السيطرة على نجران قاب قوسين يحيى الشامي
القوات اليمنية تفرض قواعد اشتباك من العمق السعودي
بالرغم من فارق التسليح كمّاً ونوعاً بين الجيش السعودي والقوات اليمنية، نجحت الأخيرة في فرض قواعد اشتباك جديدة وراء الحدود بعد تمكنها من تثبيت انجازاتها والاقتراب من السيطرة على مدينة نجران
نجران | بعد التقدم الكبير في جيزان وعسير والسيطرة على مدن استراتيجية مثل الخوبة والربوعة، يقترب الجيش و»اللجان الشعبية» من السيطرة على مدينة نجران في إنجاز سيكون له أثر كبير على مسار العدوان السعودي على اليمن، في ظلّ الحديث عن اشتراط الرياض انسحاب «أنصار الله» من أراضيها مقابل وقف إطلاق النار.
وليل أول من أمس، تركز قصف القوة المدفعية للجيش و»اللجان الشعبية» على مناطق ومواقع عسكرية في نجران بينها المكيال، حيث جرى استهداف أبراج الرقابة. وقد ذكرت قناة «المسيرة» التابعة لـ «أنصار الله» أن عدداً من الجنود السعوديين قتلوا فجر أول من أمس. ووسط تكتم إعلامي سعودي حول ما يجري جنوباً، أعلن عدد من المدارس والجامعات في نجران تعليق الدراسة «حرصاً على سلامة الطلاب، من دون توضيح السبب.
وكان الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» قد حققوا تقدماً كبيراً في نجران في الأيام الماضية من خلال السيطرة على ثلاثة مواقع عسكرية في جبل الشرفة، ما مثل خطوة متقدمة باتجاه وضع اليد على نجران المدينة. وتأتي أهمية تلك العملية في كونها قد أنهت الوجود العسكري بصورة كلية على جبل الشرفة المُطلّ مباشرة على مدينة نجران، وبالتالي وقوع المدينة في مرمى المدفعية اليمنية ما يُقرّبها أكثر إلى السقوط الذي يُقرره اليمنيون «وفق اعتبارات خاصة» وفقاً لمصادر ميدانية، وخصوصاً أن العملية سبقتها عملية أخرى انتهت بالسيطرة على أجزاء واسعة من جبل همدان، الذي تقع فيه نهوقة وهو موقع عسكري رقابي تُسيطر عليه حالياً القوات اليمنية.
وكان النظام السعودي قد سيطر على أجزاء كبيرة من الاراضي اليمنية (إلى جانب تلك المقتطعة في ثلاثينيات القرن الماضي)، إبان الفوضى السياسية التي شهدتها اليمن بعد «ثورة 11 فبراير» عام 2011.
يومها كان النظام السعودي منهمكاً في الالتفاف على انتفاضة اليمنيين من خلال ما بات يُعرف لاحقاً بـ «المبادرة الخليجية»، وفي الوقت نفسه كانت قواته تشنّ هجمات على الأراضي اليمنية وتسيطر على عشرات الكيلومترات، بما فيها من السلاسل الجبلية، وتحوّلها إلى قلاع عسكرية دافعة بآلاف الآليات والمدرّعات إليها، فضلاً عن تزويدها بالمدفعية والدبابات التي ظلت تقتل كل يمني يقترب منها بذريعة «الدفاع عن الأراضي السعودية ومكافحة التسلل غير المشروع للعمال اليمنيين إلى أراضي المملكة»، فضلاً عن استهداف القرى الحدودية والطرقات العامة.
وفي العمليات التي شهدتها نجران، تجاوز عدد الآليات المدرعة التي أحرقتها القوات اليمنية العشر آليات، إضافة إلى أخرى هربت من مواقع جبلي الشرفة وهمدان بينها أعداد من الجرافات التي تشق الطرق الجبلية. واستغرقت الجرافات السعودية أشهرا عديدة في مهمتها غير السهلة في جبال حجرية قاسية. ويفيد مصدر ميداني «الأخبار» بأن الجرافات السعودية استغرقت أشهرا عديدة أثناء شقها الطرق لاستحداث تلك المواقع، وتسهيل وصول الدبابات والآليات العسكرية إليها. ويشير المصدر إلى أن العدد الأكبر من جنود الجيش السعودي كانوا قد غادروا الموقع قبل اقتحامه أثناء عمليات القصف المدفعي والصاروخي، مضيفاً أن من بقوا منهم فضلوا الهرب عبر الآليات العسكرية لكونها الأسرع خشية تصيّدها على يد المقاتلين اليمنيين.
ولم يستخدم المقاتلون اليمنيون أثناء هجومهم على جبل الشرفة وسائل نقل، حيث أن الجبل من الجانب اليمني، لا طرقات فيه، وقد تميزت العملية بالسرعة وبالتخطيط الدقيق بالرغم من الفارق الكبير في السلاح والعديد بين الطرفين، إضافة إلى التحليق المكثف للطيران بأنواعه. وفي المحصلة استطاع المقاتل اليمني أن يتفوّق بخبرته وسلاحه المتواضع خلال أيام قليلة على أعتى أنواع الأسلحة المدرعة وأفتكها الذي ظل الجيش السعودي يُراكمها في تلك المواقع الجبلية لسنوات، وقد صارت معظمها غنائم في أيدي الجيش اليمني.
وبهذا يكتسب المقاتلون اليمنيون نقاطا جديدة داخل العمق من الأراضي السعودية في نجران بالتوازي مع التقدم الحاصل في كل من جيزان وعسير، وهو تقدم جاء عقب إنهاك المواقع العسكرية السعودية بالقصف المكثف خلال الأسبوعين، الذي يتواصل حتى الساعة. من جانب آخر، حظيت العملية في نجران بترحيب واسع لدى القبائل اليمنية الساكنة بالقرب من الحدود، مشيرين إلى أن العملية وسابقاتها خطوات كبيرة في طريق استعادة الأراضي اليمنية المحتلة المتمثلة بكامل أراضي نجران وجيزان وعسير.
واللافت في الأمر، أن الذاكرة الشعبية للقبائل اليمنية تحتفظ جيداً بأسماء كثير من المناطق التي يُعلن المقاتلون اليمنيون السيطرة عليها في كل من جيزان ونجران وعسير، بالرغم من محاولة النظام السعودي طمس هويتها اليمنية ورسم ديموغرافيا جديدة لها، بل ويرتبط عدد من الأسر في تلك المناطق (اليمنية والسعودية) بعلاقات اجتماعية قوية، كما تبدو التركيبة الاجتماعية متشابهة جداً بين الطرفين، والقبيلة أوضح تجلياتها.
(الأخبار)