غداة الانتخابات التركية المبكرة سونر چاغاپتاي, آلن ماكوفسكي, و هنري باركي
4 تشرين الثاني/نوفمبر 2015
“في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب سونر چاغاپتاي، آلن ماكوفسكي، وهنري باركي منتدى سياسي في معهد واشنطن. وچاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد. وباركي هو مدير برنامج الشرق الأوسط في “مركز وودرو ويلسون الدولي” للباحثين، ومؤلف كتاب “المأزق السوري لتركيا” (2014). وماكوفسكي هو زميل بارز في “مركز التقدم الأمريكي” والمستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط في “لجنة الشؤون الخارجية” في مجلس النواب الأمريكي. وفيما يلي ملخص لملاحظاتهم “.
سونر چاغاپتاي
جاء النصر الساحق الذى حققه «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات التي جرت في تركيا في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر بمثابة مفاجأة في عملية إعادة التصويت البرلمانية، وذلك لأن استطلاعات الرأي لم تتوقع مثل هذه النتائج. وفي هذا الإطار، يبرز عاملان يساعدان على تفسير النتائج.
أولاً، بعد انتخابات السابع من حزيران/ يونيو، أغرقت تركيا خمسة أشهر من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وأسفرت عن برلمان معلق وعن غياب حكومة فعّالة. وفي حين شهد الناخبون تباطؤا اقتصاديا وتراجع الليرة التركية وزيادة العنف الذي يمارسه «حزب العمال الكردستاني» والهجمات المأساوية التي شنها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») في أنقرة التي أودت بحياة أكثر من 100 شخص، تحوّل العديد منهم إلى تأييد «حزب العدالة والتنمية»، معتبرين أنه الفصيل الأكثر احتمالاً للدخول في حكومة حزب واحد، وبالتالي العودة إلى الاستقرار. ومن جهته، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لا يزال الرئيس الفعلي للحزب، قدّم نفسه على أنه “الرجل القوي الذي يمكنه أن يحميك”، وقد نجحت استراتيجيته [في استقطاب] الناخبين الذين فضلوا الأمن على الحريات. والمفارقة هنا أن جمهورَيْن مختلفين جداً من الناخبين توجها معاً للتصويت لصالح «حزب العدالة والتنمية» في جموع هائلة هما: الناخبين القوميين الأتراك، الذين كانوا يخشون تجدد الهجمات الإرهابية من قبل «حزب العمال الكردستاني»، والناخبين الأكراد، الذين كانوا يخشون من استئناف حرب واسعة النطاق ضد الجماعة.
ثانياً، نظراً إلى أن الجناح الأيمن هو الركيزة المهيمنة في السياسة التركية، استفاد «حزب العدالة والتنمية» من الاستقطاب بين اليمين واليسار لتعزيز أصوات المؤيدين له. وبعد التفجيرات التي نفذها تنظيم «الدولة الإسلامية» في أنقرة، ألقى اليسار، بقيادة صلاح الدين ديمرطاش، الرئيس المشارك لـ «حزب الشعوب الديمقراطي» أو («حزب ديمقراطية الشعوب»)، اللوم في الهجوم على الحكومة، في حين ألقت الحكومة اللوم على اليسار. وقد أدى ذلك إلى تعميق الاستقطاب في البلاد، مما دفع ببعض اليمينيين من مؤيدي «حزب الحركة القومية» الذي يعرف أيضاً بـ «حزب العمل القومي»، إلى دعم «حزب العدالة والتنمية».
إلى جانب أردوغان و «حزب العدالة والتنمية»، خرج «حزب العمال الكردستاني» منتصراً من هذه الانتخابات من خلال جعل العنف طريقة للتعبير من جديد عن الحركة الكردية. فقد سعى الجناح السياسي للحركة إلى أن يصبح أكثر من مجرد حركة قومية كردية ضيقة من خلال الوحدة مع اليساريين في إطار «حزب الشعوب الديمقراطي»، ولكن تمت إعاقة جهوده في الوقت الراهن بسبب هجمات «حزب العمال الكردستاني» وفشله في أن ينأى بنفسه عن العنف. وبالتالي، خسر «حزب الشعوب الديمقراطي» الدعم من كل من المحافظين والليبراليين اليساريين – جمهوريْن انتخابييْن يحتاج إليهما الحزب للفوز إذا كان يأمل في جذب المواطنين على الصعيد الوطني.
وفيما يتعلق بالسياسة الأمريكية، فإن الخبر السيئ هو أنه من المرجح أن يستمر التدهور في الديمقراطية في تركيا وفي الحملة التي تشنها الحكومة ضد المعارضة. وستبقى الانتخابات حرة ولكن أقل عدالة، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة في إلحاق الهزيمة بـ «حزب العدالة والتنمية». أما الخبر السار فهو أن لدى الولايات المتحدة مرة أخرى محاور يمكن التنبؤ به في أنقرة، والذي سيكون من دون شك مريحاً لصنّاع القرار في واشنطن. وعلى المدى الطويل، فإن الضابط الرئيسي لسلطة «حزب العدالة والتنمية» هو المجتمع المدني التركي المتنوع والحيوي والذي، ولسخرية القدر، ولد من الطبقة الوسطى القوية – التي تم ترسيخها من خلال النجاح الاقتصادي لأردوغان.
آلن ماكوفسكي
عاد الآن أردوغان إلى المشاركة في اللعبة، على الرغم من خسارته الظاهرة للمسته السحرية بعد احتجاجات “منتزه غازي” [“ميدان تقسيم”] والنكسة الانتخابية التي شهدها في حزيران/ يونيو والمحاولة الفاشلة لاعتماد نظام رئاسي. وقد أظهرت له تداعيات الانتخابات السابقة أن المواطنين لا يريدون حكومة ائتلافية، وأن بإمكان «حزب العدالة والتنمية» أن يظهر سائداً عبر مناشدة رغبتهم في الاستقرار. وعلى الرغم من نوايا رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في بناء ائتلاف بعد أن خسر الحزب أغلبيته البرلمانية في حزيران/ يونيو، إلا أن أردوغان ضغط من أجل إعادة التصويت منذ البداية، ونجحت استراتيجيته [في إقناع الناخبين].
بينما كانت آخر النتائج عبارة عن تصويت من أجل الاستقرار، إلا أنه من الصعب على المرء أن يجادل بشكل مقنع بأنها ستجلب الاستقرار. ومن جهته سيفسّر أردوغان هذه النتائج على أنها تفويض للنهج نفسه، وسيواصل محاربة المعارضة عبر واحدة من أبشع حملات القمع في التاريخ التركي. ومن المحتمل أيضاً أن يواصل توجيه الضربات بشدة إلى «حزب العمال الكردستاني»، على الأقل في البداية. ويرى أردوغان أن الأكراد أبلوا بلاءً حسناً في السنوات الأخيرة وذلك بفضله هو، وبالتالي فإن الاضطرابات الأخيرة قد أقنعته أنهم غير ممتنين لذلك.
أما بالنسبة إلى «حزب الشعوب الديمقراطي»، فإن خسارة الحزب للأصوات في الانتخابات المبكرة قد ولّدت معضلة داخلية. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل هو عبارة عن حزب قومي عرقي للأكراد، أو أنه حزب يحاول دمج الأكراد في تركيا؟ وفي حين أن معظم المراقبين في واشنطن يلومون أردوغان على التصعيد الأخير للعنف، وجّه العديد من الأكراد في جنوب شرق تركيا اللوم إلى «حزب العمال الكردستاني»، وبالتالي كانوا غير مستعدين للتصويت لصالح «حزب الشعوب الديمقراطي». وفي الواقع، إذا استأنفت أنقرة محادثات السلام المتوقفة منذ فترة طويلة مع «حزب العمال الكردستاني»، فإن المحاور الرئيسي لها من المرجح أن يكون عبد الله أوجلان، أحد مؤسسي الجماعة (الذي لا يزال يقبع في السجن في تركيا)، بدلاً من «حزب الشعوب الديمقراطي» أو القيادة العسكرية النشطة لـ «حزب العمال الكردستاني» في جبال قنديل في العراق، لأن الاستياء تجاه الطرفين الأخيرين كبير في الوقت الحالي.
وربما تكون نتائج الانتخابات إيجابية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، وتحديداً فيما يتعلق بالشأن السوري. فسوف تبقى تركيا شريكاً (غير فاعلٍ) في الائتلاف ضد تنظيم «داعش» وستسمح للولايات المتحدة بالاستمرار في استخدام قاعدة إنجرليك الجوية. بيد، سيستمر التوتر بين الحكومتين حول سوريا نظراً لأولوياتهما المختلفة في تلك البلاد. بل قد تتفاقم هذه التوترات مع تعزيز واشنطن تعاونها مع «وحدات حماية الشعب»، الجناح العسكري لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري. ولعل هذا هو الجانب الأكثر صعوبة في العلاقات الثنائية لأن أردوغان والجيش التركي يعتقدان بقوة أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» هم متماثلان في الجوهر. ومن جانبها، يجب على المعارضة السورية الأوسع أن تشعر بسعادة غامرة من نتائج الانتخابات، لأنها لا تزال تنظر إلى أردوغان بأنه البطل الرئيسي في قضيتها المناهضة للأسد.
هنري باركي
على الرغم من أن «حزب العدالة والتنمية» قد عمل جاهداً في محاولة لإيجاد حل للمشاكل الكردية في تركيا، إلا أنه كان أيضاً مسؤولاً عن الشرخ الكبير الذي حدث في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 عندما أراد أردوغان انتصار تنظيم «الدولة الإسلامية» وهزيمة «حزب الاتحاد الديمقراطي» في كوباني. وبعد ذلك، تحوّل الأكراد المحافظون الذين صوتوا تاريخياً لـ «حزب العدالة والتنمية» نحو «حزب الشعوب الديمقراطي»، وشكلوا تحالفاً كردياً تحت راية الحزب اليساري. ولم يصدّق أحد بما في ذلك «حزب العمال الكردستاني»، أن هؤلاء الأكراد المحافظين سيعودون مرة أخرى لتأييد «حزب العدالة والتنمية» بعد انتخابات السابع من حزيران/ يونيو، ولكن يبدو أن الغراء الذي أبقى هذا التحالف الكردي متماسكاً كان ضعيفاً.
وفي نهاية المطاف، فإن «حزب العمال الكردستاني» هو من أكبر الخاسرين في هذا الإطار، إذ ارتكب خطأً استراتيجياً كبيراً بلجوئه إلى العنف بعد الانتخابات السابقة. ومع فشل هذه المقامرة، حيث تمتعت الطبقة الوسطى الناشئة في جنوب شرق البلاد بعامين من وقف إطلاق النار الذي نتج عن محادثات السلام، فهي لا تريد المزيد من العنف. وبرزت أمام الحركة الكردية فرصة لاتخاذ خطوات كبيرة عندما اجتمع الليبراليون والمحافظون في ظل «حزب الشعوب الديمقراطي»، إلا أن «حزب العمال الكردستاني» دمّر أساساً هذا التحالف. أما الجانب المشرق فهو أنه على الرغم من أن «حزب الشعوب الديمقراطي» قد واجه عقبات كبرى خلال الحملة الانتخابية وخسر [عدد من] الأصوات، إلا أنه أصبح الآن أقوى بكثير في وجه «حزب العمال الكردستاني»، كما أنه تخطى العتبة الانتخابية التي تبلغ 10 في المائة المطلوبة لدخول البرلمان، وبذلك تمت المصادقة على زعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش.
وفي المرحلة القادمة، ستعتمد الحكومة الجديدة موقفاً متشدداً ضد «حزب العمال الكردستاني» في بادئ الأمر. بيد، سيتوجب على أردوغان في النهاية أن يدرك أن استراتيجية للسلام والمصالحة ستصب في صالحه. إذ أن الاستقرار يتطلب أكثر من مجرد حكومة حزب واحد؛ لذا سيتوجب على أردوغان تبديل المسارات واستئناف المحادثات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، أوجلان.
ومن الناحية السياسية، ليس هناك داعي بأن يقلق «حزب العدالة والتنمية» من موقفه في أي وقت قريب ما لم تطرأ تغييرات كبيرة في قيادات الأحزاب المعارضة. كما يتوجب على الشعب التركي أن يفهم أن التغيير الحقيقي لن يأتي من خلال الأحزاب السياسية، بل من خلال المجتمع المدني. ويبقى أن نرى ما إذا كنّا سنشهد نسخة جديدة من احتجاجات “منتزه غازي“.
أما بالنسبة إلى السياسة تجاه سوريا، فإن السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان أردوغان سيحاول منع توطيد العلاقات بشكل أكبر بين الولايات المتحدة و «حزب الاتحاد الديمقراطي». وكانت تركيا قد سمحت للولايات المتحدة باستخدام ثلاث قواعد بالإضافة إلى قاعدة إنجرليك لتوجيه ضربات جوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبإمكان أردوغان استخدام هذه البطاقة الرابحة لعرقلة تعاون الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين.
أعد هذا الملخص جيم يولبولان.
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-day-after-turkeys-snap-elections