بشار الأسد ودانيال أورتيغا
ناصر قنديل
– كلّ شيء يقول إنّ الخيار العسكري لفرض توازنات جديدة لمصلحة الحلف الذي قادته واشنطن ضدّ سورية لسنوات مضت لم يعد ذا جدوى، وإنّ مرحلة جديدة بدأت مع مسار فيينا والتسليم بثلاثية، أولوية الحرب على الإرهاب لا إسقاط النظام، وتصنيف كلّ مفردات «القاعدة» ومن يرفض قتالها من تنظيمات وهيئات متصلة بالإرهاب لا مكان لها في العملية السياسية، والانتخابات وحدها تحسم مستقبل الرئاسة السورية ولا هيئة حكم انتقالي بل حكومة وحدة وطنية تضمّ الحكومة والمعارضة بعد حوار يشارك فيه الملتزمون هذه الثلاثية. ومضمون المرحلة الجديدة يقوم على التسليم بأنّ الحرب صارت عهدة سورية روسية إيرانية، لن تنفع محاولات الشراكة فيها من قبل واشنطن وحلفائها، فكيف بمحاولات استئخارها وتعطيلها؟
– ذهبت واشنطن إلى رهان جديد وهو ليس الاستسلام أبداً، إنه الرهان على الانتخابات كوسيلة لتغيير الواقع في سورية، وفي حساباتها أمران، الإجراءات والحسابات. ففي الإجراءات تعرف واشنطن أنّ الحديث عن رقابة وضمانات للتكافؤ في التنافس ترشيحاً وانتخاباً سيفتح باب تفاوض قاسٍ ومرير تراهن على نيل أكبر الممكن عبره للتأثير على الكتل الناخبة، وإضعاف تأثير مؤيدي الرئيس السوري بشار الأسد، سواء عبر تدخلات فرق التحضير الخارجية أو عبر إشراك منظم للّاجئين والمهاجرين والضغط عليهم بالترهيب والترغيب وقد صاروا كتلة لا يُستهان بها، أو بطرح تدخّل المراقبين في كلّ شيء وصولاً إلى النتائج أو عبر المال والدعاية والخطط المنظمة للحملات الانتخابية التي تمتلك فيها خبرة ومقدّرات لا تضاهى، أو عبر ما تراهن على إقناع حلفائها فيه تحت باب الحسابات باختيار مرشح واحد يدعمه الجميع إقليمياً ودولياً وتضع المعارضة ثقلها لفوزه، خصوصاً أن يكون من الشخصيات التي تسبّب إرباكاً في وسط جمهور المؤيدين ولا يبدو سعياً للسيطرة لمحور إقليمي دولي على سورية. وفي هذا تستعيد واشنطن تجربتها في نيكاراغوا بإلحاق الهزيمة الانتخابية بالقائد السانديني دانيال أورتيغا ورئيس نيكاراغوا الحالي في دورة رئاسية ثالثة، وذلك بعد المصالحة التي جرت بينه وبين خصومه في العام 1990 وانتهت بخسارته الانتخابات الرئاسية أمام المرشحة الآتية من صفوف جبهته، لكنها معارضة لسياساته فيوليتا شامورو، ولم يتمكّن من محو آثار الهزيمة إلا في العام 2006.
– جوهر الخبرة الأميركية في نيكاراغوا هو القدرة على تنظيم فوز انتخابي بضمّ المعارضين التابعين لها لدعم مرشح منتمٍ تاريخياً إلى معسكر الخصم، كحال فيوليتا شامورو التي كانت شخصية فاعلة ومؤثرة إعلامياً وسياسياً في وجه نظام سوموزا، وتنتمي إلى معكسر دانيال أورتيغا ذاته قائد الجبهة الساندينية التي دخلت التسوية وارتضت الاحتكام للانتخابات. وما يمكن أن تفكر باعتماده واشنطن لن يكون بعيداً عما فعلته في نيكاراغوا، خصوصاً بعد تكرار التجربة بطريقة أخرى في اليمن بتولي منصور هادي، نائب علي عبد الله صالح، الرئاسة والترشح لها في انتخابات التزكية.
– في سورية الأمر يختلف كثيراً، ويعرف الأميركيون هذا جيداً، لكن لا خيار أمامهم سوى المحاولة والرهان، ففي سورية مهما لعب الأميركيون لعبة الأسماء فلا وجود لقوة سياسية شعبية حقيقية شاركت في الحرب على الإرهاب يمكن أن تتشارك معهم في المعركة الانتخابية، ووحده الرئيس بشار الأسد رمز هذه الحرب ورمز النصر اللاحق فيها. وفي سورية كلّ من يدعمه المدعومون من الخليج ساقط في نظر شعبه ولو موّلوا إعمار سورية على يديه. وفي سورية لا فرصة للرهان على المال في تغيير جوهري، حيث الخيارات وجودية، كما قالت الحرب للسوريين، وفي سورية تدور المواجهة في نهاية المطاف بين مرشحين لخيارين سياسيّين لن تفيد كثيراً في تمويهها لعبة الأسماء والأموال والدعاية، خيار خاض الحرب دفاعاً عن استقلال سورية وقرارها الوطني ووحدتها وسيادتها وقهر الإرهاب الذي استهدفها شعباً وأرضاً وجيشاً، مقابله مهما كانت التأويلات، هو خيار الحرب، أيّ خيار الإرهاب والخليج والغرب ولو لبس ثوب البراءة والسلام.
– الزمن الذي احتاجه شعب نيكاراغوا ليميّز المشروع الأميركي لشامورو عن المشروع الوطني لأورتيغا لن يحتاجه السوريون.
(البناء)