الأميركيون والروس ينسّقون في السماء متى ينسّقون على الأرض؟ د. عصام نعمان
الخبر صحيح. الطرفان الأميركي والروسي أكّداه: ثمة تمارين أجرتها الطائرات الأميركية والروسية في السماء السورية لتفادي الاصطدام. دلالات هذا التنسيق الجوي كثيرة، أبرزها ثلاث:
أولاها، أنّ طائرات الطرفين ناشطة في سماء سورية لمدة لا تبدو قصيرة، ما يستدعي التنسيق العاجل بينهما تفادياً لأيّ صدام.
ثانيتها، أنّ كِلا الطرفين يحاربان، ولو بوتيرة متفاوتة، العدو نفسه، وهو تنظيم «داعش»، وأنه من الممكن أن تعمل طائراتهما في أجواء المناطق نفسها. هذا التطوّر يؤكد موقف موسكو بأنها تحارب كلّ التنظيمات الإرهابية، بما فيها «داعش» وليس فقط التنظيمات الأخرى التي تقاتل الجيش السوري.
ثالثتها، أنّ هذا التنسيق الجوي بين الطرفين حدث بعد مؤتمر فيينا الأخير، ما يشير إلى أنّ تفاهماً استراتيجياً تمّ بينهما على الصعيد السياسي أيضاً، جوهره أولوية دحر «داعش» على أيّ مهمة أخرى، بما في ذلك مسألة «مصير» الرئيس السوري.
من الطبيعي والمنطقي بعد إنجاز التنسيق بين الطرفين في الجوّ أن يتساءل المعنيون بالحرب الدائرة في سورية والعراق وعليهما: متى يبدأ التنسيق بين الطرفين على الأرض؟
الأميركيون غير معنيين في الوقت الحاضر بالتنسيق الميداني مع الروس. السبب؟ لأنّ ميزان القوى، بعد الحضور الروسي الكثيف في سورية، بات يميل لمصلحة الرئيس بشار الأسد، كما قال رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال جوزف دنفورد لذا ما تسعى إليه واشنطن حالياً هو محاولة إيجاد توازن على الأرض بين التنظيمات السورية المؤيدة للمعارضة «المعتدلة» والجيش السوري بغية تعزيز المركز السياسي للمعارضة السورية في المفاوضات المنوي إجراؤها في المستقبل مع ممثلي الحكومة السورية.
مساعي واشنطن في هذا المجال تبدو فاشلة. الجنرال دنفورد نفسه أكد أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس أنّ البرنامج الأميركي البالغة كلفته 500 مليون دولار قد جرى وقفه، لكونه لم يثمر سوى تدريب خمسة سوريين فقط أبدوا استعداداً لمقاتلة «داعش».
مراسل «نيويورك تايمز» الميداني في شمال شرق سورية عين عيسى والباحث في مركز البحوث «نيو أميركان فاونديشن» باراك بارفي أكدا للصحيفة 3/11/2015 أنّ ما يُسمّى قوات المعارضة السورية في أطراف محافظة الحسكة وأطراف محافظة الرقة، حيث السيطرة لـِ»داعش» ضعيفة للغاية وأنها تحتمي بوحدات «حماية الشعب الكردي» الناشطة في الحسكة وتعتمد عليها في أيّ جهد قتالي لمواجهة «داعش». كما أكد الإعلاميان الأميركيان أنّ كمية الأسلحة الضخمة 50 طناً التي أسقطها سلاح الجو الأميركي لمصلحة المعارضة السورية في المنطقة الخارجة عن سيطرة الجيش السوري لم تستطع قوات المعارضة، لنقص في فعاليتها اللوجستية، الاستحواذ عليها فكان أن صادرتها «وحدات الحماية الكردية» وبدأت في استعمالها.
لا يبدو أنّ واشنطن ستنجح في تنظيم وحدات سورية مسلحة تابعة للمعارضة «المعتدلة» كي تتمكّن هذه الأخيرة من تحسين مركزها التفاوضي إزاء حكومة دمشق. فالإعلاميان الأميركيان يقولان، سنداً لمعلومات زوّدهما بها المدعو أبو حمزة قائد «لواء ثوريّي الرقة» المناهض لـِ»داعش»، إنّ مجموع قوات الائتلاف السوري المعارض في شمال شرق البلاد لا يتجاوز عديده الـ 5000 مقاتل، وأنّ معظمهم ملتزم الدفاع عن منطقته وبيوت عياله وعشيرته وليس مستعداً لمقاتلة «داعش».
يبدو أنّ المسؤولين الروس لاحظوا تعثّر جهود واشنطن في سورية، فقرّروا عدم انتظار مساعيها الهادفة لدعم المعارضة «المعتدلة» عسكرياً وبالتالي سياسياً، فأعلنوا عن دعوةٍ وجّهوها لجمْع ممثلي الحكومة السورية ومجموعة من ممثلي المعارضة في موسكو بغية إجراء مباحثات، في ضوء التوصيات التي انتهى إليها مؤتمر فيينا الأخير. الشخصيات المدعوّة، وأبرزها خالد خوجا وحسن عبد العظيم وهيثم مناع وقدري جميل، لم تؤكد ولم تنف تبلّغها الدعوة. غير أنّ كلاًّ من الحكومة السورية ونائب رئيس الائتلاف السوري المعارض جورج صبرا نفيا إبلاغهما الدعوة إياها.
الأمر اللافت هو ما صرّح به نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بعد لقائه مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان في طهران: «نحن نتحدث عن حوار وطني في سورية وحكومة وطنية موسعة وعملية دستورية، ولا نتحدث نهائياً عمّا يُسمّى فترة انتقالية… هذه الفكرة موجودة في أذهان مَن لا يعيشون على أرض الواقع».
تصريح المقداد يوحي بأنّ المسؤولين في دمشق وطهران، وربما في موسكو أيضاً، يعتقدون أنّ مؤتمر فيينا حلّ نهائياً محلّ مؤتمر جنيف-1، وانّ مسألة الفترة الانتقالية قد طُويت. فهل تشارك الشخصيات السورية المدعوّة إلى اجتماع موسكو المقداد رأيه؟
واشنطن سارعت إلى وصف دعوة موسكو للحكومة السورية والشخصيات المعارضة إلى الاجتماع في العاصمة الروسية بأنها «سابقة لأوانها». هذا الموقف منتظَر من الأميركيين لأنّ مساعيهم لتحقيق حدٍّ أدنى من التوازن على الأرض بين الطرفين المتحاربين ما زالت تتعثر. لكن اللافت أيضاً أنّ واشنطن لم تبدِ أيّ تحفظ جوهري على مبدأ قيام موسكو بتوجيه الدعوة تلك ما يوحي بأنها موافقة ضمناً عليها، وأنّ مؤتمر فيينا أصبح المرجعية السياسية للتفاوض بشأن توصياته بين الأطراف المتصارعة، وليس مؤتمر جنيف – 1.
(البناء)