24 ساعة: نحميا شترسلر
لم يبق له الكثير من الوقت. مرت تقريبا عشرون سنة ولديه أقل من . يوم واحد فقط حتى الرابع من تشرين الثاني من اجل أن يتقدم شخصيا لداليا رابين ويطلب الاعتذار. ليس مؤكدا أنها ستسامح، لكن يمكن أن يحدث هذا. نحن ننتظر ذلك منذ عشرين سنة، ننتظر الاعتذار، ودم اسحق يصرخ من الارض. لن يهدأ ولن يرتاح حتى تُقدم وتُقبل.
خلال عشرين سنة نحن نؤجل هذا الموضوع ونخبئه. نريد الاستمرار في الحياة كالعادة، واعطاء الزمن الفرصة ليفعل فعله. لهذا نشأ اتفاق غريب وهو عدم التحقيق في التحريض الذي أدى إلى القتل. لكن هذا لن يختفي والجرح لن يلتئم.
خلال هذه السنوات العشرين لم يتم التحقيق مع الحاخامات الذين لقبوا رابين «مويسر» وأنه يستحق الموت. لم يحققوا مع المستوطنين الذين قالوا عنه «خائن» وأن مصير الخائن الشنق. لم يحققوا مع من أقاموا مراسيم القتل وشتموا وطالبوا بالموت الغريب. لم يحققوا ايضا مع السياسيين في ميدان الليكود ـ وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، الذين وقفوا على الشرفة في ميدان صهيون واشعلوا الجموع الغفيرة. وشاهدوا ملابس الـ اس.اس التي تم الباسها لرابين في اللافتات، لكنهم لم يحتجوا ولم يوقفوا ولم يستنكروا من هتفوا «قاتل»، «خائن»، «نازي». ايضا لم ينسوا المظاهرة في مفترق رعنانا التي سار على رأسها نتنياهو دون أن يوقف رفع التابوت المغطى بالاسود والذي كتب عليه اسم رابين. صحيح أن نتنياهو لم يكن يريد القتل، ولم يحلم أن ينتهي التحريض بهذا الشكل. لكن التحريض لا ينتهي حسب خطة المحرض. فلديه طرقه للامساك بالسكين والاصبع على الزناد. والحقيقة هي أن نتنياهو يفهم جيدا إلى أين يؤدي التحريض فيما يتعلق بالمسجد الاقصى.
وصحيح ايضا أنه كان هناك سياسي واحد فهم إلى أين يؤدي التحريض، وطلب من الجمهور الثائر أن يُلين هتافاته، لكنه أصبح هدفا لذلك فنزل عن المنصة: دافيد ليفي. لهذا فان مكانه في الحائط الشرقي.
بعد ذلك جاءت انتخابات 1996 وفاز نتنياهو على شمعون بيرس بفارق بسيط (30 ألف صوت). لذلك واضح اذا كان رابين المحبوب على الجمهور أكثر كثيرا من بيرس، سيترشح أمام نتنياهو، كان سينتصر بسهولة ويستمر في عملية اوسلو ـ كنا الآن سنكون نعيش في واقع يختلف تماما، بسلام، مع الدولة الفلسطينية إلى جانبنا.
يزعم اليمين أن اوسلو جاءت فقط بالضحايا والموت. والامر هو العكس تماما. اتفاق اوسلو تحطم على يد نتنياهو عندما صعد إلى الحكم في 1996. فهو الذي فتح النفق وأشعل القدس وتسبب بشلال الدم في الضفة ووسع المستوطنات وأحرق الثقة مع ياسر عرفات وقضى على فرص استمرار تنفيذ الاتفاق، عن عمد. لذلك شاهدنا كل العمليات وكل القتل وكل الطعن. لا يوجد للفلسطينيين ما يخسرونه تحت حكم نتنياهو. ليس لهم أفق أو أمل. فقط الاحتلال والقمع ومصادرة الاراضي والفقر والبطالة.
لا يعرف ذلك الكثيرون، إلا أن رابين قد أجرى في تلك الاثناء الاتصالات من اجل اتفاق سلام مع حافظ الاسد. وتكفي رؤية الثقة التي انشأها مع الملك حسين، الامر الذي انتهى باتفاق سلام مع الاردن في 1994، لفهم استراتيجيته: السلام هو الأمن.
لو كان رابين على قيد الحياة وكان رئيسا للحكومة لما كان فوت الفرصة في 2002 المتصلة بالمبادرة العربية لاتفاق سلام مع جميع الدول العربية. خلافا لنتنياهو كان سيمسك الفرصة بكلتا يديه مستخدما المصالح المشتركة بيننا وبين مصر والسعودية والاردن ودول الخليج من اجل محاربة الاسلام الراديكالي الدموي.
كل ذلك عكس نتنياهو تماما، الذي هو مدمن على الخوف والكراهية والحرب واليأس. ومثلما قال هو نفسه قبل اسبوع: «سنعيش على سيفنا إلى الأبد»، هذا هو حلمه.
من هنا يمكن أن لا تكون حاجة لانتظار الاعتذار.
هآرتس