عون أم فرنجية: الأمر لا علاقة له بسورية ومحور المقاومة عامر نعيم الياس
شخصية إشكالية قسمت الحلفاء الإقليميين والدوليين على الدوام. الرجل الذي واجه الجميع وتحالف مع الجميع كيّف دوماً علاقاته مع توجهه ومشروعه ورؤيته، ويبدو أن هذه النقطة هي التي تميّز الجنرال ميشال عون عن غيره من السياسيين اللبنانيين.
الرجل ليس صنيعة أحد على الإطلاق، ولا هو نتاج استخباري صرف لدولةٍ ما حاولت اختراق الطبقة السياسية التقليدية، خصوصاً العائلية في لبنان الذي يتغنى سياسيوه وإعلاميوه بحرية وديمقراطية وسيادة لا يمكن فهمها في ظل الإصرار على تابو الطائفة والعائلة غير الفعال في نموذج يتوق إلى التغيير.
امتلأت البلاد بالقمامة ولم يستطع أحد التحرّك، الزعماء جيّروا الملف لخدمة مناكفاتهم، تحوّلت مطامر النفايات التي أغرقت شوارع بيروت والمحافظات اللبنانية، إلى جزء من السيادة والحرية المفترضة لكانتون سيادة هذا الزعيم أو ذاك، وبقي التغيير نكتة سمجة لا يتقبلها ملوك الطوائف.
لا نتكلم عن الشأن اللبناني في وجود أهل القضية من الصحافيين والإعلاميين والسياسيين اللبنانيين، لكن ما يجري اليوم في صفوف قوى الثامن من آذار ومناورات قوى الرابع عشر من آذار حول ترشيح مفترض للنائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية أمرٌ يستحق الوقوف عنده قليلاً من زاوية لاعلاقة لها بالمناكفات السياسية ومعركة تسجيل النقاط القائمة اليوم في الإعلام اللبناني. العماد ميشال عون وفي مقابلة مع قناة «آر تي» الروسية أكد أنه لم يتبلغ رسمياً بالاتفاق بين الحريري وفرنجية حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، سائلاً: «ما هو أساس هذا الاتفاق؟». ورأى الجنرال أن «رئاسة الحكومة لـ 14 آذار ورئاسة الجمهورية لـ 8 آذار، هو حل منصف، لكن بشرط أن يقوم كل فريق باختيار رئيسه»، معتبراً أن «قانون الانتخابات لن يقرّ لأن هناك فئة محتكرة للسلطة منذ عام 1990، وفي كل مرة يكون لديها الأكثرية تقر قانوناً يعطي الغالبية لها».
كلام عون يأتي بعد لقاء جمع رئيس تيار المردة برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من دون أن يرشح عن اللقاء أي بادرة لعقد لقاء بين الجنرال عون وسليمان فرنجية الذي آثر حتى اللحظة التمسك بترشيح العماد عون عن فريق الثامن من آذار، فيما غمز من قناة ضرورة حسم الملف الرئاسي اللبناني على قاعدة عدم شخصنة الملف، بانتظار أن يعلن الفريق الآخر أي الرابع عشر من آذار عن ترشيحه رسمياً لرئيس المردة سليمان فرنجية لمنصب رئاسة الجمهورية وهو أمرٌ يساهم بدوره في إحراج حلفاء التيار وفريقه، كما يجري حالياً في فريق الثامن من آذار عبر التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن ترشيح المستقبل للنائب فرنجية.
من الواضح مما سبق، أن العماد عون يؤكد على ضرورة التوافق بين كل فريق على مرشح خاص، وهو بذلك يؤكد على اتفاق فريق الثامن من آذار على شخصه كونه المرشح الوحيد، رهان يضع ضابط إيقاع هذا الفريق أي حزب الله في مواجهة موقف لا يحسد عليه لجهة العلاقة مع الحلفاء الآخرين داخل قوى الثامن من آذار، خصوصاً الرئيس بري الذي يبدو أقرب إلى الحفاظ على نتاج الطائف كما هو ومن دون أي تغيير، ويتلاقى عند هذه النقطة مع موجّه تيار الرابع عشر من آذار النائب وليد جنبلاط، فالأساس ليس العلاقة مع إيران أو مع الدولة السورية ورئيسها كما يحاول البعض الترويج له، بل المشكلة تتعلق أولاً وأخيراً بالتغيير وضرب المحرمات القائمة، ومحاولة إعادة إنتاج الهوية الوطنية وتعريف الكيان وتحديد أسس ومقومات الدولة وماهية المواطنة فيها. جملة من الأمور تنطبق على شخصٍ واحدٍ فقط في لبنان هو العماد ميشال عون، الذي لا يريد الاستكانة للوضع القائم، بل يعمل على الدفع بقانون جديد للانتخابات يقوم على النسبية من دون أي مواربة أو صفقات سياسية جانبية، ويريد دفع الغبن الذي لحق بالمسيحيين اللبنانيين على إثر اتفاق الطائف، الذي فرّغ منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية من مضمونه، حتى أضحى أي رئيس عرضةً لمقاطعة شعبية ونيابية وسياسية عبر تصريح مقتضب لفريق سياسي ما في لبنان بحجة التوافقية.
الوطنية في أحد أوجهها هي رفض التعامل مع العدو، والحفاظ على السيادة، لكن الوجه الأكثر الأهمية لها هو امتلاك مشروع سياسي تغييري يدفع الغبن ويعيد تعريف الهوية الوطنية في بلاد لا يحق لها التحدث عن مواقف وطنية قبل صوغ حقيقي وواقعي لمشروع تغييري يكرّس السيادة ويرسم معالمها بعيداً عن الارتهان لهذا الطرف أو ذاك.
انتصار المحور المقاوم وسورية تحديداً في وصول فرنجية إلى السلطة أمرٌ لا لبس فيه، لكن عقدة عون هي عقدة رفض بناء الدولة المستقلة ذات السيادة وتعريف الهوية الوطنية ليس إلا.
(البناء)