كاتالونيا وحتمية الصدام مع مدريد عامر نعيم الياس
لم تكن كاتولونيا على الإطلاق دولةً ذات سيادة، لكن النزعات الانفصالية للإقليم بدأت بالظهور والتبلور مع بدايات القرن الماضي، حيث ظهرت بيانات الاستقلال عامَي 1931 و1934، ومنذ ذلك الحين بات التيار الانفصالي حاضراً في قلب الإقليم، وإن تكن النسب المؤيدة له حتى بدايات القرن الحادي والعشرين لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لكن منذ عام 2010 بدأ التيار الانفصالي يتقدم في استطلاعات الرأي حتى وصلنا إلى سيطرة الأحزاب الانفصالية على 72 مقعداً من أصل 135 مقعداً تشكل البرلمان المحلي للمقاطعة الواقعة شمال شرق إسبانيا. هذه السيطرة التي يدعمها 47.9 في المئة من الناخبين الكتالونيين أفرزت في التاسع من تشرين الثاني الجاري تصويتاً على استقلال الإقليم تبنّاه البرلمان المحلي، ووصفه الانفصاليون بأنه «بداية لخلق الجمهورية الكاتالونية»، وسط صمتٍ من الحكومة الإسبانية حتى اللحظة وعدم اتخاذها ردّ فعل متسرّعاً. فهل يستمر الوضع على ما هو عليه بين حكومة مدريد وبرلمان برشلونة؟
منذ أكثر من سنة، توقفت المحادثات بين برشلونة ومدريد على خلفية الانتخابات التي حصلت في الإقليم وأوصلت الانفصاليين إلى سدة الحكم في الإقليم ذي التوجهات الانفصالية، وبديهي القول إن البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية ومعدلات بطالة مرتفعة وتباطؤ في النمو، لا يمكن لتوجّه كهذا داخلها أن يمر مرور الكرام، فالإقليم الواقع شمال شرق إسبانيا فيه 16 في المئة من السكان ويساهم بـ20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإسباني، فضلاً عن وجود العاصمة الثانية برشلونة ضمن جغرافيته وهي من أكبر الموانئ التجارية على البحر المتوسط. وفيها أربعة مطارات دولية، وشركات دولية كشركة «مانغو» للغزل والنسيج، جملة من الأسباب التي تدفع الكاتالونيين للانفصال وتدفع حكومة مدريد للتمسك بالإقليم في ظل عجز كبير في الموازنة الإسبانية وعدم وجود أي قدرة على تحمّل كلف خروج كاتالونيا من كنف الدولة الإسبانية في ظل نظام أوروبي يقوم في الأساس على الاعتماد على المقاطعات القوية اقتصادياً لدعم المقاطعات الأكثر فقراً من أجل تثبيت النموذج الاقتصادي الاجتماعي الذي يقوم عليه الاقتصاد الأوروبي بشكل عام، ويعد النموذج الذي تفتخر به أوروبا في إثبات أرجحيتها وتقدّمها على القارات الأخرى في العالم.
في ضوء ما سبق، ومع اقتراب الانتخبابات النيابية الإسبانية في العشرين من كانون الأول المقبل، ووسط توقعات بتقدّم حزب «سيودادانوس» اليميني، وإمكانية تحالفه مع الحزب الشعبي الإسباني في الانتخابات، يمكن القول إن الصدام بين حكومة مدريد سواء الحالية أو التي ستنتج عن الانتخابات المقبلة صدام حتمي. فالعاصمة الإسبانية لن تسكت عن المشروع الانفصالي سواء اقتصادياً كما ذكرنا، أو دستورياً في مواجهة المحكمة الدستورية الإسبانية العليا، والدستور الإسباني الذي يدعو في مادته الثانية إلى احترام «وحدة الأمة الإسبانية».
حتى اللحظة يبدو ضبط النفس سيّد الموقف بالنسبة إلى الحكومة الإسبانية التي تستند إلى الدستور، لكن شعبية الانفصاليين الكاتالونيين وشرعية تحركهم داخل الإقليم، ونتائج الانتخابات النيابية المقبلة من شأنها، في ظل التعنت الحالي، أن تدفع الأمور باتجاه تصعيد بين الطرفين قد يدفع إلى تدخل المجتمع الدولي للوساطة في سابقة هي الأولى من نوعها في أوروبا «الغربية».
(البناء)