مقالات مختارة

مرّة أخرى، إنها انتفاضة وليست هَبّة- منير شفيق

 

منذ الأسبوع الأول لاندلاعة الانتفاضة الراهنة التي انطلقت من القدس لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق الـ48، وقع خلاف في تسميتها هبّة أم انتفاضة .

فالذين أصرّوا على تسميتها هبّة اعتبروها حراكاً مؤقتاً أسبوعاً أو في الأكثر، أسبوعين. لأن الهبّة يجب أن تكون بضعة أيام وهذا ما يحمله تعريف عبارة هبّة أو ما انطبق على الحراكات الشعبية التي كانت قصيرة الأمد. ولكن عندما تكون الهبّة تحمل سمة الاستمرارية كما هي سمة الانتفاضة الراهنة التي مضى عليها شهر حتى الآن، تكون قد تعدّت سمة الهبّة لتدخل في سمة الانتفاضة. فالصدامات التي دامت شهراً جعلت الوضع في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة في حالة حرب شوارع بما يتعدّى حتى الانتفاضة التي تأخذ شكل مواجهات بالحجارة والمولوتوف وما يشبه ذلك. فعدد الشهداء الذين ارتقوا (73 شهيداً ومئات الجرحى) وهم ينقضون على جيش العدو بالسكاكين أو بالدهس ناهيك عن المواجهات بالحجارة والأكواع والمولوتوف، شكّل ظاهرة جديدة في المواجهة لا علاقة له بما عُرِفَ من هبّات، ويكاد يبتعد حتى عن نطاق الانتفاضة كما عرفت في الانتفاضتين الأولى والثانية.

ولذلك ليس من المفهوم الإصرار على تسميتها بالهبّة وليس بالانتفاضة. علماً أنها موصولة عملياً بالحراكات الانتفاضية التي حدثت في القدس إثر استشهاد الفتى محمد أبو خضير حرقاً في شعفاط، وما تلاه من إرهاصات انتفاضية، ثم استمرار المواجهات في القدس سواء أكان في الاعتصام المستمر في المسجد الأقصى والدفاع عنه يومياً من خلال الاشتباك مع المستوطنين الذين دأبوا على اقتحامه بحماية جيش الاحتلال، أم كان في مواجهات في القدس نفسها وفي عدد من ضواحيها ولا سيما في شعفاط والعيساوية.

ولذا يجب متابعة تلك المواجهات وعلى مدى أشهر ويومياً وصولاً إلى الانفجار الذي حدث أوائل تشرين الأول/أكتوبر في اندلاع المواجهة في المسجد الأقصى وباحاته بعد محاولة تنفيذ قرار التقسيم الزماني. ثم انضمام الضفة الغربية وقطاع غزة إلى المواجهات التي امتدّت حتى اليوم إلى جانب ما صاحب ذلك من عمليات بالسكاكين والدهس واندلاع المواجهات مع جيش العدو بالحجارة والمولوتوف، ليدّل أننا أمام انتفاضة أخذت تأخذ سماتها الخاصة التي تختلف بالضرورة عن سمات الانتفاضة الثاتية التي أخذت سماتها الخاصة التي اختلفت عن سمات الانتفاضة الأولى، في عدد من التفاصيل والجوانب.

من هنا، فإن المطلوب التقاط الخصائص والسمات الجديدة للانتفاضة الراهنة، والتحرّر من القوالب التي إذا لم تنطبق عليها، أو لم تتوفر حتى الآن يُصار إلى التهرب من معاملتها ومن ثم تأييدها باعتبارها انتفاضة مثلاً، الاحتجاج بحجّة عدم وجود قيادة موّحدة، أو لكونها لم تزل في بداية شهرها الثاني، أو الخوف من استثمارها من قِبَل السلطة، أو إبداء المخاوف التي تشكك في إمكان استمراريتها وتصاعدها.

طبعاً العقل يميل، بسبب بطئه في التقاط الجديد إلى البحث عن قوالب للقياس جاهزة يستند إليها. وبهذا تسبقه الأحداث والمبادرات الشبابية. ومن ثم يجد نفسه بعد شهر كامل من حالة انتفاضة مصراً على تسميها هبّة (عابرة بالضرورة وتعريفاً)، أو في الأقل لا يلحظ متى تتخطى الوقائع حالة الهبّة إلى حالة الانتفاضة.

فكل شروط الانتفاضة آخذة بالتوفّر خطوة خطوة في هذه الانتفاضة بدليل استمراريتها وتصاعدها مثلاً نزلت إلى الشوارع في يوم أمس بتاريخ 31/10/2015 عشرات الألوف في مدينة الخليل في تشييع خمسة جثامين لشهداء كان العدو قد امتنع عن تسليمهم. مما يدّل على نبض الشعب وجماهيرية الانتفاضة.

ولهذا يخطئ، بداية، في الساحة الفلسطينية، من لا يتعامل مع الانتفاضة الراهنة باعتبارها انتفاضة مستمرة ومتصاعدة ويضع كل ثقله للمشاركة فيها ودعمها، ولا يسمح لأي بحث عن قوالب جاهزة أو لأية شكوك أو مخاوف بأن تمنعه من أن يضع كل الثقل وكل الأمل بهذه الانتفاضة.

فكيف يجوز للخوف من عدم استمرارية الانتفاضة أن يمنعك من أن تشارك فيها بكل قوّة ولا تردّد. وإلاّ أدّى إحجامك إلى الإسهام في حدوث ما أنت متخوّف منه؟ وكيف يجوز أن يجعلك نقص لما تظنه من نواقصها إلى عدم بذل كل ما عندك في دعمها. لأن النواقص لا تُعالَج إلاّ من خلال دفع الانتفاضة إلى أمام، ومن خلال استمراريتها.

فليتنبّه كل مُحْجِمٍ ومتردّد، ومهما كانت وجاهة أسبابه، بأنه يخطئ في عدم المشاركة في مواجهة مشتعلة ضدّ العدو الصهيوني في القدس والضفة وقطاع غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى