حزب الحرب الأميركي
غالب قنديل
يتساءل العديد من خبراء الشأن الأميركي هل انتهت مهمة باراك أوباما وفريقه بإخراج الولايات المتحدة من مأزق حروبها الفاشلة في الشرق الأوسط الكبير ؟ وهل تعافت الإمبراطورية من ندوب الفشل ومن نتائجه السياسية والمعنوية والاقتصادية والاستراتيجية وباتت تتهيأ لشن حملات وحروب جديدة على المسرح العالمي؟ وما هو مضمون سياسة الإدارة الجديدة التي سيتعرف العالم على رموزها ومخططيها في ربيع 2016 ؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها رغم جميع المؤشرات التي تدلل على استمرار المأزق وتفاقمه.
أولا ما يدور في خضم الحملات الانتخابية الأميركية يشير إلى ان المنافسات الفعلية جارية بين أجنحة وفروع ما اصطلح على تسميته حزب الحرب الأميركي العابر للحزبين الديمقراطي والجمهوري والذي يهيمن عمليا على مواقع صياغة الرأي العام الأميركي إعلاميا وسياسيا ويشن رموزه من الحزبين حملات تعبئة واسعة ويقترحون حروبا جديدة في العالم تشير إلى وجهتها مقالات ودراسات وتقارير للمخططين والمنظرين الذين ينتمي معظمهم إلى تجمعات المحافظين الجدد .
من الواضح ان حزب الحرب مهيمن على قيادتي الحزبين وهو يقود المنافسة بخلفية اختتام المرحلة الانتقالية التي أسندت قيادتها إلى إدارة اوباما التي عجزت عن إنهاء الحروب بعد الفشل في العراق وأفغانستان ومع الإخفاق الاستراتيجي لخطة خوض الحروب بالواسطة التي اختبرت خصوصا ضد سورية وانقلبت إلى مشكلة أميركية بفعل استنفاذها لطاقة الحكومة التابعة في حلف الحرب ولرصيدها الإقليمي ( السعودية وتركيا وقطر ) وبعد استقطاب الصمود السوري لكتلة منافسة تضم روسيا وإيران والصين باتت حاضرة ولا يمكن تجاوزها.
يمكن لنا ملاحظة ان الولايات المتحدة كقوة مهيمنة متراجعة عالميا ومأزومة تعيش هاجس استعادة سيطرتها وإثبات قدرتها بدلا من التكيف مع التغييرات وهي ترفض الرضوخ لما ينادي به المنافسون من تغيير في قواعد العلاقات الدولية ينطلق من جبرية الشراكة وإنهاء نظام الهيمنة الأحادية على العالم.
ثانيا تراجع السيطرة الإمبراطورية الأميركية وفشل خطط منع نهوض قوى عالمية منافسة هو الحقيقة التي تخيم على النخبة السياسية الأميركية ويدور النقاش حول سبل حماية الموقع القيادي الأميركي المهيمن في العالم حيث تتهم إدارة الرئيس أوباما بالتراخي وبالتردد في اتخاذ قرارات التدخل العسكري وبالتخلي عن مبدأ قيادة سياسة خارجية هجومية تكرس المكانة الأميركية المهيمنة عالميا.
في هذا السياق يدور الخلاف على تحديد المخاطر التي تهدد الهيمنة الأميركية في العالم حيث يتبنى الجناح الديمقراطي في حزب الحرب فكرة اعتبار الصين العدو رقم واحد وينادي بالتوجه إلى الباسيفيك لمنع الصين من استثمار مخزونات هائلة من النفط والغاز ويقترح رموزه توسيع الحضور العسكري الأميركي في اليابان والفليبين لردع الطموحات الصينية ولاتخاذ تدابير جديدة وواسعة في مجابهة خطر التمدد الصيني كأولوية للإدارة الأميركية المقبلة التي سيكون عليها التعامل مع هذه المسألة بحزم وبمعيار ان كل تقدم للصين على المسرح الدولي يعني تراجع النفوذ الأميركي ويشمل هذا التصور قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا وأستراليا والقارة الأميركية نفسها حيث يراقب بعض الخبراء بقلق توسع الشركات الصينية وتعاظم دورها الاقتصادي في كل مكان.
اما الجناح الجمهوري في حزب الحرب فيعتبر ان روسيا هي العدو رقم واحد والذراع الضاربة للمنافس الصيني وينادي بالذهاب إلى مواجهة حاسمة ضد تمدد روسيا اقتصاديا وعسكريا والعمل لإرباكها من الداخل وفي محيطها القريب لاستنزاف قدراتها ولإجبارها على الإنكفاء ويقود هذا الجناح حملة متزايدة الاتساع لشيطنة روسيا والرئيس فلاديمير بوتين لم تتوقف منذ الانقلاب الأوكراني الذي أدارته فيكتوريا نولاند معاونة جون كيري المنتمية إلى المحافظين الجدد.
ثالثاتعود مقولة الحرب على الإرهاب كمادة تسويق واسعة النطاق من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على السواء وبمشاركة إدارة باراك اوباما التي تبدو وقد هيأت واقعيا المسرح العالمي لخوض حروب جديدة تحت هذا الشعار الكاذب والخادع والذي يغلف خطط الهيمنة الاستعمارية على بلدان الشرق العربي والإسلامي منذ اكثر من ربع قرن.
يبدو من الوقائع والمعلومات ان المفاصل الأميركية الفاعلة والخفية في هياكل داعش وفروعها وداخل فصائل القاعدة يجري توظيفها في تهيئة المناخ المناسب عبر شن هجمات في الغرب وتستخدم الحملات الإعلامية الواسعة بعد عمليتي باريس وكاليفورنيا لخلق مناخ تحريضي تعبوي على مستوى الرأي العام الأميركي يشبه إلى حد بعيد ما قامت به الآلة الإعلامية الأميركية الضخمة بعد الحادي عشر من أيلول عام 2001 ويركز دعاة الحروب الجديدة على أهمية التدخل العسكري الأميركي في العراق وسورية ونيجيريا ومالي واليمن وليبيا ويروجون لفكرة عرضها عدد من الكتاب الأميركيين مؤخرا وهي إمكانية تحقيق نتائج كافية في مسارح العمليات بقوة عسكرية أميركية قليلة العدد ( خمسون ألف جندي ) ومجهزة تقنيا بأسلحة حديثة ويذكر هذا الخطاب بمضمون الدعاية الأميركية التي قادها المحافظون الجدد تحت عنوان الحروب الذكية عشية غزو العراق وما روجه سمسار السلاح دونالد رامسفيلد الذي تولى وزارة الحرب في إدارة دبليو بوش وبإشراف رئيسه الفعلي في شركات السلاح والنفط نائب الرئيس ديك تشيني كما تذكر بنظريات استراتيجية التدخل السريع التي أعقبت هزيمة الولايات المتحدة في فييتنام وطبقت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في بنما وغرينادا ولبنان ونيكاراغوا وأعطيت عنوان الخروج من عقدة فييتنام وما لبثت ان انتهت إلى هزائم جديدة وهذه المرة تعطى عنوان الخروج من عقدتي العراق وأفغانستان.
رابعا خلافا للاعتقاد الساذج باتجاه الولايات المتحدة إلى الإنكفاء والتكيف تجزم الوقائع بأن الإمبراطورية الأميركية تتصرف راهنا كذئب جريح وهي تنشب مخالبها في جميع انحاء العالم لحماية منظومة الهيمنة التي فرضتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكيك حلف وارسو وما تزال تعطي اهمية قصوى لنفوذها في بلدان الشرق العربي الذي يعتبر اليوم بوابة الصراع الكبير على مستقبل العالم ومن المستبعد ان يقرر أي رئيس جديد الخروج من المنطقة كما يتوهم كثيرون ، رغم سعي الولايات المتحدة لامتلاك موارد جديدة للطاقة سواء من النفط الصخري ام بالسعي للهيمنة على موارد النفط في كندا والمكسيك ضمن صيغ للشراكة الإقليمية تقودها واشنطن وهي مدرجة في البرامج الانتخابية للمرشحين الرئاسيين وفي الخطط الرسمية التي أصدرتها الكارتلات النفطية الكبرى فالرأسمالية الأميركية المتوحشة ترغب دائما “بالمزيد من الشيء نفسه” بحكم تكوينها العضوي الذي تشكل عصبه كارتلات السلاح والنفط والغاز.
الأزمة الاقتصادية العالمية تمثل حافزا مضاعفا لاستراتيجيات الحروب الأميركية المستدامة التي تشكل ميدانا استثماريا مربحا وليست فحسب وسيلة لفرض الهيمنة ولتأمين الصفقات الدسمة للشركات الأميركية في ميادين التعمير بعد الحروب التي يتولى فيها الأميركيون مباشرة أم بالواسطة أشغال التدمير والقتل ومن المفترض الإقلاع عن الفكرة التقليدية البلهاء حول السعي الأميركي للاستقرار ومن يراجع نصف قرن من السلوك الأميركي لا يجد غير إثارة الحروب وممارسة التدخلات الوقحة في مختلف بلدان العالم ويبدو ان علينا من الآن الاستعداد لمجابهة أحد اجنحة حزب الحرب في الإدارة الأميركية المقبلة .