الولايات المتحدة وأكراد سورية: التحالف الموقّت عامر نعيم الياس
عقب التدخّل العسكري الروسي الجوّي في سورية الذي قلب الطاولة على الاستراتيجية الغربية رأساً على عقب. وفي خضمّ الخيارات الجديدة الناشئة. طرح المراقبون تساؤلاً حول الورقة الكردية في سورية، ولحظة الاختيار الصعب للأكراد بين واشنطن وموسكو في ضوء دخول الأخيرة بشكل قويّ على خطّ امتلاك الورقة الكردية في سورية وإخراجها من قبضة النفوذ الأميركي، وسط ما قيل عن افتتاح مكتب لبعثة الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في العاصمة الروسية. لكن السؤال الذي لم يطرح يتعلق بورطة واشنطن في الخيارات التي تماثل الورطة الكردية. فاللحظة الراهنة لا تسمح لأحد بالرهان قدماً على إبقاء الغموض سيّد الموقف بالنسبة إلى التحالفات الدولية التي تقود الجماعات المحلية والجهادية الدولية على الأراضي السورية، إذ تشعر الإدارة الأميركية أنه صار لزاماً عليها الاختيار بين تركيا وأكراد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، على قاعدة تجيير النفوذ الميداني للكرد واقتطاعهم الواضح مناطق كاملة لخدمة المفاوض الأميركي. فهل تستطيع واشنطن فعل ذلك؟
دخلت تركيا على خطّ العمليات العسكرية الموجهة ضدّ ما يسمّى وحدات حماية الشعب الكردي في سورية. وأعلن رئيس وزراء أردوغان أنه تمَّ استهدافهم في تل أبيض بعمليتين عسكريتين. وبذلك ترسم أنقرة الخطّ الأحمر الأكثر تشدّداً ووضوحاً للرهانات الغربية على كرد سورية، الذين تحوّلوا إلى معضلة بالنسبة إلى أنقرة. فالكيان المسمى «روج آفا» أي كردستان الغربية صار محطّ تنافس دوليّ على شرعنته ولو بالحدود الدنيا، أو بالأحرى وفقاً للرغبات الكردية المسيطرة على المناطق المكوّنة لهذا الإقليم في الوقت الحالي، والتي تنادي جميعها علناً ورسمياً بالحفاظ على الدولة السورية موحدة، ولا تطالب أبداً بانفصال الأكراد عن سورية. هذا ما شجّع موسكو على الدخول بقوّة على خطّ المنافسة مع واشنطن على الورقة الكردية والتي لا تزال حتى اللحظة بيدها.
الأمر لم يقف عند هذا الحدّ. فمحادثات فيينا الدولية الموسّعة حول سورية ترافقت مع دعوةٍ للخارجية الروسية للأكراد من أجل حضور الاجتماع الدولي كفصيل مستقل في سورية عن كافة الأطراف. وهذا يكرّس التوجّه الروسي السياسي من أجل تطويع هذه الورقة في المدى المنظور.
أما واشنطن، فهي تواجه خيارات أحلاها مرّ. فمن جهة لا تريد لموسكو أن تسحب منها الورقة الكردية والتي تعدّ الأكثر تلبيةً لتوجهات واشنطن الحقيقة في سورية، والأكثر امتلاكاً للوسائل والقدرات الميدانية الفاعلة لخدمة المصالح الأميركية في سورية. لكن دعم الأكراد بهذا الشكل والرهان على ورقتهم يعرّض واشنطن لخطرين. الأول يتمثل بمعضلة توسّع الأكراد غرباً في سورية وعدم قدرتهم على تحقيق إنجازات فاعلة في المحيط الذي لا يشكل بيئة حاضنة لهم. لا بل على العكس، يشكّل بيئة معادية. هذا ما يفسّر دعم الإدارة الأميركية لإنشاء قوات مشتركة في شمال شرق سورية من العرب والأكراد والوحدات الآشورية. لكن هذا لا يخفي حقيقة السيطرة الكردية على قيادة هذا التحالف الذي لا يزال هيكلاً وهمياً وعنواناً أميركياً يشابه ما يسمى «الجيش الحر» الذي لا تزال موسكو تبحث عنه.
المعضلة الثانية، تكمن في الموقف التركي والقواعد التي تحكم العلاقة بين دول حلف الأطلسي. فهل تسمح أنقرة التي بدأت باستنزاف الأكراد في تل أبيض بتمدّد الأكراد غرباً نحو عفرين في محافظة حلب، وتأمين التواصل الجغرافي لما يسمى «كردستان الغربية»؟ وهل تستطيع أنقرة الرضوخ لفكرة تسليح وحدات حماية الشعب الكردي بأسلحة ثقيلة أميركية في وقت تعتبر هي أن هذه الوحدات ما هي إلا ذراع عسكرية لحزب العمال الكردستاني في سورية؟
تستطيع واشنطن حتى اللحظة أن توازن بين دورها وعلاقتها مع أنقرة ودورها وعلاقتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، عبر تقوية شوكة الأكراد عسكرياً مقابل التزام الكرد بعدم تجاوز غرب الفرات والاستيلاء على عفرين. لكن هذا الأمر قد يفقد صلاحيته مع التوجّه الروسي السياسي الجاد وغير القابل للتشكيك في دعم التوجه السياسي العلني لأكراد سورية من دون قيدٍ أو شرط، أو مراعاة للعامل التركي الذي يعقّد جهد واشنطن واستراتيجيتها في شمال سورية.
(البناء)