حول نتائج الانتخابات التركية -2
غالب قنديل
ليس الربط بين الانتخابات التركية ونتائجها والسياسات الأميركية في المنطقة عملا عارضا أوتعسفيا فثمة أدوات تأثير بيد الإدارة الأميركية في ضبط وربط الواقع السياسي التركي كما أن للأمر برمته علاقة باستراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة سواء في العدوان على سورية ودور تركيا المحوري في ملفات وساحات أخرى حيوية ومهمة لواشنطن .
أولا العلاقة التركية الأميركية تمثل شريانا حيويا واستراتيجيا للدولة الأطلسية التركية على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية وتتشعب مواقع النفوذ الأميركي في قلب البنيان السياسي التركي وهي ليست احادية التأثير في حزب العدالة والتنمية الذي قدمته الولايات المتحدة بوصفه النموذج المتبنى والمقترح لما يسميه المخططون الأميركيون بالإسلام السياسي المعتدل وقد سعوا إلى تعميم هذه الوصفة في إطار تجديد منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وكان ذلك هو الغاية المركزية لأحداث ما سمي بالربيع العربي.
لم يتزحزح في الشمهد الكلي كون حزب العدالة والتنمية حليفا للإمبراطورية الأميركية وبالتعبير الأدق تابعا استراتيجيا ونشطا في منظومة الهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة من غير أن يلغي ذلك ضغوطا صريحة مارستها واشنطن للحد من شطط زعيم الحزب رجب طيب أردوغان كمثل سحب بطاريات الباتريوت الألمانية لإحباط رهانات الرئيس التركي على منطقة عازلة في سورية كانت ستجعل الاشتباك الروسي الأميركي احتمالا لا محيد عنه وبالتالي فالتبعية الاستراتيجة لواشنطن تنطوي كذلك على آليات ضبط وربط أميركية في احتواء التعارضات المتصلة بخصوصيات الحساب العثماني السياسي أو الإيديولوجي.
ثانيا بالمقابل تحتفظ الولايات المتحدة ودول الغرب بعلاقات تاريخية مع خصوم العدالة والتنمية فحزب الشعب الجمهوري صديق قديم للغرب وللناتو والحركة القومية كذلك اما حزب الشعوب الديمقراطية فتسري عليه خيوط التقارب مع الولايات المتحدة والغرب بفعل الموقف الأميركي من الفصائل الكردية في العراق وسورية ومن مطالب الأكراد في تركيا كما أن للولايات المتحدة مواقع فعل وتأثير داخل حزب العدالة والتنمية أقلها ما تعبر عنه حركة فتح الله غولين داعية التقارب الإسلامي الحركي مع الغرب وواشنطن بالذات ولا ينبغي إغفال العلاقة العضوية الأميركية بالمؤسسة العسكرية والأمنية التركية بوصفها محورا مركزيا للنفوذ الغربي في هذه الدولة الإقليمية الفاعلة .
لقد اخطأ من افترضوا ان حزب العدالة والتنمية بات عبئا على الولايات المتحدة تسعى للتخفف منه ولو شاءت الإدارة الأميركية لفرضت الائتلاف على احزاب المعارضة وبدعم عسكري بعد انتخابات حزيران الماضي ولحركت خيوطها الفاعلة في الانتخابات الأخيرة للتأثير على النتائج حيث يصح القول إن المنافسة جرت تحت خيمتها فليس لدى أي من معارضي أردوغان مطلب للخروج من الناتو او للانقلاب على التحالف مع واشنطن لكنهم يتبنون خيار الخروج التركي من حروب ما تزال الإدارة الأميركية مصممة على مواصلتها مع شريكها حزب العدالة والتنمية بقيادة أدروغان.
ثالثا يقود حزب العدالة والتنمية التنظيم العالمي للأخوان المسلمين وهو المرجعية العليا لجميع فروع التنظيم في البلاد العربية وفي وسط آسيا كما إنه القوة الراعية لجميع فصائل الإرهاب والتكفير في سورية بجميع يافطاتهم وبالشراكة مع حكومتي السعودية وقطر وهي رعاية تشمل فصائل الشيشان والطاجيك والإيغور والقوقاز المعدة لاستهداف روسيا والصين لاحقا وحيث يبني التنظيم الأخواني التركي بقيادة أردوغان من العصبية التركمانية عنصرا مؤسسا لفروع القاعدة وداعش في العديد من الدول الآسيوية انطلاقا من سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن حيث تشكل فصائل الإرهاب قوة صدامية متناغمة مع اتجاه الخطط الأميركية ومساراتها.
من الواضح ان المخططين الأميركيين متمسكون بهذه الوظيفة الحيوية المركزية لتنظيم الأخوان المسلمين ولحزب العدالة والتنمية الذي قام بتحويل تركيا إلى قاعدة تنظيم وتجهيز وتفعيل سياسي وتنظيمي لفصائل إسلامية مقاتلة ضد خصوم الهيمنة الأميركية في الشرق العربي ووسط آسيا وصولا إلى أفريقيا وحيث تقدم الدوحة والرياض كثيرا من المال للمنفذين الأتراك كما سارت عليه الأمور في السنوات الخمس الماضية.
رابعا تلبي قيادة العدالة والتنمية دورا رئيسيا في خط التأثير على قيادة حركة حماس ومحاولة جذبها بعيدا عن إيران بالشراكة مع قطر وهذا ما يمثل حاجة ملحة اميركية وصهيونية لا يمكن تجاوزها وتتبدى اهميتها من خلال التوريط المنهجي لمجموعات حماسية في العدوان على سورية وعبر مشروع المنطقة التجارية المفتوحة في غزة مقابل هدنة طويلة تحفظ الأمن الصهيوني وتلغي المقاومة بالتجميد ولا يمكن للولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل التفريط بهذا الإنجاز التركي الثمين.
البعد الفلسطيني لدور العدالة والتنمية هو في المدى الأوسع تعبير عن الخارطة الأميركية التي تفترض الحفاظ على التخندق التركي السعودي مقابل إيران لحفظ التوتر المذهبي في العالم الإسلامي وفي ظل الحياد النسبي للقيادتين الباكستانية والمصرية الذي كرسته مواقفهما المتحفظة من المشاركة في الحرب على اليمن حيث ينخرط حزب الإصلاح الأخواني بوصفه فصيلا مقاتلا إلى جانب القاعدة وداعش على الأرض وبدعم تركي سعودي مكشوف.