مقالات مختارة

موسكو ـ دمشق: إغلاق مضبوط لسماء سوريا محمد بلوط

 

بعد إسقاط تركيا الـ «سوخوي 24»، الروس لن يقبلوا بأكثر من تحالف واحد ضد الإرهاب في سوريا.

السماء السورية قد لا تتسع قريباً لأكثر من الأسراب السورية والروسية، أو تلك التي تقبل بالعمل في الحرب ضد «داعش»، ولكن بشروط روسية وسورية.

وبحسب مصادر سورية فقد اتفق الحليفان الروسي والسوري في الساعات الأخيرة على اختبار جاهزية منظومة الدفاع الجوي لكلا الطرفين، قبل قرار سياسي عسكري يتوج الإجراءات التي بدأ الروس باتخاذها في بعض المطارات العسكرية السورية، لا سيما في قواعد حميميم، والشعيرات، و «تي فور»، باعتراض كل طائرة مقاتلة لا تعمل من دون إذن مسبق أو إعلام السوريين والروس بعملياتها.

وهذا مغزى ما تقوله مصادر سورية من أن وحدات الدفاع الجوي السوري تلقت أوامر بالاستعداد للتغيير في طريقة التعامل مع الطائرات المقاتلة التي تحلق فوق سوريا، أو تقوم بعمليات عسكرية ضد «داعش» أو غيره، من دون الرجوع مسبقاً إلى التحالف الروسي ـ السوري.

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أشار أكثر من مرة إلى أن دمشق تعتبر عمليات التحالف الدولي في سوريا غير شرعية، لأنها تتم من دون تنسيق مسبق معها. وكان الروس استبقوا المشاورات الجارية حالياً مع القيادة السورية، واختبار جاهزية الدفاع الجوي السوري، بتشغيل منظومات «أس 400» نشرت حول قاعدة حميميم قرب اللاذقية، وكانت قد وصلت في العاشر من تشرين الثاني، وقبل إسقاط الـ «سوخوي 24»، وهي المرة الأولى التي تنشر فيها موسكو النسخة الوطنية من هذه الصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ خارج روسيا، وهي منظومة، لم تُنشر حتى في الحرب مع أوكرانيا.

وتتفوق منظومة الـ «أس 400» على كل ما يملكه الغرب من منظومات، لا سيما «الباتريوت» الذي يبلغ مدى رصده للطائرات 100 كيلومتر، فيما لا يتعدى مدى اعتراضه للصواريخ أكثر من 40 كيلومتراً.

وتعمل منظومة الـ «أس 400» بنظام رصد يصل إلى 600 كيلومتر، وبوسعها إصابة أهداف تبعد 400 كيلومتر. كما يحمل الطراد «موسكوفا»، الذي يرابط في عرض بحر اللاذقية، صواريخ «أس 300» في 96 أنبوبة، بالإضافة إلى منصات من صواريخ «أس 300» سورية تعتقد هيئة الأركان التركية أن السوريين حصلوا عليها قبل الانخراط الروسي عسكرياً مطلع تشرين الأول الماضي.

ويقترب الروس رويداً رويداً من نشر ما يقارب 100 مقاتلة في مطارات المنطقة الوسطى السورية والساحل. ولا يُعدّ تزويد المقاتلة القاذفة الـ «سوخوي 34» بصواريخ جو – جو من طراز «آر 27» (مداها 60 كيلومتراً)، التطور الوحيد في الحشد الجوي الروسي، إذ يعتزم الروس نشر 12 مقاتلة «سوخوي 35» المتعددة المهام، الاعتراضية والمقاتلة، والتي يبلغ مداها أربعة آلاف كيلومتر في نسختها الروسية، مزودة بصواريخ يبلغ مداها 200 كيلومتر. كما نشر الروس أربع طائرات «سوخوي 30» الاعتراضية.

وتسربت صور لمنظومة «مورمانسك» الخاصة بتشويش الاتصالات، بعد نشرها حول قاعدة حميميم الجوية. وتستكمل «مورمانسك» عمليات الحرب الالكترونية التي يعتزم الروس خوضها وحماية عملياتهم في الأجواء السورية. وتغطي هذه المنظومة منطقة قطرها خمسة آلاف كيلومتر، وبوسعها قطع الاتصال بين أي طائرة أو هدف محلق في مجال عملها عن قيادته. وكان الأتراك قد أرسلوا إلى المنطقة منظومة «كوراليا» التي لا يتجاوز قطر عملها أكثر من 250 كيلومتراً، للتشويش على الدفاعات السورية.

والراجح أن التغييرات العسكرية الروسية لا ترتبط بإسقاط الـ «سوخوي» فحسب، باعتبار أن جزءا من منظومات الدفاع الجوي الجديدة، كانت متواجدة في المنطقة، قبل الاعتداء التركي على المقاتلة، وأن العمليات الروسية الجوية استمرت في التدرج من دون مضاعفة العمليات، ولكنها لجأت إلى مواصلة ضرب خطوط الإمداد للجماعات المسلحة، وتدمير قوافل الشاحنات فور عبورها من الجانب التركي إلى سوريا، لا سيما في معبري باب السلامة وباب الهوى.

وبدأت مفاعيل هذه التغييرات الروسية تظهر في السماء السورية. فمنذ يومين بدأ الأميركيون بتقليص طلعاتهم في الأجواء السورية، فيما تقول مصادر إنهم قد يلجأون لمواصلة عملياتهم إلى إرسال طائرات «أف 22» الشبحية. ويعتقد أنه يمكن لمنظومة «أس 400» الصاروخية رصدها وتعقبها بأي حال. وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت أسراباً من الـ «أف 22» في الموجات الأولى للغارات ضد «داعش»، في الصيف الماضي، تحسباً لامتلاكه منظومات دفاعية جوية، أو رد فعل من منظومات الدفاع الجوي السورية.

غير أن إقفال السماء السورية أمام طائرات من خارج التحالف الروسي – السوري، وتهديدها بمنظومة الدفاع الجوي الروسية، لن يتجاوز غرب الفرات، فيما تتركز العمليات الأميركية شرق الفرات، وحول الرقة ودير الزور والحسكة. إذ لا تقع هذه المناطق في مدى صواريخ الـ «اس 400»، أو على الأقل في مداها الفعال.

ويبدو أن الإجراءات الروسية – السورية تستكمل، بشكل خاص، نصب شبكة واسعة من منظومات الدفاع الجوي لتستهدف الأسراب التركية التي تحلق في المنطقة القريبة من أرياف اللاذقية وإدلب غرب سوريا. إذ لا مصلحة بأي حال، في الوقت الحاضر، للتحالف السوري – الروسي، بمنع تحليق الطائرات الأميركية التي تستهدف «داعش» في الشرق السوري، لأنها تسهم في تشتيت تجمعاته، بانتظار تغييرات ميدانية جوهرية، تفضي إلى التقدم نحو الرقة. وهناك مؤشرات على ذلك مع بدء تقدم الجيش السوري في ريف حلب الشرقي، نحو دير حافر، بوابة الرقة، فيما تحتشد طوافات مقاتلة في مطار الـ «تي فور» غرب تدمر، التي لا تزال بيد «داعش».

وتظهر الإجراءات الروسية في سوريا وجهة دفاعية حتى الآن، مصحوبة بتدرج نحو المزيد من القوة الهجومية مع الـ «سوخوي 34»، ولكن الروس لا يزالون يعملون على تحصين الدفاعات السورية، وعندما تبدأ صواريخ «اسكندر» بالظهور في سوريا، يمكن عندها الحديث عن انعطافة حاسمة في العملية الروسية في سوريا.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى