هبة يتيمة: عميره هاس
هناك ثلاثة أسباب تمنع «الهبة المحدودة» من أن تكون انتفاضة. فهي ليس لها قيادة، وليس لها مطلب سياسي موحد وواضح وهي ليست شعبية. حينما يقول الفلسطينيون انتفاضة، فهم يفكرون فيما حدث في 1987 حيث توفرت هذه الشروط الثلاثة.
هذه هبّة، لأنه يوجد مئات واحيانا آلاف الشباب الذين يواجهون يوميا الجيش الاسرائيلي في الحواجز. وحسب رأي الفلسطينيين، هذه هي الميزة الاساسية لها، وليس العمليات الفردية. لكن هذه الهبة محدودة لأن المظاهرات تقتصر فقط على الشباب.
داخل المدن والقرى الفلسطينية وعلى بُعد مئات الامتار من مواقع الجيش الاسرائيلي حول المدن الفلسطينية، تستمر الحياة الطبيعية. فقد عقد مؤتمر في هذا الاسبوع في فندق فاخر في رام الله، شارك فيه الكثيرين من اجل تشجيع التصدير الفلسطيني برعاية الممثلية الدبلوماسية الكندية. وفي قرية فرحة في سلفيت كانت لقاءات لمهندسين زراعيين مع الشباب حيث تم تعليم أسس القرية البيئية. الدرس اليومي المسموع للقرآن في مدرسة البيرة يتم كالعادة. جمعية الصحافيين الفلسطينيين استضافت ممثلين من اتحاد الصحافيين الدولي لمناهضة العنف ضد النساء وكانت نقاشات ولقاءات. الخبراء تحدثوا عن طرق محاربة الادمان على مسكنات الآلام، والشرطة الفلسطينية تستمر في اعتقال المشبوهين بمخالفات جنائية في مناطق أ التي تحت سيطرتها.
التوتر بارز في الأمسيات والليالي ايضا في المدن والقرى غير المحاصرة. فالناس يفضلون البقاء في المنازل. لكن المداهمات والضرب من قبل جنود الجيش الاسرائيلي لا تدفع مجموعات اخرى إلى التظاهر. الجنازات والاحتجاجات بسبب عدم تسليم الجثث هي الاحداث الوحيدة التي تشارك فيها مجموعات كبيرة ـ ايضا ليس بشكل غفير. التقارير اليومية حول القمع الاسرائيلي هي التي تدفع الجمهور إلى التضامن مع الشباب، وكذلك التعاطف مع العمليات الفردية ضد الجنود والمدنيين حيث يُقتل المنفذون على أيدي قوات الامن.
وزير التربية والتعليم القيادي من فتح، صبري صيدم، أعلن عن اعفاء الشباب الفلسطينيين المعتقلين من شروط الحد الادنى من اجل القبول في مؤسسات التعليم العالي، وبسبب عدد القتلى الذي بلغ 101 حتى صباح يوم الخميس وعدد المصابين الكبير، فقد قررت بلدية رام الله والكنائس في المدينة عدم اضاءة شجرة عيد الميلاد هذه السنة في ميدان ياسر عرفات.
الفلسطينيون يسمعون في كل صباح ما سمعوه أمس. ابراهيم داود (16 سنة) توفي إثر اصابته بالرصاص الحي قبل اسبوعين في المظاهرات. يحيى طه (21 سنة) قُتل جراء اطلاق النار عليه من الجيش الاسرائيلي في المواجهات في قرية قطنة. مداهمات عسكرية في الليل ومواجهات في نابلس وقلقيلية وقطنة وروجيب وفي مخيمي العروب والفوار. 31 معتقل في أنحاء الضفة الغربية منهم 7 أطفال. مصادرة 8 حافلات للنقل العام في نابلس من قبل الجيش الاسرائيلي بزعم أنها تنقل الشباب إلى الحواجز من اجل التظاهر هناك.
تقارير يومية كهذه تصيب بالشلل الخائفين من والمعارضين للانتفاضة الجديدة ـ ومن ضمنهم الرئيس محمود عباس.
لذلك لا يجب الاستغراب من أنه لا يستخدم الهبة المحدودة كفرصة لاجراء التغيير الجذري والعميق في قوانين السلطة، مثل خطوات حسن نية تجاه حماس (دفع الرواتب لموظفيها) التي من شأنها أن تحول المصالحة إلى أكثر من مجرد شعار، والموافقة على اجتماع المجلس التشريعي واجراء اللقاءات المتواصلة بينه وبين الشباب المتظاهرين. عباس يلتصق بسلطته كشخص وحيد وفي المسار الدبلوماسي وبطريقة «تمسكوا بي جيدا لأنني بعد قليل سأطرح مفاجأة دبلوماسية اخرى». هذه الطريقة موجهة بالذات للدول الغربية على أمل أن تضغط على اسرائيل. رئيس اللجنة التنفيذية في م.ت.ف صائب عريقات أعلن أن تطبيق قرار تجميد العلاقات مع اسرائيل قريب. وسائل الإعلام الفلسطينية ومتحدثو السلطة أمس وأول أمس حاولوا تشجيع الجمهور الفلسطيني من خلال الحديث عن اربعة قرارات اتخذتها الأمم المتحدة في صالح الفلسطينيين (على رأسها حق الفلسطينيين في تقرير المصير). لكن هذه التصريحات لا تترك أي انطباع لدى الجمهور، وليس هناك أي تغيير في البرنامج السياسي لـ م.ت.ف والسلطة الفلسطينية باستثناء الحالة الطارئة للاجهزة الطبية.
الآن وبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، التي مرت كما هو متوقع دون وعود دراماتيكية، فان الساحة السياسية الفلسطينية تنتظر الرسالة التي وعدت اللجنة التنفيذية بارسالها إلى بنيامين نتنياهو والى زعماء العالم. هذه الرسالة التي قيل عنها قبل بضعة اسابيع إنها دراماتيكية. يفترض أن تعلن هذه الرسالة أن الفلسطينيين لن يستطيعوا مواصلة احترام اتفاقات اوسلو بشكل أحادي الجانب في حين أن اسرائيل لا تفعل ذلك. في حوار مع «هآرتس» أعطى أحد قادة المنظمة أهمية للرسالة وقال إنها اعلان عن حل السلطة. مع ذلك فان مصدر رفيع المستوى في أحد التنظيمات قال للصحيفة إنه حينما تُكتب الرسالة فان الحديث لا يدور عن حل فعلي. وفي جميع الحالات فانه لا توجد تحضيرات لحل السلطة. وحسب اقوال هذا المصدر فانه في الجلسة القريبة للمجلس الوطني يتوقع أن يتم الاعلان عن أن الاعتراف باسرائيل الذي وقع عليه عرفات مشروط بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود حزيران 1967. لكن ليس واضحا متى سيتم عقد اجتماع المجلس الوطني الذي تأجل إلى اشعار آخر. واذا كان سيتم اتخاذ قرار كهذا أم أنه سيبقى مجرد تصريحات.
يلاحظ غياب التنظيمات الفلسطينية السياسية كقوة لها وزن في المجتمع الفلسطيني. هذا على عكس الدول الذي لعبته هذه التنظيمات في الانتفاضة الاولى. نشيط بارز وقديم في فتح من جيل القيادة المحلية ونشأ في الانتفاضة الاولى قال للصحيفة إنه على عكس بداية الانتفاضة الثانية، فانه هو واصدقاءه لا يحاولون الاندماج في التمرد المحدود اليوم والمساهمة في نقل التجربة للجيل الجديد أو المبادرة إلى الحديث عن طرق تقوية هذه الهبة.
وقد قال هذا المسؤول للصحيفة إنه لا يوجد اجماع داخل فتح وباقي التنظيمات حول ضرورة الهبة. «لا أحد يتجرأ على الحديث ضدها، لكن هناك الكثير من التردد أو العداء الغير معلن لدى بعض الاوساط». وحسب اقواله فقد اجتمع قادة التنظيمات في رام الله عدة مرات، وايضا مع ممثلي حماس والجهاد الإسلامي، لكن النقاشات حول كيفية تصعيد وتوجيه هذه الهبة لم تكن جوهرية «لأن اغلبية المشاركين المهمين في فتح وحماس لا يعبرون عن مواقفهم الحقيقية». هناك قادة في فتح غير عباس يعارضون هذه الهبة، والاغلبية تريد ابقاءها محدودة على نار هادئة. وحسب التقديرات فان حماس تريد ذلك ايضا، رغم أن تصريحاتها الإعلامية تقول العكس. نشطاء حماس غير بارزين في المظاهرات الكبيرة في الضفة الغربية (باستثناء الخليل). في غزة نفسها تعارض سلطات حماس المظاهرات بالقرب من الجدار، لكنها لا تستطيع الاعلان عن ذلك بشكل علني. سلطة حماس في غزة مرهونة ببقاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. فعن طريقها وبسببها يستمر العالم في ايصال التبرعات للتعويض عن الاضرار الاقتصادية التي يتسبب فيها الحصار الاسرائيلي. وجود السلطة يُمكن من حدوث الحركة، وان كانت ضئيلة، إلى خارج القطاع، والسلطة هي التي تتفاوض مع مصر حول فتح معبر رفح. توسيع الهبة إلى درجة عدم السيطرة عليها من شأنه تسريع سقوط السلطة. وانهيار اقتصادي وانساني في القطاع سيكون على حساب سيطرة حماس.
مصادر مختلفة تقول إن جميع التنظيمات السياسية ومن ضمنها حماس والجهاد الإسلامي تفهم أن العسكرة التي قضت على الانتفاضة الثانية ستكون خطأ كبيرا. مصدر أمني فلسطيني قال للصحيفة إنه في لقاء مع الاجهزة الأمنية التي تسيطر وممثلي فتح في المحافظات المختلفة، كرر عباس هذا الاسبوع الأوامر بعدم السماح بالتدهور واستخدام السلاح. وحسب هذا المصدر فانه على عكس الانتفاضة الثانية، فان الاجهزة الأمنية التي تتشكل في اغلبيتها من فتح، تعارض هي ايضا العسكرة.
هذه ليست معارضة فقط للتمرد المسلح. فالجميع داخل التنظيمات وخارجها يعارضون العمليات الفردية وخصوصا من قبل القاصرين، لكنهم لا يتجرأون على معارضتها بشكل علني. المشكلة هي أنه ليس هناك شخصية فلسطينية في هذه الاثناء قادرة على التأثير على الجمهور الفلسطيني وعلى الشباب بالذات. ليس شعراء أو كُتاب مثل محمود درويش، وليس مثقفين مثل ادوارد سعيد، أو سياسيين مثل فيصل الحسيني.
حسب اقوال أحد نشطاء فتح فان حركته لا تستطيع القيادة والجمهور الواسع لا ينضم لانتفاضة الشباب لأنه لا توجد رسالة سياسية واضحة وموحدة. وحل الدولتين يبدو أنه غير قابل للتحقق رغم أن المظاهرات تطالب بطرد اسرائيل من الضفة الغربية وبما في ذلك شرقي القدس. اخطاء السلطة الفلسطينية خلال عشرين سنة من وجودها منحت اسما سيئا لمشروع «الاستقلال وبناء الدولة» ـ الذي كان الطلب المركزي في الانتفاضة الاولى. «كل شيء غامض وجميعنا ننتظر دون محاولة التأثير فيما يحدث»، قال النشيط من فتح.
هآرتس