مقالات مختارة

تداعيات هجمات باريس د.منذر سليمان

 

اميركا تغلق قلبها وعقلها على اللاجئين السوريين

وتستغل الصدمة

       الموقف الاميركي من مسألة الهجرة سبق هجمات باريس الاخيرة، واستغلالها لاستحضار مشاعر العداء للوافدين وتسخيرها في سباق التجاذب والاصطفاف السياسي، واعتبره ثمرة سياسة اوروبية متساهلة امام اللاجئين السوريين تحديدا. وما برح قادة سياسيون اميركيون في تحميل اللاجئين السوريين الوافدين لاوروبا مسؤولية الهجمات مباشرة، وحشد الرأي العام ضد مشاعر التعاطف اولا، ومن ثم استصدار قرار في مجلس النواب الاميركي ظاهره اثارة الهلع من امكانية “تدفق” اللاجئين، وباطنه ابطال مفعول قرار الحكومة باستقبال عشرة آلاف لاجيء سوري تحديدا العام المقبل.

       وانفرجت اسارير الحزب الجمهوري وانصاره باعلان غالبية حكام الولايات المتحدة، ما لا يقل عن 37 حاكم، معارضتهم الشديدة لاستقبال لاجئين سوريين قبل انبلاج صباح باريس الدامي، ومنهم اقلية تدين بولائها للحزب الديموقراطي، اجمعت على مخاطبة الادارة برفض جهود التوطين.

       وانضم قادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب الى جوقة التهويل وزرع الاوهام حول مخاطر توطين لاجئين سوريين، باستصدار قرار يهيب بالسلطات الأمنية تشديد جهود المراقبة والتدقيق على اللاجئين السوريين و”التريث” قبل اصدار قرارها بالموافقة على السماح لهم بدخول الاراضي الاميركية.

قرار مجلس النواب في حد ذاته شكل انتكاسة كبيرة لسياسة الادارة الاميركية بتوطين 10.000 لاجيء سوري العام المقبل. منفذو هجمات باريس لم يكن بينهم اي لاجيء سوري؛ فرنسا لا تقل عنصرية عن قريناتها في الغرب الاوروبي والاميركي، ادركت ذلك واعربت عن استمرار سياستها في استقبال اللاجئين. اما الاميركيون فاكتفوا بالصاق التهمة باللاجئين السوريين.

       الترحيل والابعاد الجماعي للمهاجرين “من الاراضي الاميركية” ليس وليد مناخ الارهاب الحالي، بل اقد م عليه ثلاثة من الرؤساء الاميركيين السابقين، كل لدوافع حماية فرص العمل امام المواطنين الاميركيين: الرئيس هيربرت هوفر الذي تسلم مهام منصبه قبل بضعة اشهر من “الكساد العظيم،” عام 1929، وافق على ترحيل نحو 121.000 فرد خلال ولايته الرئاسية او “حفزهم على المغادرة خشية الترحيل.”

       الرئيس هاري ترومان، صاحب قرار الاعتراف باغتصاب فلسطين، شهد عهده بولايتين رئاسيتين ترحيل نحو 3 ملايين و400 ألف مهاجر، ايضا المغادرة تحت الاكراه بالترحيل. اما الرئيس دوايت ايزنهاور فقد اشرف على ترحيل/مغادرة نحو 2,100,000 مهاجر ضمن حملة اطلق عليها “عملية الظهر الرطب،” دفع بهم عبر الحدود مع المكسيك؛ ايضا تحت حافز المغادرة او الترحيل.

لسنا بصدد دراسة المبررات والدوافع التي ادت لتلك الموجات الكبيرة من الترحيل، رغم اهميتها، لكن قاسمها الاعلامي المشترك كان يرمي تعبئة الرأي العام بهدف “تحصين فرص العمل امام المواطنين الاميركيين.” اما الاحصائيات الواردة فهي منتقاة من ادبيات دائرة الهجرة الواردة في تقاريرها الدورية بعنوان “التقرير السنوي لهيئة الهجرة والتجنيس.”

       في الوقت الراهن، اشار استطلاع للرأي اجرته شبكة (ان بي سي) للتلفزة الى معارضة اغلبية الاميركيين، 56%، لجهود توطين اللاجئين السوريين؛ توزعت النسبة بمعارضة 80% من الجمهوريين مقابل موافقة نحو ثلثي الناخبين الديموقراطيين.

عداء اميركا لسوريا ومواطنيها السوريين له ابعاده التاريخية في سياق صراع القوتين العظميين، من ناحية، ورفض سوريا توقيع معاهدة صلح مع “اسرائيل،” وينظر لدمشق كأكبر تهديد مباشر “لاسرائيل،” خاصة بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وخروج مصر الرسمية من دائرة الصراع. اما التعاطف الاميركي الظاهري مع المعارضة السورية فجاء بناء على رغبة واشنطن الاطاحة بكيان الدولة السورية، ليس الا، وسرعان ما ستتخلى عنهم.

النخبة السياسية الحاكمة في اميركا لا تولي اهمية عالية للاجئي سوريا، او نظرائهم الآخرين، الا بقدر ما يصب في خدمة مصالحها الاستراتيجية. في هذا الصدد، تقدم احد اهم اركان معسكر الحرب، السيناتور جون ماكين، بمشروع قرار في مجلس الشيوخ لرفع الحظر المفروض على سقف الانفاقات العسكرية، بحجة مواجهة التحديات الجديدة من “روسيا والصين،” والتغيرات الدولية الناجمة عن التدخل الروسي المباشر في سوريا. وزعم ماكين ان بلاده ومنذ العام 2011 خفضت نفقاتها العسكرية بنسبة 25% سنويا.

كرة الهجرة تتدحرج داخليا

خصوم الادارة الاميركية ما برحوا توجيه انتقاداتهم القاسية “لتخبط سياستها نحو سوريا،” وما أزمة اللاجئين الا دليل على عمق الأزمة، كما يرددون. وتعرض الرئيس اوباما لسيل من اسئلة الصحافيين الاميركيين، في موتمره الصحفي في قمة العشرين بانطاليا التركية، طالبين منه التقدم بدلائل مادية تدعم “فعالية استراتيجيته ضد داعش” في سوريا. اوباما بدت عليه علامات الاعياء وضيق الصدر، ووصفه مراسل البيت الابيض في شبكة (ان بي سي) للتلفزة، تشاك تود، بقوله انه “كان في موقف الدفاع                     المستميت ..”

واضاف آخرون ان الانطباع الشعبي السائد يناقض زعم البيت الابيض، لا سيما في اصراره على “تحقيق احتواء داعش،” وتتجسد امامه وقائع تعزيز قوة داعش وتمدده جغرافيا. بل ينفي المقربون من البيت الابيض كل ما قيل عن داعش على الرغم من “تفجيره طائرة مدنية روسية، وشن هجمات مزدوجة في بيروت، وقد ارفقها بهجمات متتالية في باريس .. لا لم يتم احتواء داعش، بل ارتكب مجزرة في باريس ذهب ضحيتها 129 فردا.”

تعثر سياسات الرئيس اوباما في الاقليم بدأت تؤتي أكلها عبر ابتعاد بعض قادة الحزب الديموقراطي عن تبني سياساته والدفاع عنها. وعلى سبيل المثال، المرشح عن الحزب الديموقراطي لمنصب عمدة ولاية لويزيانا، جون بيل ادواردز، يجاهر بعدائه لاستقبال لاجئين سوريين في ولايته.

عضو مجلس النواب عن ولاية ماساتشوستس، الديموقراطي سث مولتون، كان شديد الوضوح بالقول “كررت منذ زمن ان تنظيم الدولة الاسلامية يشكل تهديدا للأمن القومي الاميركي ولحلفائنا ايضا، مما يستوجب منا بلورة خطة شاملة لالحاق الهزيمة به. لست واثقا من بلوغنا ذلك في الوقت الراهن .. لا اعتقد ان في جعبتنا معالم استراتيجية طويلة الاجل.”

احد اهم اركان الحزب الديموقراطي في مجلس الشيوخ، دايان فاينستاين، قررت التباين عن موقف البيت الابيض مطلع الاسبوع، باعلانها عدم تطابق رؤيتها مع زعم الادارة الاميركية باحتواء تنظيم داعش. وقالت “لم اكن يوما اشد قلقا .. لدي صلاحية الاطلاع بأمانة على التقارير الاستخباراتية. تنظيم الدولة الاسلامية لم يتم احتواؤه، بل انه يتمدد.”

وانضمت فاينستاين الى جوقة الرافضين لاستقبال لاجئين سوريين نظرا “لما تعرضت له باريس من هجمات، فان مهمة تأمين حدودنا ينبغي ان تحتل رأس سلم اولوياتنا. وكجزء من ذلك التوجه، ينبغي علينا الحذر من السماح بدخول اللاجئين السوريين ..”

السيناتور الديموقراطي المؤيد “لاسرائيل” بشدة، شارلز شومر، اوضح مطلع الاسبوع ايضا انه “قد نلجأ لوقف جهود اعادة توطين اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة لدواعي الضرورة.” يشار الى ان شومر يقف على عتبة تبوأ منصب زعيم ممثلي الحزب الديموقراطي في مجلس الشيوخ العام المقبل، بعد اعلان الزعيم الحالي هاري ريد عن تقاعده من المنصب.

غابت تلك المروحة الواسعة من الاراء عن مناظرة مرشحي الحزب الديموقراطي، نهاية الاسبوع الماضي. اذ جانب الحذر كل من هيلاري كلينتون وخصمها بيرني ساندرز وتفادي التعليق على هجمات باريس، او لناحية الافصاح عن بلورة سياسة واعية لاعادة توطين اللاجئين.

استدركت المرشحة هيلاري كلينتون سيل الانتقادات الموجهة لحملتها بتفاديها الخوض في شؤون السياسة الخارجية، والقت خطابا رئيسيا امام مجلس العلاقات الخارجية المرموق، نهاية الاسبوع، اصطفت فيه بحذر الى دعم سياسات الرئيس اوباما لا سيما في ارسال فريق من الوحدات الخاصة الاميركية لسوريا، مطالبة بارسال المزيد ان تطلب الأمر. كما طالبت السلطات التركية التعاون التام “للكشف عن هوية كل عنصر دخل الاراضي التركية للقتال في سورية،” لملاحقتهم واستثنائهم من التصنيف ضمن اللاجئين السوريين وتجنيب الاراضي الاميركية شرورهم.

الرئيس اوباما وفريقه في البيت الابيض اكد في خطابه الاسبوعي للاذاعة على اولوية سلامة المواطنين الاميركيين، محذرا من “صد الابواب في وجه اللاجئين الفارين جراء العنف الرهيب الذي تعرضت له باريس الاسبوع المنصرم والذي سيكون بمثابة التخلي عن قيمنا.”

وحذر اوباما من الوقوع في فخ تنظيم داعش “الذي يريد منا ادارة الظهر للمسلمين ضحايا الارهاب. نحقق اهدافنا عندما نحدد اولويات عناصر الأمن وفي نفس الوقت نرفض التنازل عن القيم الاميركية الاساسية بالحرية والانفتاح والتسامح.”

صلافة او وضوح في الحزب الجمهوري

سارع مرشحو الحزب الجمهوري إلى استغلال حادثة باريس وتوظيفها الى ابعد الحدود بالتركيز على “فشل سياسات الرئيس اوباما المزمنة،” ويعتقدون أن سبب حدوث الهجمات الباريسية هو تخلي الرئيس اوباما عن لعب الدور القيادي في الساحة العالمية. في مناخ الازمات والقلق يجد الحزب الجمهوري ارضية خصبة لبث “فلسفته” وقيمه واصطفاف عدد لا بأس به من المواطنين والاخذ بخطابه السياسي، ولو الى حين؛ كما شهدت عليه استطلاعات الرأي المشار اليها بمعارضة اغلبية من الاميركيين استقبال اللاجئين السوريين.

المرشح الاقوى دونالد ترمب لا يدع مناسبة تمضي دون افصاحه عن معارضته للوافدين المصنفين “بالمهاجرين غير الشرعيين،” وتبني خطة تجميعهم وترحيلهم بالجملة الى الحدود المشتركة مع المكسيك. واشار ترمب الى صوابية توجهاته فيما يتعلق بتنظيم الدولة الاسلامية بعد توجيه ضربات (روسية وسورية) مباشرة الى المنشآت النفطية في مناطق سيطرته والقضاء على مصدر دخل رئيسي للتنظيم.

وذهب ترمب ابعد من ذلك باستغلال مشاعر العداء الكامنة ضد المسلمين في المجتمع الاميركي، متوعدا جمهوره “النظر بجدية في اغلاق المساجد الاميركية،” حال فوزه بالانتخابات الرئاسية. واوضح انه لا يتوفر لبلاده “اي خيار بالمطلق .. سوى اغلاق المساجد.” وزعم ترمب ان “عددا كبيرا من المواطنين يؤيدون ذلك،” محذرا من انتفاء الخيارات في حال التخلف عن تطبيق المتاح.

وفي احدث تصريح لترامب تعهد فيه “بترحيل كافة اللاجئين السوريين الذين تم توطينهم في الولايات المتحدة،” بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية. وشدد على التزامه بضبط الحدود “سيكون بوسعنا استعادة سيادة بلادنا. نعم لا ننعم بدولة سيادية حاليا.”

تجدر الاشارة الى انتعاش مبيعات الاسلحة الفردية في اميركا، عقب هجمات باريس، ووجدها مرشحو الحزب الجمهوري فرصة سانحة للمطالبة بتكديس السلاح. ورصدت اجهزة الشرطة الاميركية المختلفة تنامي وتيرة المواطنين الساعين للحصول على تصريح بحمل السلاح، اسوة بالاجواء المشحونة ابان مظاهرات فيرغسون بولاية ميزوري ومدينة بلتيمور لاحقا. وقال ترمب انه لو كان بوسع سكان باريس حمل السلاح “لشهدنا اوضاعا مختلفة بشدة.”

المرشحون الآخرون عن الحزب الجمهوري لم يوفروا الرئيس اوباما من انتقاداتهم اللاذعة والبعيدة كل البعد عن الكياسة الديبلوماسية وآداب الخطاب. المرشح تيد كروز وصف سياسة اوباما لاستقبال بضعة آلاف من اللاجئين السوريين “بالجنونية،” مطالبا باستخدام مكثف “لسلاح الطيران” الاميركي في سوريا وتسليح القوى الكردية باسلحة متطورة.

سليل عائلة بوش، جيب، خسر مراهنته على الظهور بمظهر انساني وانقاذ سمعته من السقوط بدعم استقبال اللاجئين “لا سيما المسيحيين” منهم، مما حدا بالرئيس اوباما الرد عليه بتذكيره واقرانه ان القيم الاميركية لا توزع وفق الانتماء المذهبي.

المرشح بن كارسون حافظ على سطحية فهمه السياسي معارضا استقبال اللاجئين السوريين نظرا لوجود “عشرات الملايين من المواطنين المهمشين اقتصاديا واستقبال اللاجئين ينافي المنطق الاقتصادي.”

تشكل شبه اجماع شعبي ان دونالد ترمب هو اكبر المستفيدين من ضحايا باريس، استنادا الى استطلاعات الرأي التي كان يعاني فيها من صعود مفاجيء لبن كارسون قبل الحادثة. وقفزت شعبيته الى نسبة 36% بين الناخبين الجمهوريين، وفق استطلاع اجرته وكالة رويترز للانباء عقب الحادثة، وهي اعلى نسبة في صفوف مرشحي الحزب الجمهوري؛ معارضوه لم تتعد نسبتهم 10%.

صعود شعبية ترمب، بعد باريس، جاء مخالفا لتوقعات المراقبين الذين راهنوا على نفور الجمهور من دعم “تهور” ترمب والاصطفاف خلف مرشحين اقرب للمؤسسة الحاكمة، ابرزهم ماركو روبيو وجيب بوش، واللذين يتمتعان بخبرة لا بأس بها في شأن السياسة الخارجية. بالمقارنة، فان ترمب وخصمه بن كارسون يدركان بوعي تام نقص خبرتهما في السياسة الخارجية.

معارضة حكام الولايات

موجة تدفق اللاجئين السوريين فرضت نفسها على المشهد الانتخابي وايقظت هواجس الخوف من “المهاجرين الجدد” لدى قيادات بارزة في الحزب الجمهوري، وانبرت اغلبية من حكام الولايات للتعبير عن معارضتها السياسة الرسمية لاستقبال اللاجئين “خشية اندساس عناصر موالية للدولة الاسلامية بين صفوف اللاجئين.”

جهاز الأمن الرئيس، مكتب التحقيقات الفيدرالي، عزز هواجس العامة بتصريحات مديره العام، جيمس كومي، الشهر المنصرم، والاقرار “بعجزه عن توفير تأكيد قاطع بان استقدام اللاجئين السوريين لا ينطوي على مخاطر.” الاحصائيات الصادرة عن المكتب تشير الى توجيهه اتهامات بحق 66 شخصا في غضون 18 شهرا لضلوعهم بنشاطات ارهابية داخل الاراضي الاميركية “بعضهم من اللاجئين.”

الحكومة المركزية الاميركية تتسلح بالنصوص الدستورية امام معارضة الحكام والتي تخولها صياغة وتطبيق سياسة الهجرة والتجنيس، على الرغم من ضبابية بند الهجرة المنصوص عليه، والذي يعطي الكونغرس “صلاحية تحديد مفهوم موحد للتجنس،” يدعمه قرارات قضائية صادرة عن مختلف مراتب المحاكم توضح فيها مسألة الهجرة “حق اصيل من حقوق الحكومة الفيدرالية.”

حقيقة الأمر انه لا يوجد ازدواجية او تجاوز للصلاحيات، دستوريا على الاقل. واصطفت المحكمة العليا الى جانب صلاحيات الولايات وعدم جواز تحملها كلفة تنتج عن اي قرار للحكومة المركزية.

وزارة الخارجية، المخولة بالبت في منح الهجرة للمنتسبين، اوضحت ان لديها ميزانية مخصصة للانفاق على شؤون المهاجرين توزع بنسب متفاوتة حسب ظروف كل ولاية على حدة. واضافت موضحة مطلع الاسبوع انه بعد الموافقة على قرار الهجرة، ليس هناك ما يمنع اي مهاجر من التجول بحرية في اي منطقة من الولايات المتحدة، بعد اكتسابه حق المواطنة والاقامة القانونية.

تتمتع الولايات المعنية بصلاحية كبيرة في شؤون توفير الرعاية الصحية والدراسة الالزامية وقضايا السلامة العامة. باستطاعة السلطات المحلية، مثلا، رفض منح عقود ايجار او ممارسة ضغوط بتعزيز جهود واجراءات الرقابة الصحية على المرافق واللاجئين على السواء. كما باستطاعتها التأثير على قرار الشركات المتواجدة على اراضيها خاصة تلك التي تحتفظ بعقود لاعادة التوطين مع الحكومة المركزية.

قرار الحكومات المحلية بتصعيد المواجهة مع واشنطن سيؤدي بها الى الاحتكام للقضاء، والذي لا ينظر بعين العطف للسلطة التنفيذية لا سيما استخدامها صلاحياتها في اصدار قوانين رئاسية تخص الهجرة والتوطين؛ متسلحة بقرارات مشابهة في السابق تنص على تضافر جهود السلطات المحلية لاعادة توطين اللاجئين، وايلاء الأولوية لقرار وتصور سلطات الولاية.

السلطة التنفيذية تعمدت عدم اشراك السلطات المحلية بقرار التوطين، حفاظا على صلاحياتها ونفوذها، ولم تعد دراسات مفصلة تتناول تداعيات جهود التوطين على المدن والبلدات المختلفة، مما يعرضها لمساعي مقاضاتها قانونيا في القريب المقبل، على الرغم من عدم تطبيق سياستها المعلنة الا في العام المقبل.

تجدر الاشارة الى خصوصيات القوانين الاميركية المتعلقة بالهجرة والتي لا تمنح “الديمومة” لاوضاع اللاجئين، اذ باستطاعة رئيس جديد ان يبطل مفعول بعض او كامل القوانين الخاصة باللاجئين السوريين، واضطرارهم للمغادرة “او المغامرة بالترحيل القسري.” بل قد يلجأ رئيس “متهور” لتطبيق تدابير أمنية مشددة تؤدي لترحيل غير المرغوب فيه بحجة تهديد الأمن.

رغم اصرار الرئيس اوباما على سياسة الانفتاح والمعاملة الانسانية للاجئين واحتضان البعض منهم، الا انه يواجه معارضة متبلورة داخل اوساط الحزب الديموقراطي عينه، فضلا عن تنامي معارضة شعبية في ظل مناخ انتخابات رئاسية يطمح فيها حزبه لحصاد اكبر عدد من المقاعد النيابية وربما الاغلبية في مجلس الشيوخ، اضافة لمنصب الرئاسة.

الاجيال حديثة العهد والناشئة لا تكن مشاعر الود للرئيس اوباما وسياساته، لاسباب متعددة، ليس اقلها الضخ الاعلامي المنافس وسيل الاتهامات بفشل سياساته وتحميله شخصيا مسؤولية تدهور مكانة الولايات المتحدة عالميا.

من شأن وقوع حادث “ارهابي” داخل الاراضي الاميركية تسديد ضربة قوية للحزب الديموقراطي ومراهنته على استعادة موقعه القيادي في المرحلة المقبلة، خاصة اذ ما تم تنفيذه من قبل “لاجيء سوري،” في الفترة الراهنة التي تفصلنا عن موعد نتائج الانتخابات.

وعليه، باستطاعتنا ادراك حجم موجة “النأي بالنفس” لممثلي الحزب الديموقراطي والابتعاد، بل تخليهم، عن سياسات الرئيس اوباما الخاصة باللاجئين السوريين، وتجديد مطالبهم باعتماد اجراءات ومعايير اشد صرامة في مسائل توطين اللاجئين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى