تقارير ووثائق

على الولايات المتحدة إرسال قوات برية للقضاء على داعش جيمس جيفري

 

واشنطن بوست

16 تشرين الثاني/نوفمبر 2016

الهجمات المروعة في باريس، التي جاءت في أعقاب قيام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» على الأرجح بتفجير طائرة ركاب روسية في سيناء في خضم الأزمات الناجمة عن الصراعات ذات الصلة التي تدور في العراق وسوريا، تتطلب جواباً على السؤال التالي: متى تدرك الولايات المتحدة بأنها في حاجة ماسة إلى استخدام القوة العسكرية الحقيقية لهزيمة تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية»؟

بعد مرور ما يقرب من 18 شهراً على بدء إدارة أوباما باتخاذ أنصاف الحلول، من الواضح أنه لن تتم هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في غياب قوات برية متنقلة من الدرجة الأولى، تكون مترابطة مع قوة جوية ساحقة. ولا يجب أن تكون تلك القوة البرية كبيرة – على سبيل المثال كانت القوة الأمريكية الرئيسية المهاجمة التي شاركت في أكبر معركة في حرب العراق الثانية في الفلوجة عام 2004، مكونة فقط من سبعة إلى ثمانية كتائب، مع تعزيز ودعم [لوجيستي]، ليصبح عدد أفرادها 7000 إلى 8000 جندي. كما لا يجب أن تكون جميعها أمريكية. فبإمكان القوات الفرنسية وغيرها من القوات الغربية التي تمتلك مستوى جيد من الخبرة أن تستكمل القوات الأمريكية، وهو الأمر بالنسبة لنظيراتها من التشكيلات العراقية والسورية الفعالة. ولكن في غياب قوات برية أمريكية فلن يحدث أياً من ذلك. وسوف يحافظ تنظيم «الدولة الإسلامية» على تماسك “دولته”، كما أن هجماته المضادة – وكذلك الاستغلال الإيراني-الروسي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» لتحقيق أهدافهما العدوانية الخاصة – سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الكثير من دول أوراسيا ويعرّض الولايات المتحدة مرة أخرى لهجمات إرهابية واسعة النطاق.

وحقيقة أنه حتى بعد الهجمات [الإرهابية] في باريس الأسبوع الماضي، فإن الأمر اللافت للنظر هو أن الإدارة الأمريكية ومرشحو الرئاسة الأمريكيين وخبراء من الخارج عموماً، لم يكونوا قادرين على تقبل هذا الواقع الجديد. وقد حث كلاً من القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي الأدميرال جيمس ستافريدس وحاكم ولاية أوهايو والشخصية الرائدة المرشح للرئاسة الأمريكية جون كاسيش من الحزب الجمهوري، حلف الناتو على تولّي مسؤولية الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». كما اقترح مرشحون آخرون من الحزب الجمهوري شن ضربات جوية أكثر فعالية؛ كما تحدثت المرشحة للرئاسة الأوفر حظاً من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون أساساً حول توسيع النسخة الحالية للاستراتيجية الأمريكية لكنها أضافت، “لا يمكن أن تكون معركة أمريكية.” وكان السناتور ليندسي غراهام (جمهوري من ولاية جنوب كارولينا) المرشح الوحيد من بين الكثير من مرشحي الرئاسة الذي ضغط من أجل نشر قوات برية أمريكية تقليدية كبيرة.

لماذا لا تحظى عملية عسكرية تقليدية بمناقشة جادة بينما تُعتبر أمراً واضحاً؟ يعود ذلك جزئياً إلى أن شعار الإدارة الأمريكية الحالية هو “عدم وجود حل عسكري لأي شيء” ، وفي الجزء الآخر لأن العديد من الأمريكيين، ناهيك عن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين (البرلمان البريطاني اختار للتو ألّا يشارك في العمليات الجوية فوق أجواء سوريا)، يعتبرون أن العمليات العسكرية، وخصوصاً العمليات العسكرية البرية، في منطقة الشرق الأوسط تؤدي إلى نتائج عكسية في أحسن الأحوال وكوارث في طور التكوين في أسوأ الأحوال.

