معركة سنجار محمد نورالدين
في وقت كانت عيون العالم تتجه إلى باريس حيث نفذ تنظيم «داعش» أكبر عملية دموية في تاريخ فرنسا وتاريخ أوروبا والغرب عموماً، وإحدى العمليات الأكبر له عبر تاريخه القصير، كانت تحدث تحولات مهمة في مكان آخر في الشرق الأوسط وفي العراق تحديداً.
معركة سنجار التي خاضتها قوات البيشمركة مع مقاتلين آخرين من أكراد سوريا ومن حزب العمال الكردستاني، ليست معركة عادية لا بنتائجها العسكرية ولا بدلالاتها السياسية.
البعض حتى يقول إن تفجيرات باريس هي من نتائج معركة سنجار ورغبة «داعش» في تحويل الأنظار عن هزيمته في سنجار. لكن هذا الرأي تنقصه الدقة إذ إن هجمات باريس لا يمكن أن تكون ردة فعل ارتجالية وخلال يومين فقط على معركة سنجار.فمثل هذه الهجمات المتعددة وفي وقت واحد وتشعّب أماكن المشاركين والمخططين فيها لا يمكن إلا أن تكون وفقاً لتخطيط استغرق وقتاً طويلاً وشاركت فيه عدة جهات دولية ومحلية فرنسية.
مع ذلك فإن معركة سنجار يجب أن تولى أهمية نظراً لحساسيتها وانعكاساتها على خريطة التوازنات في المنطقة وفي العراق.
منطقة سنجار تقع ضمن المناطق المتنازع عليها وفقا لتوصيف الدستور العراقي في مادته الأربعين وتضم مناطق أخرى مثل كركوك.
بعد غزو «داعش» للعراق في يونيو/حزيران 2014 وسيطرة التنظيم على مساحات واسعة في العراق ومنها الموصل ومنطقة سنجار، تقدمت قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان ومعها مقاتلون إيزيديون وأكراد سوريون ومن حزب العمال الكردستاني، وسيطرت على منطقة كركوك والمدينة ورفعت فوقها العلم الكردي قائلة إن النزاع على كركوك بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم قد انتهى باعتبار كركوك جزءاً لا يتجزأ من إقليم كردستان.
فرض هذا الأمر الواقع على كركوك قوبل باعتراض ورفض الحكومة المركزية في بغداد. غير أن موازين القوى وانهيار الجيش العراقي وأولوية محاربة «داعش» لم يكن يسمح لبغداد بأن تفتح معركة مع البيشمركة حول كركوك.
تغيير الأكراد الواقع القانوني لكركوك لا يغير من كونها بحسب الدستور منطقة غير محسوم مستقبلها ولمن تكون تابعة. أصل المشكلة في العراق هو مبدأ التقسيم الذي جعل كل منطقة مهما كانت صغيرة موضع تنازع وما كان غياباً للعدل والمواطنية على امتداد تسعين عاماً كان جوهر المشكلة.لم يستطع العراقيون أن يجدوا حلا للتمييز بين مكوناتهم خارج حل التقسيم. والتقسيم في منطقة عربية وشرق أوسطية متداخلة الهويات الإتنية والدينية والمذهبية يعني بكل بساطة حروباً أهلية تبدأ ولا تنتهي.
وهذا المنطق ينسحب على منطقة سنجار حيث لا يشكل الأكراد سوى حصة صغيرة من تركيبتها السكانية والتي في أغلبيتها إيزيدية الانتماء. ومع ذلك فقد فرض الأكراد عليها أمراً واقعاً مثل كركوك واعتبروا أنها جزء من كردستان ورفعوا فوقها العلم الكردي فقط دون العلم العراقي.
سنجار منطقة متنازع عليها أيضاً في الدستور العراقي. ولكن موقعها الجغرافي يفترض في حال رأى الأكراد أنها جزء من إقليم كردستان أن تستولي على منطقة تلعفر التركمانية الفاصلة بين محافظة دهوك وسنجار. وتلعفر منطقة غير متنازع عليها وبالتالي سيعني هذا احتلالها لاحقاً.
معركة سنجار ليست جزءاً من إعادة ترسيم الخريطة العراقية فقط بل خطوة أيضاً على طريق تعزيز الورقة الكردية في المنطقة وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً التي لا تشارك بفعالية في الحرب ضد «داعش» إلا إذا كان الأمر متعلقاً بتحقيق إنجاز كردي في العراق وفي سوريا، ومعارك عين العرب/كوباني وتل أبيض في سوريا والآن في سنجار أمثلة على ذلك. وهذا يطرح أسئلة جدية عن مدى رغبة القوى الدولية ولا سيما في الغرب وواشنطن تحديداً عن جديتها في محاربة الإرهاب قبل أن تستكمل أهدافها في ترسيخ التقسيم وزرع بذور خلاف جديدة بين المكونات والحدود الجديدة لتكون صالحة للتفجير في مراحل لاحقة.
مع إعلان سنجار جزءاً من إقليم كردستان وبرعاية أمريكية نحن أمام متغيّر جدي في المعادلة الراهنة يوجب التفكير بحكمة في كيفية معالجة الخلافات القائمة داخل العراق.
(الخليج)