أي نظام رئاسي في تركيا؟ محمد نور الدين
نجح حزب العدالة والتنمية في الاحتفاظ بالسلطة بمفرده في انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. نجح الحزب منذ أن ظهرت نتائج انتخابات السابع من يونيو/حزيران التي خسرت فيها الأغلبية المطلقة لكنه لم يخسر السلطة، في تقطيع الوقت وصولاً إلى الانتخابات الأخيرة.
قدمت انتخابات 7 يونيو/حزيران فرصة ثمينة وتاريخية للمعارضة للتخلص من سلطة حزب العدالة والتنمية، لكنها رفضتها بسبب انقسامات القوميين الأكراد والأتراك. ومن لا يسجل في مرمى الخصم يجب أن يتوقع أن يتلقى مرماه أهدافاً. وهذا ما فعله حزب العدالة والتنمية. انقسمت المعارضة وهو لم يشأ التشارك معها في حكومة واحدة فكان قرار الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
استعاد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان زمام المبادرة بعدما كادت تفلت من يديه بالكامل. والفترة التي فصلت بين الانتخابين كانت فترة استخدام وسائل المواجهة ورمي الأوراق إلى منتهاها لتغيير نتائج يونيو/حزيران.
كانت لعبة «الصولد» بحدها الأقصى. لم تتورع سلطة العدالة والتنمية وتتردد من توظيف المحرمات في لعبة السلطة وفي رأسها رائحة الدم في حرب الحكومة على الأكراد بمقاتليهم وبمدنييهم. كان انتصاراً مغمساً بدم الأكراد. وكانت انتخابات سمتها الخوف والقلق. في المحصلة نجحت سياسة الترويع في استعادة ثماني نقاط كانت كافية لتحقيق فوز مريح بلغ 49.5 في المئة و317 نائباً في البرلمان.
ربما لن يجد حزب العدالة والتنمية صعوبة في محاولة استمالة تأييد 13 نائباً من القوميين أو حتى الأكراد من أجل الوصول إلى تأييد 330 نائباً لتحويل اقتراح تعديل الدستور الى استفتاء شعبي. ومن هنا تبدأ حكاية تركيا مع عهد ما بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
أعلن أردوغان أن الأمة لم ترغب بحكومة ائتلافية بل أرادت سلطة الحزب الواحد. كان واضحاً أنه لا يعكس الواقع. كان يريد أن يقول إن الأمة لم ترد حتى سلطة الحزب الواحد بل سلطة الشخص الواحد وهذا الشخص اسمه رجب طيب أردوغان.
كل حركة أردوغان منذ ظهور نتائج يونيو/حزيران كانت في اتجاه كيفية العمل للعودة إلى النظام الرئاسي سواء بحكم الدستور أو بحكم الأمر الواقع.
أتاحت الانتخابات الأخيرة فرصة تحقيق ذلك عبر التعديل الدستوري في حال نال تأييد 330 نائباً. لكن ذلك في حال حصوله يعني أن تركيا في طريقها لتكون بلداً خارج معايير الديمقراطية والعدالة والمساواة والدولة الحديثة التي تقول بفصل السلطات. كان يمكن للنظام الرئاسي أن يكون واقعياً ومفيداً كما هي الحال في الولايات المتحدة لكن بشرط وجود سلطة رقابة قضائية قوية ومستقلة تصل إلى الرئيس نفسه لمحاسبته إذا تطلب الأمر، كما وجود مجلس نواب له صلاحيات تقييد حرية الرئيس وحكومته.
أما ما هو في تركيا فيتعارض مع الحد الأدنى من معايير إقامة نظام رئاسي عادل. ففي ظل سيطرة السلطة السياسية على القضاء وفي ظل ذهنية مصادرة رأي الآخر الذي هو على الأقل نصف الشعب وفي ظل تعددية إثنية ومذهبية ومنظومة التمييز ضد الأقليات فإن النظام الرئاسي في تركيا هو الشكل الجمهوري لنظام السلطنة العثمانية والذي يسعى أردوغان ليحتفل في الذكرى المئة لتأسيس الجمهورية في العام 2023 بإعلان نعيها(الجمهورية) نهائياً.
يقول المؤرخ التركي المعروف إيلبير أورطايلي إن أحداً لم يكن يتوقع أن تتأسس في العام 1923 الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية. والآن، بدورنا نقول، إن أحداً لم يكن يتوقع أن ترتد تركيا على نظامها الجمهوري العلماني بمضمونها الحداثي والمنسجم مع الغرب وتستبدله بخطاب استقطابي إثني ومذهبي وصدامي. والخطورة أن المنطقة العربية والإسلامية لا ينقصها مشكلات من هذا النوع أغرقها في حمامات من الدم والدموع وأدخلها في مراحل من التشرذم بل التقسيم أيضاً. وبقدر ما يتوغل ويتغوّل حزب العدالة والتنمية وزعماؤه في خطاب الاستبداد والكراهية ولو مدعوماً، بل هنا الخطورة، بنصف الشعب، فإن النهاية لن تكون خيراً على تركيا ووحدتها ولحمتها ولا على الجوار العربي والإسلامي.
(الخليج)