تركيا إلى أين؟ محمد نور الدين
أعادت انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني في تركيا حزب العدالة والتنمية إلى السلطة منفرداً. كانت انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي قد أنزلته عن عرش التفرد. لكن فشل تشكيل حكومة ائتلافية أو بالأحرى إفشال أردوغان لهذا الخيار كان وراء الدعوة لانتخابات مبكرة.
احتفل أنصار وقادة حزب العدالة والتنمية بهذا الانتصار الذي لم يكونوا يتوقعونه أو لم يكونوا ينتظرون هذه النسبة العالية التي نالوها كما لو أنهم يربحون للمرة الأولى. ذلك أن نتائج الانتخابات الماضية كانت محبطة لهم وصادمة ، وما كان لهم أن يحلموا بانبعاث العظام وهي شبه رميم. وحتى لا نبالغ نسارع إلى القول إن حزب العدالة والتنمية لم ينجح في الانتخابات الماضية غير أنه بقي الحزب الأول بنسبة 41 في المئة وبفارق كبير عن حزب الشعب الجمهوري الثاني الذي نال 25 في المئة من الأصوات ، ولم يكن ينقص العدالة والتنمية سوى 18 نائباً ليحصل على النصف زائداً واحداً في البرلمان البالغ 276 نائباً.
استطلاعات الرأي كلها ما عدا واحدة كانت تعطي العدالة والتنمية كحد أقصى 44 في المئة والنصف زائداً واحداً بشق النفس. لكن الحزب نال 49.4 في المئة و317 نائباً بزيادة 8 في المئة على 7 يونيو/حزيران.
لكن هذا التقدم الملموس في الواقع لا يعني شيئاً في حال عرضنا لكيفية هذا التقدم وما إذا كان تقدماً فعلياً.
*أولاً: إن هذه النقاط الثماني هي مجموع تراجع نقاط حزب الحركة القومية من 16 إلى 12 في المئة ، وجزء من نقاط تراجع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من 13 إلى 11 في المئة تقريباً، وتراجع حزب السعادة الإسلامي من 2.5 إلى 0.7 في المئة.
إذا لم ننس حزب الشعب الجمهوري حزب المعارضة الرئيسي والذي يمثل الكتلة العلمانية الصلبة ، فإن نقاطه لم تتراجع ولم تزد إلا نصف نقطة (نال 25.4 في المئة). أي لم تذهب أي نقطة من الشعب الجمهوري إلى العدالة والتنمية.
ربما يكون تصويت ناخبي حزب السعادة للعدالة والتنمية مفهوماً بأنهم أرادوا ألا يخسر الإسلاميون السلطة فانضموا إلى العدالة والتنمية حتى لا تذهب أصواتهم هدراً بعدما تبين أن للنقطة ونصف النقطة أهمية في هذه الانتخابات بخلاف الانتخابات السابقة.
لكن كيف اجتمعت نقطة من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وأربع نقاط ونصف من حزب الحركة القومية لتذهب إلى حزب العدالة والتنمية؟.
ليس من تفسير آخر سوى أن استراتيجية رئيس الجمهورية والقيّم على حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان كانت السبب. فقد اتبع أردوغان سياسة من شقين: عسكرية وسياسية.
في الشق الأول شن أردوغان بدءاً من منتصف يوليو/تموز حرباً على الأكراد بشقهم العسكري حزب العمال الكردستاني بغارات وعمليات على مواقعه في داخل تركيا وشمالي العراق وحتى سوريا. وتخلل ذلك القيام بعمليتي تفجير ضد مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي في سوروتش وأنقرة وانتهت إلى أكثر من 140 قتيلاً.
وعلى الصعيد السياسي قام أردوغان بعملية شيطنة الحزب الكردي واتهامه بالخيانة ودعم الإرهاب، كما أطلق رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو تهديدات علنية بعودة القتل إلى المدن الكردية إن لم ينتخبوه ويعيدوه منفرداً إلى السلطة.
هذه الاستراتيجية الأردوغانية دفعت إلى إلغاء حزب الشعوب الكردي كل مهرجاناته الانتخابية تفادياً للتعرض لمزيد من الانفجارات والقتل. وفي المحصلة هدف أردوغان إلى ترويع الجمهور الكردي وتخييرهم بين القتل أو التصويت له وخيّر الجمهور التركي بين الفوضى أو عودته هو إلى السلطة. فوجد تجاوباً من 1 أو 2 في المئة كحد أقصى من الجمهور الكردي ، لكنها كانت نسبة مهمة في سياق المعركة الانتخابية. وأراد أردوغان أن يظهر للقوميين الأتراك ، وكان تركيزه هنا على هذه النقطة ، بأنه هو الحامي للقومية التركية عبر استهدافه عملياً بالدم والنار حزب العمال الكردستاني ، فخطف 4 نقاط ونصف النقطة كاملة ، كانت العامل الحاسم في تقدم حزب العدالة والتنمية ثماني نقاط أعادته من جديد منفرداً براحة إلى السلطة.
هي أصوات مغموسة بالدم توسلاً للسلطة. ولو كانت الانتخابات جرت في ظروف طبيعية لما كانت هذه النتيجة أبداً.
الخلاصة أن هذا الانتصار ليس طبيعياً وجاء نتيجة ظروف غير طبيعية ومصبوغة بالدم والتهديد. كل ما في الأمر الآن أن تركيا وحزب العدالة والتنمية عادا إلى المربع الذي كانا عليه عشية الانتخابات الماضية أي إلى يوم 6 يونيو/حزيران. وهذا الانتصار لن يغير من التحديات والمشكلات التي كانت أمام تركيا حينها بل زادت عليها الآن ازدياد جرعة الكراهية الكردية لأردوغان في تركيا وسوريا وشمالي العراق بعدما امتطى السلطة من جديد على دمائهم. أما إقليمياً فليس من أي متغير عما كان عليه الوضع يوم 6 يونيو ، بل إن التحدي الكردي لتركيا في سوريا ازداد والتدخل الروسي في سوريا زاد من تراجع الدور التركي في المنطقة.
هو انتصار انتخابي رقمي ليس إلا. فيما كل المشكلات التي لم ينجح أردوغان بحلها سابقاً لا تزال أمامه. وبالذهنية التي يحكم فيها لن يكون قادراً على حلها من جديد بل ربما تتفاقم في حال قرأ أردوغان النتائج على أنها تفويض له لتشديد سياساته السابقة، وهنا الطامة الكبرى على تركيا نفسها قبل غيرها.
(الخليج)