السيادة اللبنانية المنقوصة
غالب قنديل
المفارقات اللبنانية صارخة بصورة تناقض أي منطق طبيعي وأخطر ما فيها أن بلد المقاومة التي انتصرت على الكيان الصهيوني فيه سلطة سياسية ترتبط بالأجنبي وتتخلى عن السيادة الوطنية في العديد من المجالات وعبر الكثير من المظاهر القانونية والعملية وهي دولة مستهدفة بسيادتها واستقلالها تسوغ امتيازات وحصانات لجهات أجنبية تربطها بالعدو الصهيوني علاقات ممتازة تجعل كل نشاط لسفاراتها وبعثاتها في لبنان موضع اشتباه وشك أمني تجسسي لصالح إسرائيل وترضخ هذه الدولة لإملاءات أجنبية في قضايا سيادية سياسية ومالية ومصرفية مع المعرفة المسبقة بالغاية الفعلية من الطلبات الأميركية الأوروبية وآليات استثمارها لحساب إسرائيل وضد المقاومة في التحليل الأخير وبعض المظاهر والتعبيرات التي تبدت مؤخرا تطرح أسئلة خطيرة حول اختراق السيادة الوطنية واستباحتها جهارا وتحت الغطاء الشرعي والقانوني للسلطات اللبنانية المسؤولة افتراضيا.
أولا اليونيفيل والخرق الصهيوني لنطاق الأمن الوطني قضية مزمنة وممتدة لها أكثر من مظهر فالدولة اللبنانية تعاملت مع تركيبة اليونيفيل وجهازها الوظيفي الأجنبي واللبناني بمنطق الدونية اتجاه الأجنبي وبمسعى الرهان السياسي عند قوى رئيسية في السلطة على استعمال اليونيفيل للحد من وجود المقاومة ومن دورها ولذلك فقد طبقت قرارات نشر اليونيفيل في ظل التسليم والإذعان الأعمى وبمنح الحصانة ضد القوانين اللبنانية حتى في حالة الاشتباه التجسسي بلبنانيين كما تبين مؤخرا وليس من سلطة رقابية لبنانية على الضباط والعسكريين الأجانب المنتدبين للعمل في هذه القوات والذين ثبت من حركتهم الميدانية انهم يتنقلون بين لبنان وفلسطين المحتلة وبعضهم قام بأدوار بالوكالة لصالح العدو في مجال الاستطلاع والمعلومات بل وفي الشروع بأعمال لمصلحة العدو.
يقضي قرار انتداب اليونيفيل من مجلس الأمن الدولي بأنها موجودة لمساعدة الدولة اللبنانية في استعادة سلطتها على الأراضي اللبنانية المحتلة ولكن حكومات الناتو المشاركة في اليونيفيل درجت على اختيار ضباطها القادة في اليونيفيل من فرق الناتو التي تنسق مع الكيان الصهيوني ومخابراته من ضمن الأطر المخابراتية العاملة في حوض المتوسط ودون إطلاع السلطات اللبنانية مسبقا على الأسماء والوظائف ومن غير ممارسة الدولة اللبنانية لحقها في الاعتراض على الانتداب او الاعتماد وهو الحد الأدنى من الحق السيادي اللبناني.
ثانيا الحصانة ضد الملاحقة القضائية والأمنية التي تبدت في حالة رئيس شبكة التجسس الصهيونية الذي هو موظف لبناني في مقر اليونيفيل وتحول إلى مشبوه خمسة نجوم وتحت حراسة الأمم المتحدة في مسار التحقيق معه كعميل للعدو هي مفارقة غريبة عجيبة في دولة مستقلة.
في باب الحصانات ضد السيادة الوطنية ولصالح دول اجنبية وعربية وبعثاتها في لبنان يبرز موضوع السفارات الأميركية والغربية وأنشطتها التجسسية لصالح العدو وما تكشف خلال حرب تموز 2006 من ادوار لتلك السفارات في التجسس على المقاومة وتزويد العدو بالمعلومات المتضمنة إحداثيات لأهداف وملاحقة لشخصيات في خدمة العدوان الصهيوني وما فضحته ملفات شبكات الموساد في لبنان عن تجنيد عملاء للعدو من خلال مخابرات اجنبية قامت بتحضيرهم وتجييرهم لصالح العدو .
وفي هذا المجال تبرز الحصانة الممنوحة لاتفاقات مع دول اجنبية تشكل اداة تدخل في المؤسسات الأمنية اللبنانية كما تبين لدى تدقيق مجلس النواب في الاتفاقية الأميركية مع قوى الأمن الداخلي وكما تتكشف المعلومات عن ممارسة السفارات والملحقيات العسكرية ومكاتب الاتصال والتنسيق لدور القنوات المفتوحة في ضغوط اميركية وفرنسية وبريطانية تستهدف العقيدة القتالية للجيش اللبناني وهيكلية هذا الجيش ونظمه التدريبية بهدف حرفه عن أولوية الصراع ضد العدو الصهيوني وعن مبدأ التعاون والتكامل مع المقاومة .
ثالثا من مظاهر التخلي الفاضح عن السيادة اللبنانية بصورة منظمة خضوع لبنان للطلبات الأميركية الهادفة لإحكام الحصار المالي على المقاومة اللبنانية وعلى الدولة الوطنية السورية وعلى إيران وبعض التشريعات التي يطلب من البرلمان اللبناني إقرارها هي جزء من آليات الإخضاع والتطويع لفرض الإملاءات الأميركية والغربية التي تمس بالسيادة اللبنانية وتطال علاقة الشعب اللبناني بالمغتربين وبتحويلاتهم وهذا أحد مستويات الضغط الصهيوني على المقاومة وجمهورها وعلى مصارف لبنانية ناشطة في بلدان الاغتراب الأفريقية خصوصا.
أما ما كشفته قضية امير الكابتاغون السعودي فهو رأس جبل الجليد الذي راكمته الامتيازات والتسهيلات الممنوحة لأمراء آل سعود ومشايخ خليجيين وطائراتهم الخاصة التي لاحت شبهات عن دورها في نقل إرهابيين في الحل والترحال منذ حرب مخيم نهر البارد وصولا إلى الحرب على سورية ناهيك عن الدور النشط للسفارة السعودية في الكثير من الملفات اللبنانية الأمنية والسياسية والإعلامية .
هذا الوضع الغريب العجيب ناتج عن سلوك قوى سياسية نافذة مرتبطة بالخارج وتمثل جزءا من هيكل السلطة السياسية اللبنانية والمعركة لفضحها وكشف مخاطر نهجها السياسي المناقض للسيادة والاستقلال يجب ان تكون واجبا وطنيا على جميع القوى المتبنية لنهج المقاومة والتحرر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية لتجريد تلك القوى والأطراف من أي غطاء شعبي ولجعل السيادة والاستقلال جزءا من أي معركة انتخابية مقبلة لتجديد هياكل الدولة ومؤسساتها.