حول نتائج الانتخابات التركية -1
غالب قنديل
لا يمكن لأي مراقب موضوعي ان يكابر بإنكار المفاجأة التي انطوت عليها نتائج الانتخابات التركية وقد ظهرت آثارها على قيادة حزب العدالة والتنمية الذي رمم صورته الشعبية والسياسية باسترجاع غالبية نيابية تتيح له الانفراد بتشكيل الحكومة المقبلة .
أولا ينبغي التذكير مباشرة بأن أشد المتفائلين من خصوم أدروغان داخليا وخارجيا لم يتخط حدود توقع إعادة إنتاج مشهد نتائج انتخابات حزيران الماضي أي تعذر تشكيل حكومة ذات لون واحد واستعصاء قيام ائتلاف وامتداد الاضطراب السياسي وربما ذهب البعض لتوقع عودة حضور الجنرالات في مشهد تركيا السياسي نتيجة لذلك وقد يكون ذلك الاحتمال بالذات هو المآل الذي صوت ضده الناخبون الأتراك الذين ارتضوا التعايش مع أضرار سياسة أدروغان على عودة الحكم العسكري إلى البلاد بسبب عجز القوى السياسية عن إنتاج صيغة حكم مستقرة وهو ما بينته مرحلة مابعد الانتخابات السابقة على جبهتي العدالة والتنمية والمعارضة بأحزابها الثلاثة الكبرى : الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطية وهذان الأخيران أظهرت النتائج ان قسما من ناخبي كل منهما قد انتقل إلى التصويت لمرشحي العدالة والتنمية بفضل نجاح الأخير في استمالة كتلة من ناخبي الخصوم بالظهور في موقع تمثيل القومية التركية والرهان على كسب قطاع من الجمهور الكردي الواقع خارج كتلة مناصري حزب العمال الكردستاني والأقرب لحليف أردوغان الكردي مسعود البارازاني والمتداخل سياسيا وعقائديا مع العدالة والتنمية بميوله الإسلامية و بقياداته التقليدية.
ثانيا خطة أردوغان التي طبقها بعد انتخابات حزيران حققت نجاحا وهي اعتمدت على ثلاثة محاور ينبغي التوقف عندها :
المحور الأول التركيز على استثارة الشعور القومي التركي في وجه الثوار الأكراد ومطالبهم من خلال الحرب المفتوحة ضد حزب العمال الكردستاني وتظهير الأمور في صيغة خطر على الاستقرار الذي يمثل مطلبا عاما في بلد يعتمد على السياحة كمصدر رئيسي للدخل القومي .
المحور الثاني تعظيم صورة التهديد الإرهابي الذي يقول البعض إنه تم تحريكه بالتفاهم مع فصائل داعشية تحظى بدعم المخابرات التركية لإشعار الناخبين بحجم المخاطر الناتجة عن تضعضع الحكومة المركزية وسيطرتها في البلاد وبغض النظر عما إذا كانت العمليات التي شهدتها تركيا مدبرة ام حصيلة ارتداد الإرهابيين المحتضنين فالحصيلة كانت استثمارا جيدا للعدالة والتنمية في فكرة الاستقرار والحكومة القوية وجاذبيتها الانتخابية .
المحور الثالث رص أردوغان صفوف حزب العدالة والتنمية بشطب جميع المجادلين في خياراته الداخلية والخارجية وبلور آلة حزبية متماسكة أثبتت قدرتها على قيادة حملة انتخابية ناجحة.
ثالثا الأكيد ان الانتخابات التركية ليست حدثا محليا صرفا وعين الإدارة الأميركية على مستقبل شريكها الإقليمي في الحرب على سورية وفي رسم مستقبل المنطقة وحيث تلوح الحاجة الأميركية لدور تركي رئيسي في مقابل الثقل الإيراني المتصاعد والدور الروسي المتعاظم وحيث يمثل الانخراط التركي في الحرب على سورية أحد أهم محاور الضغط والتأثير الأميركية فمن تركيا يجري تنظيم القسط الأهم من التدخل السعودي القطري في تمويل الإرهاب وتسليحه وتركيا تحتضن البنية الأساسية لفصائل الإرهاب الناشطة داخل سورية بينما المعارضة التركية بأحزابها الثلاثة تتبنى خيار الانسحاب من حلف الحرب على سورية والانصراف إلى الهموم التركية الداخلية الضاغطة والتي نجح أردوغان في طمسها بالتهويل بخطر الاضطراب ليرجح عند غالبية الناخبين خيار التصويت لحزبه ولرهان الاستقرار الذي قد تهزه في فترات غير بعيدة خضات واضطرابات سياسية واجتماعية قادمة .
إن الحاجة الأميركية المستمرة لأردوغان كانت عاملا متحركا في صنع معادلة الانتخابات ونتائجها التي ظهرت في صناديق الاقتراع ولكنها ليست المحرك الوحيد أمام مازق المعارضة التركية وعدم قدرتها على توحيد صفوفها في تيار يحمل برنامجا واضحا ويحتوي تناقضات سياسية كثيرة منعت هذه المعارضة من تشكيل ائتلافها الحكومي الخاص عندما فازت بفرصتها الصعبة قبل أشهر .