مقالات مختارة

صدقونا نحن نعرف: تسفي برئيل

 

في اليوم الإسرائيلي الحار الذي وقعت فيه عمليات داعش في باريس، لم يكن مفر من ارتداء سترة مطر فاخرة توقف وابل الكلمات التي صبت على المصيبة التي المت بالثقافة الغربية بشكل عام وبأيقونتها الفرنسية بشكل خاص. فما الذي لم يقل: ان فرنسا توشك على أن تفقد سماء عقلها الثقافي، ان العمليات جاءت لتسحق لباب الثقافة الغربية، ان التوازن بين القيم الليبرالية والحرب ضد الإرهاب سيقضي الان نحبه. كما كان ايضا من توقع بيقين تام أن الليبرالية الفرنسية بالذات ستشمر عن اكمامها لتري الإرهابيين بانها ستتغلب عليهم وفي المقابل تنبأ آخرون ان اليمين المتطرف بالذات سيصبح ملكا.

ليست عائلات القتلى والجرحى هي التي اثارت اهتمام الخبراء الإسرائيليين في الشؤون الفرنسية، بل القلق والحزن على الضياع المرتقب لمعقل الليبرالية العالمية ذاك الذي هو منار لهم. فالإسرائيليون هم خبراء في الشؤون الفرنسية والليبرالية. خبراء جدا لدرجة انهم تخلوا عن الحاجة لاقامة دائرة لدراسة الثقافة الفرنسية في جامعة تل أبيب، وهذه الثقافة لا تعلم الا في جامعة بار ايلان. وحتى الدوائر التي توجد فيها «دراسات انسانية» في الجامعات في أرجاء البلاد لا تتبارك بوفرة الطلاب، وميزانياتها آخذة في الهزال. وحقا، لا حاجة لها في ضوء المعرفة الهائلة عن الليبرالية، القيم الكونية وأسس الثقافة التي تتدحرج هنا في كل زاوية.

ان سخاء خبراء الليبرالية الإسرائيليين تثير الانفعال. فلديهم وفرة من النصائح لزعماء فرنسا: كيف ينبغي لهم أن يتصرفوا. كم قوة بالضبط ينبغي استخدامها ضد الثقافة الإسلامية الرهيبة، ما هو بالضبط مدى حرارة الجسد المرغوب فيها التي ينبغي أن يعانق بها الاقلية الإسلامية في اوروبا بحيث لا تنجذب إلى غياهب داعش؛ كيف يجدر ان تحتضن الثقافة الام الاقلية وكيف تجفف مستنقعات الفقر والجريمة في ضواحي باريس، كيف تكتسب أسس الإسلام في كل المدارس، وما هو السبيل الصحيح للتمييز بين المسلمين الاشرار والاخيار.

يمكن أن نخمن كم أثار عاطفة الليبراليين الإسرائيليين مقال الفيلسوف برنار أنري ليفي، والذي اقترح فيه بالضبط هذه الامور. فمثلما هناك إسرائيليون «يفهمون فرنسا» فإن أنري ليفي «يفهم الإسلام». ما الذي يمكن أن يكون أكثر اقناعا من قوله ان «بلدان الإسلام هي الوحيدة في العالم التي فيها، كون الفاشية لم تقتحم تقريبا حدود اوروبا، لم تتشارك في الذكرى والحزن الذي للالمان، الفرنسيين، الاوروبين بشكل عام، واليابانيين»، وبالتالي اصبحوا هم أنفسهم فاشيين. يتبقى فقط ان نشرح للجزائريين، لليبيين، للتونسيين، للعراقيين، للسوريين ولمعظم دول افريقيا بان ما اختبروه من تجربة على ايدي المانيا، فرنسا، بريطانيا وايطاليا في العصر الاستعماري لم يكن فاشية، بل محاولة للدفع إلى الامام بثقافتهم ومحاولة انسانية لتقريبهم من التنور. ولكن هذا ليس الاساس. اليهود، الذين اصبح الكثيرون منهم إسرائيليين، يعرفون جيدا بالذات ما هي الفاشية، ومع ذلك لم يشكل الامر حصانة عن تبنيها وجعلها جزءا من الثقافة الإسرائيلية.

الإسلام في نظر الكثير من الإسرائيليين ليس دينا بل عرقا، متدنيا، عنيفا، بربريا، يهدد الدولة العليا، المحتلة الاخيرة في الغرب المتنور. العرب والفلسطينيون ليسوا سوى عرق دون إسلامي يجب اقتلاعه من الجذور. أيها الاخوة الفرنسيون، انظروا إلى الليبرالية ـ الإسرائيلية ـ اليهودية وستعرفون كيف تتصرفون مع المتوحشين الذين عندكم. فأنتم ونحن عالقون في ذات الورطة، ولكننا أكثر خبرة منكم. انتم اوجدتم الليبرالية اما نحن فشخصنا المخاطر عليها. انتم لا تزالون تترددون، ويا لكم من سذج، بين القيم والامن، اما نحن فقد حسمنا أمرنا منذ زمن بعيد. رجاء، دعونا نشرح لكم ما هو الخير لكم.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى