الإعلام الفرنسي: نحن ضحية «سايكس ـ بيكو»! عامر نعيم الياس
«باريس تحترق»، هذا كان «هاشتاغ» وسائل التواصل الاجتماعي الذي احتفل عبره مناصرو «داعش» ليلة الثالث عشر والرابع عشر من الشهر الجاري أثناء تنفيذ عمليات باريس. زُلزِلت العاصمة الفرنسية، الأمن الفرنسي والشرطة التي تتواجد على كافة التقاطعات والساحات المهمة في دوائر العاصمة الفرنسية، شلّت حركتهما، لكن القتل بالإرهاب لا يمكن لأي رقابة أمنية أن تمنعه، فكيف إن كان قنبلةً بشرية.
تسعة أشهر وأكثر قليلاً على ما حصل في صحيفة «شارلي ايبدو» الساخرة، وما تبعه من المجزرة الأخرى وقطع رأس أحد الفرنسيين وتعليقه على سور في مكان عمله، وقضية مهدي نموش، وكاليبالي وعلاقتهما ببعض، ولا يزال الإصرار الفرنسي على فرضية «الذئاب المستوحدة» على حاله. فهل منفذو هجمات باريس التي تبناها «داعش»، والذين تحرك أحدهم من تركيا إلى اليونان إلى فرنسا طريق اللاجئين ، مجرد ظاهرة فردية، أم أنه آن الأوان للاعتراف بأن السياسة الفرنسية الخاطئة في المنطقة والدعم المطلق للإرهابيين، والرعاية الدولية والفلسفية لما يسمى «الربيع العربي» قد ارتدت على باريس المتطرفة في مواقفها قبل غيرها؟
شاركت طائرات «ميراج» و«رافال» أخيراً في الحملة الأميركية على تنظيم «داعش» في سورية، 4 في المئة من مجموع غارات تحالف أوباما في العراق وسورية كانت من نصيب الطائرات الفرنسية، نسبةٌ دفعت الإعلام الفرنسي إلى التساؤل عن السبب الذي دفع «داعش» إلى الانتقام من فرنسا أولاً على خلفية امتلاكه حق «شرعية الدفاع»، مع أن الدول الأخرى المشاركة في تحالف أوباما استهدفت التنظيم الإرهابي أكثر من باريس.
احتار الإعلام الفرنسي والنخب السياسية في تفسير ما جرى بهدف الالتفاف على الحقيقة، فالدولة الفرنسية وحكومة هولاند هي الأكثر اندفاعاً بين الدول الأوروبية وفي المعسكر الغربي في معاداتها للدولة السورية وللنظام القائم في دمشق، وهي لا تزال تطالب أولاً وقبل كل شيء «بتنحي» الرئيس الأسد، وهو أمر يجعلها في مصافي الدول الأكثر تاييداً «للسنّة» في سورية والعراق، فكيف ضربتها «دولة» دعاية الاستقطاب الطائفي في المنطقة؟
للإجابة على هذا السؤال، رأت «لوموند» أن الأساس هو التاريخ الفرنسي في المنطقة والدور الفرنسي في ضرب السلطنة العثمانية، كما رأت أن اتفاقية «سايكس ـ بيكو» كانت العامل الأهم في حنق المتطرفين على فرنسا التي قضت على الدولة العثمانية وقسّمت سورية الطبيعية، فهل المشروع الوهابي في الأصل هو مشروع يستمد أصوله وفقهه وقاعدته الشعبية من سورية الطبيعية، أم هو عبارة عن فكر سعودي آتٍ من الشرق في عمق الصحراء العربية؟ وهل قاوم الإسلاميون يوماً ما المشروع الغربي في المنطقة؟ وهل ظهر هذا الفكر قبل التقسيم أم بعده، وكان ابناً من أبنائه؟
كل ما سبق لا يضع الإجابة الصحيحة أمام الرأي العام، ويعكس عمى النخب الفرنسية وارتهانها المطلق للسياسة الاشتراكية لحكومة هولاند، ففرنسا هي الدولة الأوروبية التي تملك أكبر أعداد للجهاديين في سورية والعراق، إذ يقدّر العدد في الدولتين ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف إرهابي فرنسي الجنسية. كما أن باريس تتناسى القاعدة الذهبية التي تقول إنه كلما زاد دعمك واحتضانك للإرهابيين، ازدادت احتمالات الخطورة عند أي محاولة لك للتملص من هذا الالتزام أو إجراء تحوّل في سياستك يفرضه السياق العام للسياسة الدولية، وهذا ما يمكن استيضاحه من توافق وزير خارجية روسيا والولايات المتّحدة في مؤتمر فيينا الثاني على الهيكل العام للحل السياسي في سورية.
«داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام» وغيرها ممن يكفّر الآخر لا يهمها درجة العداء للدولة السورية، أو مقدار تقرّب هذا البلد الأوروبي من هذه الطائفة أو تلك، بقدر ما يهمها قتل الآخر، وإعادة أمجاد «الخلافة الإسلامية» على منهج محمد بن عبد الوهاب، هذه الأمر تحديداً هو ما يمد هذه التنظيمات بالقنابل الحية ويجعل من قاعدتها آلات قتل تحركها غريزة حكم الدين للعالم، ولا تسطيع أي قيادة لأي تنظيم مهما كانت مخترقة التحكم بها، فكيف إن كان هذا التحكم مطلوباً في الوقت الذي لا يزال فيه الفرنسيون محتارين عما إذا كان العائدون من سورية «جهاديين ام إرهابيين»، ومصرين على أن من تستهدفهم الدولة السورية في محيط كويرس هم من «المتمردين» أو «الثوار» السوريين.
(البناء)