل الفلسطيني من خطابه جاءت اقوال تحذير قاسية جدا، وفي بعضها صحيحة جدا، لإسرائيل. بوجي هرتسوغ، تسيبي لفني او زهافا غلئون يطلقون اقوال تحذير مشابهة. ولكن سماعها هذه المرة التي لا ندري كم عددها على لسان وزير الخارجية الأمريكي كان محرجا. فقد كان هذا خطابا بكاء، مدعيا، واعظا. خسارة ان كيري لم يكرر ما علمنا اياه ايلي فالخ (توكو) البشع في فيلم «الطيب الشرير والبشع»، بطريقته الذكية: «عندما يتعين عليك ان تطلق النار فاطلقها ولا تتحدث». الشرق الاوسط، بما فيه إسرائيل لا يحتاج إلى وزير خارجية أمريكي يحسن في المزاودة الاخلاقية. انه يحتاج إلى وزير خارجية فاعل.

ليس كيري فقط: معظم المتحدثين الأمريكيين، بمن فيهم هيلاري كلينتون، حاولوا اقناع الإسرائيليين بان سياسة حكومتهم في المناطق تؤدي بإسرائيل إلى المصيبة. وردا على ذلك، هز الإسرائيليون اكتافهم. في مداولات المنتدى في السنوات السابقة تحدث الأمريكيون بالاستراتيجية اما الإسرائيليون فتحدثوا عن مخزون عاطفي واحد، قيم مشتركة. هذه المرة كان الامر معاكسا: الأمريكيون تحدثون بقلق عن المخزون العاطفي المتناقص، القيم المتآكلة، الدولة التي تفقد سحرها في نظر الشبان الأمريكيين بمن فيهم الشبان اليهود. اما الإسرائيليون فعلموهم الاستراتيجية.

في ختام خطاب كيري توجه اليه وزير الدفاع بوغي يعلون لمصافحته. وانتهى الحديث بينهما بعد ثلاث ثوان ـ أقل من الاتصال بين مدرب فريق كرة السلة المنتصر ومدرب الفريق الخاسر في نهاية المباراة. لقد تكبد يعلون العناء وجاء ليسمع كيري كبادرة مصالحة. وقد فعل هذا على عادته، بابتسامة خجلة، على حدود احمرار الوجنتين. وفي الخلفية كانت الاقوال القاسية التي نشرها شمعون شيفر في «يديعوت احرونوت» في كانون الثاني 2014 وجاء فيها أن يعلون وصف كيري بانه «مسيحاني ومهووس». ولكن لا يمكن لاي بادرة مصالحة، أي مصافحة هزيلة ان تجسر بين ما يقوله يعلون وما يقوله كيري. ظاهرا، خلافات الرأي تتركز في الموضوع الفلسطيني. عمليا، تمتد على مساحة أوسع بكثير، بدء باتفاق النووي مع إيران وانتهاء بخطوات الادارة تجاه داعش.

المشكلة تخرج عن الازمة التي نشبت بين الحكومة في القدس وبين الادارة في واشنطن. فالمواجهة بين الحكومتين كانت نوعا من حادثة الطرق: السيارة تضررت، بلا شك، ولكن الضرر الاساس كان بالحديد، وليس بالشصي. فهو قابل للاصلاح.

ما ينبغي أن يقلق هو النظرة إلى الامام. جهتان تؤيدان اليوم إسرائيل بلا تحفظ: الكنائس الافنجيلية والارثوذكسيون غير الاصوليين. هاتان المجموعتان تؤيدان سياسة إسرائيل بتفان استثنائي وبلا تحفظ. وينبغي ان يضاف اليهما بعض اصحاب المليارات اليهود من الحزبين. ويوجد لهذه المجموعات تأثير سياسي يتجاوز بكثير حجمها، ولكن في هذه الاثناء يتآكل التأييد في الرأي العام.

في نهاية هذا الاسبوع تعلم رجال الادارة الأمريكيون من الإسرائيليين درسا هاما: من ناحية حكومة إسرائيل حل الدولتين مات. عندما يتحدث نتنياهو عنه فانه يضلل. نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان قالا الامور بهزل ما، بوجي هرتسوغ وتسيبي لفني بأسى. ولكن الاجماع كان عاما.

وعلى الرغم من أن الأمريكيين سيواصلون التمسك بهذه الصيغة، إذ ليس لهم صيغة اخرى، ومريح التمسك بها من البحث عن حلول اخرى. هذا الكذبة المتفق عليها سترافقنا حتى منتدى سبان التالي.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى