قمة بوتين الخامنئي ونتائجها
غالب قنديل
احتارت آلة البروباغندا الغربية الخليجية بقيادتها الأميركية في كيفية دق الأسافين الافتراضية بين روسيا وإيران وهي سعت مبكرا ومنذ سنوات للإيحاء بتعارضات وتناقضات بين موسكو وطهران لكنها رفعت من وتيرة التحريض والترويج لتلك الهلوسات عن التباعد والتنافس الإيراني الروسي بعد مبادرة الرئيس بوتين الهجومية للشراكة مع الدولة الوطنية السورية في الحرب التي تخوضها لتحرير سورية من عصابات الإرهاب بدعم مباشر وشامل من إيران وحزب الله والخطوة الروسية العسكرية ذاهبة إلى التصاعد والتوسع كما تبرهن الأحداث نحو بلورة استراتيجية عالمية لدحر الإرهاب التكفيري والقضاء عليه في معاقله فما هي المعاني والأبعاد التي حملتها زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى طهران حيث لقي استقبالا حارا انطلق من مقر المرشد الإمام السيد علي الخامنئي.
أولا خلافا لما توقعته هلوسات ودسائس الغرب والخليج فإنه وبعد تفكيك منظومة الحصار والعقوبات حول إيران تبدو الشراكة الروسية الإيرانية ذاهبة نحو تشبيك وثيق في المصالح والتعاون الاقتصادي عبرت عنه خمس وثلاثون اتفاقية جرى التوقيع عليها بين الدولتين خلال الزيارة كما أعلن رسميا وهي اتفاقات تشمل مجالات الطاقة والتبادل التجاري وخطوط النقل البري وانابيب نقل الغاز والنفط وتخصيب اليورانيوم وتقنيات إنتاج الطاقة الكهربائية والمحطات النووية.
من خلال تلك الاتفاقات تم إرساء قواعد متقدمة لتعاون إنتاجي تكنولوجي يختصر محاور الاستقلال والتقدم الاقتصادي وهي في الوقت عينه محاور هامة في بلورة كتلة شرقية تتكامل إنتاجيا وتتطلع إلى سوق أوراسية مشتركة تكون إيران جزءا منها كما قال الرئيس بوتين وهذا ما يمثل تطورا لعلاقات توثقت في زمن الحصار الاستعماري الذي كان مضروبا على إيران وقد شكلت يومها الرئة الروسية متنفسا صناعيا وتقنيا وعسكريا مهما للصمود الإيراني ولتطوير الموارد والقدرات الاقتصادية الإيرانية التي مثلت الشراكة مع روسيا احد اهم محاورها وهي شراكة تعززت بدور روسي مساند لحقوق إيران النووية خلال مفاوضات صعبة ومتعرجة انتهت بانتزاع تلك الحقوق بنتيجة الصمود والمواجهة ضد الاستعمار الأميركي الغربي من خلال منظومة المقاومة الإقليمية واستنادا إلى صمود سورية في وجه العدوان الاستعماري خلال السنوات الأخيرة حيث تجلى التعاون الروسي الإيراني في قضية مشتركة تختصر الصراع على مستقبل العالم.
ثانيا من محاور التكامل الاقتصادي توثيق الشراكة في السلع الاستراتيجية التي ينتجها البلدان أي النفط والغاز ومن ضمنها خطوط النقل العملاقة التي ستعبر سورية نافذة الحليفين الروسي والإيراني على العالم من ساحل المتوسط وهي ستكون خطوطا متوازية للسكك الحديد ولنقل الغاز والنفط والطاقة الكهربائية المنتجة نوويا وهي جميعا ميدان استثمار مشترك روسي إيراني صيني سوري عراقي ضمن مشروع بناء الكتلة الشرقية وإطلاق ثورتها الصناعية ونهوضها الاقتصادي الكبير كقوة منتجة وكسوق مشتركة وهذا المشروع الذي جاهر به الرئيس بشار الأسد مبكرا هو المستهدف الأول في الحرب على سورية التي سعى الحلف الاستعماري التركي السعودي القطري لتدميرها والسيطرة عليها عبر حكم عميل يقيمه تنظيم الأخوان لصالح مشروع قاري بديل لنقل النفط والغاز بقيادة اميركية إسرائيلية مبني على تصفية قضية فلسطين وتهويد الجولان.
من اهم العلامات الفارقة في زيارة الرئيس بوتين توثيق التعاون العسكري بتسليم منظومات صواريخ متطورة لإيران من شأنها تمكينها من قدرات رادعة ودفاعية مهمة وهذا خط مفتوح قابل للتوسع في المرحلة المقبلة وسبق أن دشنت خطواته الأولى في زمن الحصار والعقوبات الأميركية الغربية .
روسيا وإيران ومن ورائهما الصين يرسيان دعائم الكتلة الشرقية الصاعدة ضد الهيمنة الاستعمارية ( بالتعبير الدبلوماسي الأحادية الأميركية ) ويقفان بقوة وثبات إلى جانب الجمهورية العربية السورية ورئيسها وقواتها المسلحة في وجه عصابات الإرهاب والتكفير اداة العدوان الاستعماري المفضوحة .
ثالثا الرئيس بشار الأسد كان حاضرا بقوة في مناقشات الإمام الخامنئي والرئيس بوتين وقد برز التناغم القوي بين الزعيمين في دعم الصمود السوري والتنويه بإرادة الاستقلال وبالشرعية الشعبية والدستورية التي يعبر عنها الرئيس بشار الأسد ويرمز إليها .
التصميم والحزم الذي أبداه الزعيمان في التصدي للضغوط الأميركية التي تستهدف مكانة الرئيس بشار الأسد هو تعبير عن موقف واحد في التعامل مع الوضع السوري والتصدي للمناورات والضغوط الغربية الأميركية وللمراوغات التركية السعودية القطرية وقد كانت معبرة كلمات السيد الخامنئي في الثناء على المصداقية الروسية التي تجلت من خلال الدعم العسكري الواسع للدولة الوطنية السورية بينما تحدث الرئيس بوتين عن الشريك الإيراني المطمئن وعن روسيا التي لا تطعن أصدقاءها .
الخطوات الروسية في سورية رسمت في مداولات ثلاثية روسية إيرانية سورية قبل اكثر من ستة أشهر وظلت طي الكتمان ليتم تظهيرها تدريجيا في الميدان وفي المشهدين السياسي والإعلامي وقمة بوتين الأسد كان محطة اولى وها هي قمة بوتين الخامنئي محطة اخرى لتكتمل دورة العمليات الهجومية الجارية خلال الأسابيع القليلة القادمة كما تقول جميع المؤشرات .
في آب 2006 قلنا إن الشرق الجديد يولد في مخاض المقاومة والصمود وقمة طهران كما سيدونها التاريخ هي محطة حاسمة في ذلك المخاض الجيواستراتيجي الذي يحتضنه صمود القلعة السورية بقيادة الأسد .