وحتى قبل وقوع الهجمات في باريس، أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية كبيرة من الأمريكيين شعروا بخيبة أمل من جراء قيام الإدارة الأمريكية بحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» مدركين بأن التشدد الإسلامي يشكل تهديداً خطيراً، ولكن لا يزال أكثر من النصف من الذين شملهم الاستطلاع يعارضون استخدام القوات البرية الأمريكية. وقد تم تعزيز هذا التفكير بشكل كبير نتيجة كفاح القوات البرية الأمريكية في حربي العراق وأفغانستان، ولكن جذوره تكمن في التدخلات الفاشلة في الصومال وبيروت، وفي فيتنام بطبيعة الحال.

بيد، يتجاهل هذا التفكير الحقيقة وراء هذه الإخفاقات. فقد كانت جميعها التدخلات في حروب أهلية أو عمليات لمكافحة التمرد، من خلال نشر قوات أمريكية تقليدية لحل الصراعات الإجتماعية اللامتناهية ولبناء الدول. إن ذلك ليس ما يتطلبه إنهاء سريع للقوة التقليدية ظاهرياً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية».

والانتقاد الثاني هو أن استخدام القوات البرية يتطلب إجابات مقنعة ومفصلة للأسئلة التي ستُطرح في “اليوم التالي” حول كيفية تنظيم المناطق الجغرافية الكبيرة، وتوفير الأمن للسكان المحررين والحفاظ على الأمل من أجل قيام مستقبل أفضل كبديل للتطرف. وهذا صحيح، ولكن مع ذلك فبغض النظر عن كيفية إجابة المرء على تلك الأسئلة، يجب ألا يتضمن الجواب كون القوات الغربية قوة محتلة. بالإضافة إلى ذلك، ففي حين قد يكون من الصعب الاستدلال على “اليوم التالي” وأن تنفيذ أي حلول قد يكون مكلفاً، إلا أنه من المرجح أن يكون أسهل وأقل كلفة من التعامل على المدى الطويل مع “دولة” تنظيم «الدولة الإسلامية».

وهناك بديل ممكن لحجة أخرى ضد [نشر] قوات برية أمريكية ويتمثل بـ : وجود قوة جوية أمريكية عالية الجهد وجسيمة حقاً، ومشاركة جهد استشاري يكون مرتبطاً بقوات برية محلية، مع قواعد اشتباك أكثر تساهلاً ونشر قوات “العمليات الخاصة” الأمريكية في مواقع متقدمة. وفي حين تم اتباع هذه المقاربات بصورة ناجحة في أفغانستان في عام 2001، وشمال العراق في عام 2003 والبصرة في عام 2008 وقندوز قبل شهر، إلا أنه لم يتم تجربتها حقاً ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وتكمن المشكلة في أنه لم يعد لدى الولايات المتحدة متسع من الوقت لمعرفة ما إذا كان بإمكان نجاح هذا النهج الذي هو دون المستوى الأمثل، كما أنه ليس لديها ما يكفي من الشركاء المحليين الفاعلين. فالعناصر الكردية المختلفة، وقوات الأمن العراقية، والقبائل السنية، والميليشيات الشيعية ومقاتلي المقاومة السورية على الأرض لا يتمتعون بولاء مشترك؛ والكثير منهم يتحدون بعضهم البعض بقدر مجابهتهم لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وببساطة لا يمكن للولايات المتحدة حل هذه القضايا في الوقت اللازم لجعل هذه المجموعة القوة الهجومية الأولية.

وأخيراً، فإن حتمية تجنب وقوع خسائر أمريكية عادة ما تنهي النقاشات حول نشر قوات برية. وفي حين، أن القيام بعمليات هجومية واضحة وقصيرة المدى عادة ما تولّد خسائر محدودة نسبياً، إلا أن الحقيقة هي أنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ مستويات الضحايا، وأن أية وفيات بسبب العمليات القتالية تشكل مأساة وتنطوي على مخاطر سياسية. بيد، على الولايات المتحدة أن تكون أمينة. لقد خلفت الحرب الأهلية السورية الملايين من اللاجئين ومئات الآلاف من القتلى المدنيين. كما أن تنظيم «الدولة الإسلامية» نفسه قد حصد عشرات الآلاف من الأرواح البريئة في المنطقة، ومؤخراً مئات آخرين من أرواح المدنيين في تركيا ومصر ولبنان وفرنسا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو في أي مرحلة من القتال يؤدي مثل هذا النهر المتزايد من الدماء إلى تبرير المخاطرة بحياة الأمريكيين؟

جيمس جيفري باحث في معهد واشنطن ( قريب من لوبي إيباك الصهيوني ومن مراكز المحافظين الجدد ) شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة في تركيا 2008-2010 والعراق 2010-2012.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى