عن الخلاف الروسي ـ الإيراني حول سورية: ماذا عن التواجد العسكري؟ عامر نعيم الياس
تنشر وسائل الإعلام بين الفترة والأخرى تقارير عن وجود خلاف روسي ـ إيراني حول سورية، يتضمّن مزايدات في مجملها للضحك على الرأي العام السوري وتعميق الانقسام في صف الكتلة المؤيدة للدولة السورية بين مؤيد لموسكو وآخر مؤيد لطهران. وفي سياق هذه اللعبة يتم في كل مرة تجميل صورة طرف عبر المزايدة في موقف ولحظة ما على الطرف الآخر، بما يساهم في تغليب وجهة نظر جناح في سورية على الآخر. فهل يدرك الإعلام ما الذي يفعله؟ وما هي الغاية من وراء ذلك؟
بالطبع، يدرك الإعلام ما يفعله. خصوصاً إن كان محسوباً على الجانب المؤيد للدولة السورية في حربها المستمرة على الإرهاب منذ خمس سنوات، فالهدف الرئيس تجميل وجهة الطرف الذي يراد له أن يبرز من وراء مساهمته في الأزمة السورية. هنا لا بد من القول إن مساهمة كافة حلفاء دمشق على امتداد السنوات الخمس الماضية لا تقدر بثمن. بدايةً من الجانب الاقتصادي ومروراً بالجانب التقني وليس انتهاءً بالجانبين الميداني والسياسي الأكثر أهمية حتى اللحظة. لكن الأساس يبقى محاولة المكاملة بين الأطراف المساهمة في صمود سورية، لا اللعب بالرأي العام ومحاولة استدراجه إلى متاهات هو بغنىً عنها. فليس كل من بقي في سورية يؤيد فريقاً ما من الحلفاء، ربما يريد الخلاص فقط وبعض السلام. لذا، فهو يؤيد كل من يخلّصه من الكابوس اليومي الذي يعيشه بغضّ النظر عن هوية هذا الطرف وانتمائه. هذا ما يجري على سبيل المثال مع ما تبقى من سكان مدينة حلب، العاصمة الثانية للبلاد، التي دمّرت بقرار تركي ـ أطلسي مشترك انتقاماً من صمودها وتاريخها ومكانتها الاقتصادية.
مَن الأفضل في سورية وبالنسبة إليها على الإطلاق، إيران أم روسيا؟
سؤال ساذج تنتفي الجدوى من طرحه بمجرد القول إن الدولتين موجودتان مباشرةً على الأرض في سورية وتقاتلان جنباً إلى جنب مع الجيش السوري والقوات الرديفة له من الدفاع الوطني إلى كافة الكتائب المقاتلة. هنا لا نستطيع أن نقول إن هذا الطرف يدعم الدولة السورية أكثر من هذا الطرف. والدليل ما جرى في الماضي، حتى إن كان هذا هو حرفياً ما جرى. من المستفيد من نبش الماضي؟
التدخل العسكري للحلفاء في سورية تدخل شرعي تمَ بطلب من الحكومة السورية، والاستجابة لهذا الطلب تختلف بحسب الظروف المحلية والدولية والإقليمية المحيطة بكل دولة وكل منظمة وحركة، لكن المهم حصول التدخل، وبالتالي بطلان وفقدان أي حديث عن خلاف بين الحلفاء حول سورية لأهليته، لا بل على العكس، تحوّله إلى مادة لتفريق الرأي العام المؤيد أولاً، وتوجيه هذا الخلاف في خدمة تحزّب الرأي العام السوري والقوى المؤيدة لهذا الطرف أو ذاك في سورية من السوريين وغير السوريين، وهو ما يحوّل التنسيق في سورية إلى تنافس، وهنا مكمن الخطورة. فالدولة السورية لا تزال قائمة حتى اللحظة، والكل يستمد شرعية وجوده من طلب هذه الدولة للمساعدة وفق القوانين والأعراف الدولية ووفق مبادئ السيادة. والكل ايضاً تقدّم له سورية ووجودها وتماسكها وصمودها اكثر ما يقدّم هو لها. حتى خوض المعارك على الأرض وتقديم الشهداء يرتبطان بمفهوم نقل المعركة إلى ساحة متقدّمة لدرء الفتنة عن شعب وجغرافيا الدولة التي تقاتل في سورية. وبهذا المعنى، فإن الوجود العسكري في هذه للحظة بالذات يساوي في الموقف السياسي بين هذا الحليف أو ذاك، كما يساوي في درجة مصلحة كل طرف داخل سورية ويفرض لزاماً الوقوف إلى جانب الدولة السورية بشكلها الحالي ووفق ما يريده الشعب السوري مستقبلاً.
(البناء)