بقلم ناصر قنديل

سليمان فرنجية الظاهرة المتميّزة

nasser

ناصر قنديل

– ليست المرة الأولى التي يشكل فيها النائب سليمان فرنجية ظاهرة متميّزة في إدارة مواقفه السياسية، وهو الزعيم الشمالي الأول بين الزعماء المسيحيين، وهي مكانة لا يجادل في صحتها خصمه الشمالي سمير جعجع، بينما يسلّم كلاهما بالزعامة المسيحية الأولى وطنياً للعماد ميشال عون، ولا يجادل فرنجية كثيراً بمن هو الثاني على المستوى الوطني رغم محاولات رئيس حزب القوات اللبنانية السعي إلى احتلال هذا الموقع بالاستناد إلى المكانة النيابية التي نالها حزبه بأصوات يبدو من طبيعة التكوين الطائفي للناخبين في الدوائر التي فازوا عنها، أنها أصوات لحلفائه المسلمين وليست أصواتاً معبّرة عن تمثيل مسيحي محسوم، وبالرغم من تسليم التيار الوطني الحرّ للقوات بالمكانة الثانية بصورة ألقت قدراً من العتب في صفوف مناصري فرنجية ومحبّيه، بقيت العلاقة التي تربط فرنجية بالعماد ميشال عون تحت سقف ثوابت رسمها ولم يحِدْ عنها.

– في الترشيح للرئاسة يستمع فرنجية إلى محدّثيه اللبنانيين يحملون رسائل من زعامات مثل سعد الحريري عن استعداد لتبني ترشيحه بعيداً عن ترشيح عون، فيبتسم ويقول طالما العماد عون لا يزال مرشحاً فهو مرشحنا، ولا يأخذ فرنجية كلام المستقبل إلا من باب المناورات السياسية لعلمه بمصدر الفيتو الحريري على عون، من خارج الحدود. وهو فيتو سيُعاد إنتاجه على فرنجية طالما لم تتحقق تسويات إقليمية دولية، تجعل الكلام عن الرئاسة في مكان آخر، ولا يتلقى فرنجية كلام المبعوثين الدوليين بتجاهل كلام ناقلي الرسائل الحريرية ذاته، خصوصاً السفراء الذين يشيدون بهدوئه السياسي وانفتاحه على الجميع، ويرون فيه مرشحاً يملك فرصاً كبيرة للوصول إلى الرئاسة، لكنه لا يترك هذا الكلام يصيبه بالارتباك تجاه كيفية التصرف، فالوقت لم يَحِن للحديث الرئاسي الجدّي. وهذا رصيد معنوي ليس ضرورياً حصرية توظيفه في الاستحقاق الرئاسي الذي لا يزال برأي فرنجية معقود اللواء في الحلف الذي ينتمي إليه للعماد ميشال عون.

– ربما يمنح فرنجية أذنه وعقله للكلام الصادر عن النائب والزعيم العائلي والسياسي مثله وليد جنبلاط، رغم اختلاف الطباع والسياسة والأحلاف والمبادئ، فهو يعرف أنّ وليد جنبلاط الكثير الاهتمام بالخارج يتخذ قراره بنفسه خلافاً لكثيرين قليلي الاهتمام وشديدي الولاء. ويهمّه التوقف عند كلام جنبلاط عن استعداده لمنح تصويته لفرنجية كمرشح رئاسي، مع إدراكه أنه كلام عاطفي وعقلاني في آن، لكنه لا يُصرف في السياسة خطوة عملية إلا بحسابات توافر شروط تسويات كبرى تتصل بالمنطقة وتفتح ملف الرئاسة المغلق حتى إشعار آخر، ويبقى كلام جنبلاط تحبيذاً يمكن أن يصرّح به جنبلاط في تلك اللحظة أمام الفاعلين الدوليين والإقليمين والمحليين، إذا كان ثمة استعصاء في صناعة التفاهمات، وقيمة كلام جنبلاط عند فرنجية تشبه ما يستشعره من آل الجميّل، لجهة التحبيذ إذا استعصت التسويات، فالرئيس أمين الجميّل والنائب وليد جنبلاط يتركان الزعامة لنجليهما ويثقان باهتمام فرنجية إذا كان في موقع القادر على المساعدة بأن يساعد بتأمين سلاسة الانتقال ضمن البيوتات اللبنانية العائلية التاريخية بعيداً عن السياسة.

– يتصرّف فرنجية تجاه كلّ القضايا بعفوية الالتصاق بالثوابت، فهو في علاقته بسورية ورئيسها لا يحتاج إلى التذكير بحجم ما يربطه بهما، ولا ينسى في الملمات الوقوف إلى جانبهما، وكذلك مع المقاومة، لا يعيش عقدة الامتحان وإثبات الوفاء والجدية. ومن هذين الموقعين لا يتردّد في تقدير حجم التحوّل الذي أحدثه العماد عون في الساحة المسيحية، وما كان ممكناً إحداثه بدونه، ومن هذين الموقعين المنطلقين من فهم فرنجية الحفيد وقبله فرنجية الجدّ لمصلحة مسيحيّي الشرق بملاقاة مفهومها الخاص لدور سورية العلمانية في الحفاظ على هذا الوجود المميّز ومواجهة مخاطر التطرف ونمو الطائفيات التي يصرّ فرنجية أنها تشبه بعضها، ولا يمكن مواجهة عصبيات بعضها بعصبيات موازية، ولذلك وهو المتمسك بمكانته ومسؤوليته المسيحية وعن المسيحيين ووجودهم لا يقارب مسائل وجودهم بعين مسيحية، بل يتمسك أكثر فأكثر بأولوية دعوة المسيحيين للاندماج بروح وطنية ومقاربة مشاكل بلدهم بهذه الروح، حتى عندما يواجهون العصبيات الطائفية، ومن هذا الموقع يتمايز فرنجية داخل حلفه الذي يسمّيه بالاستراتيجي مع العماد عون وليس من باب تسجيل النقاط الرئاسية التي يرصدها خصومه، ويظنّون أنهم عبرها يفهمون مواقفه، فيتحدّثون عن عقلانية فرنجية في التقدّم كرمز للاعتدال، بينما في حساباته يدور الأمر على نسق وسياق مختلفين، هما تبريد الحساسيات والانقسامات الطائفية.

– في قضية ترشيح العميد شامل روكز لمنصب قائد الجيش، بدا فرنجية عونياً أكثر من العونيين، بينما القريبون منه يعرفون كم هو الأمر في حسابه منفصل كلياً عن علاقته بالعماد عون، رغم ترحيبه وتشجيعه لمبادرة عون بطرح روكز لهذا المنصب، وحسابات فرنجية هي الحرص على المؤسسة العسكرية التي يرى في روكز شخصية مثالية ونموذجية في وطنيتها ومناقبيتها لقيادة هذه المؤسسة، بمثل ما كان حماسه لتولي العماد إميل لحود لتلك القيادة قبل ربع قرن، وبمثل ما كان دعمه لتولي العماد لحود لاحقاً لرئاسة الجمهورية ولتمديد ولايته الرئاسية، ولم يشعر ولم يتصرف من موقعه كزعيم مسيحي يقف في موقع المرشح الطبيعي للرئاسة، في لحظة توضع فيها الاختيارات الرئاسية على طاولة الرئيس السوري صديقه وحليفه الاستراتيجي.

– وقف فرنجية داعماً لتسمية العماد ميشال سليمان للرئاسة، وتخاصم معه قبل الدوحة يوم تردّد سليمان بقبول التعهّد بمنح المعارضة التي كانت تمثلها قوى الثامن من آذار الثلث الضامن في حكومة الوحدة الوطنية.

– بمثل ما كان فرنجية داعماً لتوطيد العلاقة بين الرئيس إميل لحود والرئيس بشار الأسد يقف بالقوة ذاتها لدعم توطيد العلاقة بين الرئيس الأسد والعماد عون.

– يرسم فرنجية ببساطة معاييره المستمدّة من ثوابت ترسم الموقف، وقيم ترسم الخطوات نمطاً مختلفاً من القادة، يحتاجه لبنان واللبنانيون نائباً ووزيراً ورئيساً، لكنهم يحتاجونه في المراحل كلّها زعيماً.

– ليس موقف فرنجية المتميّز من حضور الجلسة التشريعية أكثر من ومضة نابعة من خلفية خاصة ومتميّزة في لحظة يحتاج اللبنانيون لرؤية علامات فارقة تقطع الطريق على الاصطفافات الطائفية الصافية، وهذا أبعد بكثير من حسابات صغيرة سيقرأ الكثيرون موقف فرنجية على أساسها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى