خليّة الموساد في لبنان: ثالوث المعارضة والمنظمات الدولية والتحويلات المالية عامر نعيم الياس
هو ثالوث مقدّس لا يمكن لأحد التشكيك فيه. ثالوث يثير الريبة في سنوات الاستقرار، فكيف في سنوات الخراب الكبير وتكريس المعارضة باعتبارها ثورةً وحرّية وديمقراطية ومستقبلاً أفضل وقاتلاً شرعياً وفق شرعة حقوق الإنسان.
مع بدايات الربيع الأميركي في المنطقة، دخلت المعارضات على خطّ منافسة التوكيل الحصري المعطى لبعض الأنظمة المرتبطة بالولايات المتّحدة في المنطقة، وعلى رأسهما تونس ومصر عام 2010، أخَذَت زمام المبادرة وانحنت الجيوش لمّا أدركت منذ البداية أنه أمر لا يمكن مقاومته، خصوصاً أنّ الدور الأميركي في هذ الدول ليس دوراً محصوراً بالنخب السياسية، إنما يتعدّاها إلى مفاصل الدولة ومكوّناتها كافة، ومنها المؤسسة العسكرية.
في سورية الوضع مختلف، فالبرامج الخاصة بالثورات الملوّنة في المحيط الحيوي لروسيا، والمنظمات غير الحكومية، مِنَح الاتحاد الأوروبي والأمم المتّحدة، والمؤسسات الدولية، دخلت على الخط ودفعت بجزءٍ من الكوادر الخاصة بها إلى بعض المواقع غير الحساسة، لكن التي تقود الرأي العام، وبات العمل في هذه المنظمات جزءاً من عملية الانفتاح على الآخر واختبار مدى مواكبته تطوير الدولة السورية. فيما الأدوار الأخرى كانت تنتظر اللحظة المناسبة مع بزوغ يوم 15 آذار في سورية والذي أرّخ لخراب البلاد وتهجير العباد وما إلى ذلك من تبعات لا يدركها إلا السوريون الذين ما زالوا صامدين رغماً عنها.
تحوّلت النخب إلى معارضة، وأصبحت قضية «المعارضة السورية» تحديداً قضية يختلط فيها الدولي بالإنساني والشرعي الديني. فلا صوت ولا قدسية يتجاوزان هؤلاء المبشرّين بسورية الجديدة على الطريقة الأميركية. لهم السفارات ولهم المخيّمات ولهم طلبات اللجوء وأولوية الهجرة، ولهم الفنادق والبنوك والتحويلات المالية، وأهم من كل ذلك، لهم مراكزهم في دول الجوار.
هنا تحضر خليّة الموساد في لبنان لتكشف عن هذا التلاقي لا الازدواجية بين الارتباط بالكيان الصهيوني ورفع لواء «الحرّية» لسورية الذي يضمن عدم المساءلة ويشفع لصاحبه سواء على مستوى تحركاته وعلاقاته، أو على مستوى حجم التحويلات المالية التي يتلقاها ومصادرها، والتي لا تخضع لأي نوعٍ من أنواع المساءلة، هذا أولاً. وثانياً، تكشف خليّة صيدا الدور المنوط ببعض «النازحين» والأجندة الخفيّة التي تقف وراء تقديس قضيتهم وتبنّيها دولياً في هذا الشكل. ففي لبنان، نحن اليوم أمام النازح السوري الأول صاحب موقفٍ سياسيّ معارض، الذي يعمل لمصلحة الموساد «الإسرائيلي» بهدف تنفيذ عمليات اغتيال وقلب الوضع البناني. وبهذا المعنى، تتضح بعض جوانب هذا الدور. فالنازحون هم الستارة الأكثر قوةً للتغطية على الاختراق ودفع الأجهزة الأمنية، خصوصاً العربية، إلى حسابات كثيرة ومراعاة المحاذير قبل الإقدام على خطوة تزعج هذا النازح المعارض. ربما هذا يفسّر الحملة التي شنّها محامي العميل السوري «رامز السيّد»، المحتجز لدى الأمن العام اللبناني بتهمة التعامل مع الموساد. تلك الحملة التي قامت على أساس احتجاز الأمن العام اللبناني «معارضاً سورياً»، هنا يغمز من القناة الطائفية خصوصاً، ثمّ يأتي دور حرّية الرأي ومعتقليها.
إن المشغّل الرئيس للشبكة موظّف لبناني في «يونيفيل»، ويعمل منذ أكثر من ثلاثين سنة مع الأمم المتّحدة في لبنان، لا نريد أن نتكلم أكثر عن هذا الأمر، فهذه الشبكة اللبنانية ـ السورية المشتركة تجمع ثالوثاً لطالما تحدث عنه بعض الغيّورين، لكنهم نالوا نصيبهم من التشكيك والغمز من جهة نظرية المؤامرة. ثالوثٌ مقدّس اجتماعه في حالةٍ واحدة يقطع دائماً الشك باليقين، خصوصاً في هذه الظروف، فأنت في زمن الربيع الأميركي لا تركن إلى معارضٍ تغدق عليه الحوالات المالية بحجة دعم المعتدلين. وشخص ينادمه هو ابن المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية.
(البناء)