ما بعد التصعيد الروسي حميدي العبدالله
فور ثبوت إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء بعمل إرهابي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّ روسيا سوف تقتصّ من الجناة وسوف تشنّ حرب لا هوادة فيها ضدّ الإرهاب.
وبعد ساعات قليلة على هذه التصريحات انطلقت القاذفات الاستراتيجية من نوع توبوليف 22 وتوبوليف 95 وتوبوليف 160 لتنفيذ سلسلة من الهجمات على مواقع الإرهابيين في الرقة وحلب وإدلب.
وبديهي القول إنّ استخدام هذه القاذفات الاستراتيجية، وقبل ذلك صواريخ كروز من بحر قزوين، وما تردّد عن قيام غواصة روسية بإطلاق صواريخ من البحر الأبيض المتوسط، يؤكد تصميم روسيا على استخدام كلّ قوتها من أجل اقتلاع الإرهاب. تزامن ذلك مع إعلانيين هامّين، الأول عسكري، والثاني سياسي، صدرا عن المسؤولين الروس، الإعلان العسكري يشير إلى تكثيف حركة الأقمار الصناعية الروسية في سورية والعراق لرصد تحركات الجماعات الإرهابية، والإعلان السياسي الاتهام الذي وجهه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للغرب بأنه لا يتعرّض لـ«داعش» عندما تهاجم الجيش السوري، ويحاربها فقط عندما تتنافس مع المجموعات المرتبطة بالغرب التي تحارب الجيش السوري.
وهذا يعني بشكل أو بآخر اتهاماً للغرب، إنْ لم يكن بالتواطؤ مع الإرهاب وتقديم الدعم له، وهو ما أثبته الرئيس الروسي في قمة العشرين، فعلى الأقلّ، عدم الجدية في محاربته، بما في ذلك تنظيم «داعش».
بديهي القول إنّ هذه النقلة العسكرية الجديدة في الإسهام الروسي في مكافحة الإرهاب، وهي نقلة نوعية نظراً لطبيعة الأسلحة المستخدمة، سوف تترك تأثيراً عميقاً على مجريات الميدان، وإذا كانت المرحلة الأولى من الإسهام الروسي قادت إلى المكاسب التي حققها الجيش السوري على جميع الجبهات، فإنّ الأسلحة الجديدة المستخدمة، وقدرتها على تدمير التحصينات التي أقامتها الجماعات الإرهابية، وكثافة الهجمات، إضافةً إلى الرقابة الجوية الشديدة على تحركات المسلحين، سيكون لها تأثير كبير لجهة تسريع انتصار الجيش وزحفه إلى مناطق تواجد الإرهابيين وطردهم من هذه المناطق ومساعدة سكانها على العودة إلى بيوتهم مثلما حدث في ريف جنوب حلب، ولا سيما في مدينة الحاضر.
كما أنّ الالتزام العسكري الروسي النوعي سيكون هو الآخر له تأثيرات كبيرة على المعادلة الإقليمية والدولية المتعلقة بالأوضاع السورية، فمن نافل القول إنّ القاذفات الاستراتيجية الروسية عبرت الأجواء التركية، ولم تستطيع تركيا أنّ تحرك ساكناً، كما أنّ إعلان الرئيس الفرنسي، تحت تأثير هجمات «داعش» في باريس، استعداده للتنسيق والتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب، وترحيب الرئيس الروسي بذلك وإصدار الأوامر للأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط للتنسيق والتعاون مع البحرية الفرنسية من شأنه أن يدخل تحوّلاً كبيراً في المعادلة الدولية والإقليمية لمصلحة تسريع الحلول السياسية التي تسهّل الحسم العسكري في مواجهة الإرهاب.
(البناء)