بقلم غالب قنديل

شركة “القاعدة” ما زالت تعمل

jbeir kiri

غالب قنديل

في قلب الحرب على سورية وفي مقدمتها تقف الولايات المتحدة التي تلعب حكومتها دور المخطط والآمر الناهي وتبين يوميات الحرب أن سائر اللاعبين الآخرين هم شركاء ثانويون تقرر لهم واشنطن أدوارهم ومساهماتهم بما في ذلك الحكومات الأوروبية والحكومات الإقليمية الثلاث الأشد فاعلية ونشاطا في سائر فصول العدوان على الجمهورية العربية السورية : تركيا والممكلة السعودية والكيان الصهيوني .

اولا يمارس القادة الأميركيون نفاقهم المنظم كالمعتاد ويتحايلون على التوازنات القاهرة حين يتعمدون الإيحاء بمساحة منفصلة لهذا الدور او ذاك لأي من شركائهم في العدوان فمن ميزات الحروب الأميركية بالواسطة تلك الخيوط الخفية التي تربط اللاعبين وهي جميعا موثوقة بالأصابع الأميركية المحركة لظاهرة الإرهاب والتطرف في العالم منذ عشرات السنين وهذا النفاق هو ما تفيض به المجادلة بين جون كيري وتابعه الأحمق عادل الجبير على هامش اجتماعات فيينا وحيث بدا وكانه يقول له : اصمت ياغبي فقد اضطررنا لقبول البيان ودعنا نفكر مالعمل لإفراغه من محتواه!.

المسار التاريخي لتشكيل الجماعات الإرهابية التكفيرية يشهد شراكة متواصلة منذ حوالي أربعين عاما بقيادة اميركية ركيزتها المملكة السعودية والتنظيم العالمي للأخوان المسلمين الذي بات حزبا حاكما في دولة أطلسية وإقليمية كبرى هي تركيا وقد تكفلت فصول الحرب على سورية بكشف الشريك الصهيوني متلبسا في الميدان يمد بالسلاح وبالخبرات ويجهز الإدارة اللوجستية لجماعات إرهابية متطرفة زعمت الرواية الصهيونية أنها عدو وجودي للكيان الصهيوني وقد بات علانية ” الجار ” المفضل في تل أبيب مقارنة بالرئيس بشار الأسد والدولة الوطنية السورية.

وقائع جبهة الجولان والاتصالات الجارية بصورة مستمرة بين قادة فصائل الإرهاب والموساد تدفع إلى سؤال وجيه عن تاريخ هذا التواصل وميادين عملياته السابقة لآذار 2011 وهذه العلاقة بطبيعتها تصلح مفتاحا لفك ألغاز أحداث وعمليات اغتيال كبرى جرت في البلاد العربية سخر مساطيل العولمة الأميركية من فرضيات خدمتها لإسرائيل.

ثانيا ظهرت في الولايات المتحدة منذ حرب أفغانستان كتب قليلة العدد تتحدث عن خفايا الشراكة المستمرة في صناعة الإرهاب التي أسسها زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي السابق حيث كانت حملة الحشد إلى أفغانستان مهمة الفروع الممتدة لتنظيم الأخوان بينما تولت المخابرات السعودية تجنيد الساخطين من شباب شبه الجزيرة ( من رفاق جهيمان وأقرانه في المعاهد الوهابية ) وأدار بندر بن سلطان بالشراكة مع المخابرات المركزية صفقات سلاح عملاقة لحساب المملكة ( منها عملية اليمامة الشهيرة ) اقتطع جانبا من عمولاتها لحساب القاعدة وفي شركة كارليل لتجارة السلاح تجاور آل بوش وعائلة بن لادن بصفة مساهمين بينما وظفت نسب رئيسية من أرباحها لتمويل الحشد الأخواني الوهابي في أفغانستان ولا يملك أحد إلى اليوم أي مستند يثبت توقف تلك العمليات التي شهد دبلوماسيون أميركيون انها وظفت لتمويل الإرهاب إضافة إلى خطوط تمويل أخرى مصدرها تجارة المخدرات في العالم (الكبتاغون والأفيون ملازمان لحروب التوحش ) وتوحي صفقات السلاح الأميركية الضخمة لحكومات الخليج في السنوات الأخيرة بأحد مصادر تدفق الأموال إلى جماعات التكفير الإرهابية في سورية والعراق وخصوصا داعش التي تدير مع الحكم التركي شبكة لبيع النفط المسروق والآثار المنهوبة تحت عيون الناتو والمخابرات المركزية.

ثالثا بعد تحقيق الهدف المركزي لحرب أفغانستان أي استنزاف الاتحاد السوفيتي ونخره من الداخل كما وصفه بريجنسكي جرت عملية أولى تحت عنوان إعادة التوجيه فحشدت الشبكات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة إلى جبهات جديدة في روسيا ( الشيشان ) وأفريقيا ( مصر والصومال والجزائر ) وأوروبا              ( يوغسلافيا ) ومن ثم في السنوات العشر الأخيرة تمت إعادة التوجيه الثانية إلى العراق وليبيا وسورية واليمن ومصر ونيجيريا ومالي حيث تدور حروب التوحش راهنا بواسطة جيوش القاعدة وداعش وبوكو حرام وهذه الحروب الأميركية تخوضها فرق منظمة تحركت من نقطة انطلاق هي مئة ألف متطرف دربتهم الاستخبارات الأميركية في التسعينيات ( وفقا لما يرويه القنصل الأميركي السابق في جدة مايكل سبرينغمان في كتابه الذي صدر قبل أشهر تحت عنوان تأشيرات للقاعدة ) ووضعت في تصرفهم المملكة السعودية كمية كبيرة من الأموال والموارد عبر جمعيات وتنظيمات ومؤسسات حظيت بالرعاية والدعم كما أتاحت لهم الأموال والتسهيلات السعودية القطرية والخليجية عموما امتلاك مجموعة من وسائل الإعلام الإلكترونية المتطورة والقنوات الفضائية التي تديرها فرق إعلامية متخصصة وبعضها يبث من بريطانيا والبعض الآخر على قمر عربسات وقد حصلت هياكل تلك الوسائل على التدريب الكافي وقدمت المساعدة التدريبية بتغطيات مختلفة عبر اطقم البي بي سي وقناة الجزيرة ومكاتب استشارية اميركية ترتبط بوكالة الاستخبارات وعبر برامج التدريب الأميركية للشباب على مواقع التواصل ويستخدم ذلك كله منذ سنوات لنشر العقائد التكفيرية بشتى منوعاتها الأخوانية والوهابية ولإتاحة اصطياد وتجنيد عشرات الآلاف من الشباب المسلم الساخط في مختلف انحاء العالم بما في ذلك دول الغرب ويمكن التعرف على هذه السلسلة الجهنمية عبر آلة الحشد إلى سورية خلال السنوات الخمس الماضية.

رابعا تشير شهادات موظفين اميركيين سابقين عاصروا الحرب الأفغانية إلى أن مصدر تسمية شبكة القاعدة هي قاعدة البيانات الموجودة معلوماتيا في أرشيف الاستخبارات المركزية وهي كناية عن قاعدة البيانات والمعلومات المتضمنة لسير وأنشطة المتدربين المئة ألف الذين أضيف إليهم عشرات الآلاف في السنوات الأخيرة لتصعيد الإرهاب العالمي ويفيد كتاب اميركيون بأن جميع من تابعوا برامج التدريب السرية الأميركية يتعامل معهم ضباط استخبارات مشغلون يمتلكون طرق الاتصال والتوجيه السرية المناسبة ووسائل التصفية حين تأتي ساعة التخلص من دليل أوشاهد او ممن “يخرجون عن السيطرة” وهذه التقنية ملازمة لبرامج تجنيد العملاء في الوكالة.

حروب التدمير والتوحش لن تقف عند حدود ما قامت به حتى اليوم بل هي استراتيجية اميركية لتدمير الدول المتمردة والعاصية أي المتمسكة باستقلالها ولمنع قيام قوى عظمى وتكتلات منافسة عبر استنزافها بحروب الإرهاب والتفتيت ورغم الاضطرار الظاهر للتكيف الأميركي مع الصعود الروسي والصيني والهندي والإيراني والتسليم ببعض نتائجه إلا أنه لدى الولايات المتحدة برامج وخطط لإشعال بؤر جديدة في وسط آسيا وشمال أفريقيا وفي الشرق العربي نفسه ويلفت بعض المحللين الأميركيين إلى ضرورة الانتباه لما يخططه الأميركيون في تونس والجزائر والأردن وبلدان أفريقية عديدة أهمها نيجيريا وبلدان وسط آسيا من المجموعة المستقلة الشريكة لروسيا خلال السنوات القليلة المقبلة بينما يسعى المحافظون الجدد للقفز إلى مراكز القرار من جديد لمواصلة حربهم العالمية من اجل “القرن الأميركي” المزعوم والأكيد ان الولايات المتحدة لن تسهل بأي شكل كان عمليات انهاء الحروب التي أشعلتها ولذلك يقول المنطق إن الانتصار العسكري في سورية هو طريق الحل السياسي والمبادرات السياسية الروسية ستبقى تواجه مناورات ومحاولات التفاف وتحايل اميركية المصدر لعرقلة ومنع اتخاذ أي تدابير جدية لتجفيف المنابع وقطع الموارد فهذا هو بيت القصيد في أي تعاون دولي لمكافحة الإرهاب ولا تكفي لتحقيقه إشارة الرئيس الأميركي بعد اجتماعه بالرئيس فلاديمير بوتين في أنطاليا إلى الحدود السورية التركية فهي حركة التفاف على الحرج الذي ولدته الدينامية الروسية ونتيجة لصمود سورية ولإنجازات جيشها على الأرض وتحت تأثير صدمة هجمات باريس لكنها لم تتحول امر عمليات أميركي ملزم لشركاء واشنطن في رعاية الإرهاب وإدارة حروب التوحش والأرجح أن سيطرة الجيش العرب يالسوري على الحدود مع تركيا والأردن ستكون الوسيلة الحاسمة لتقطيع الأوردة التي تغذي الإرهاب على الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى