مقالات مختارة

تدخل في سياق استراتيجية الغزو د.منذر سليمان

 

تعديل ام استدارة اميركية في سوريا ؟

واشنطن تعد لانقاذ جماعتها المسلحة

تزامنا مع الانفراج السياسي بعقد مؤتمر فيينا حول سوريا، اعلن البيت الابيض عن قرار احادي الجانب بارساله ثلة من القوات الاميركية الخاصة للاراضي السورية، بعد صمت طويل تلقى فيه اهانات قاسية من خصومه الجمهوريين وبعض اركان حزبه الديموقراطي واتهامات بقلة الحيلة والتقاعس وفشل سياسته للتدخل في سوريا.

الاعلان في حد ذاته مثير للجدل، خاصة لناحية توقيته، على خلفية سلسلة لقاءات رسمية غير موفقة لشرح نوايا الادارة في الكونغرس ، آخرها وابرزها كان مثول كل من وزير الدفاع، آشتون كارتر، ورئيس هيئة الاركان، جوزيف دنفورد، امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.

يشار ايضا الى اختتام دنفورد لجولة في المنطقة شملت العراق، مناشدا الحكومة العراقية عدم الاستجابة لطلب استدعاء القوات الروسية لشن غارات مماثلة على تنظيم الدولة الاسلامية في العراق. تلتها تصريحات قطرية تهدد بالتدخل العسكري المباشر في سورية، اعتبرها البعض بانها جاءت بايعاز من الادارة الاميركية استباقا لمواجهة مع الكونغرس لشراء الوقت وانضاج قرار التدخل، لا سيما لرصد الوسائل الاعلامية التباين في توجهات الرئيس اوباما من جهة، وقادته العسكريين من جهة اخرى.

يشار الى تكرار الرئيس اوباما لموقفه اينما حل وسنحت له الفرصة بانه قطع عهدا للشعب الاميركي بعدم “تواجد قوات برية” في سوريا. بالمقابل، انتشرت روايات متعددة حول قيام القوات الاميركية بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية مباشرة داخل سوريا.

وزير الدفاع كارتر كان متحفظ جدا في شهادته ولم يقل الا القليل، بيد ان اللافت للنظر تصريحه حول “انشاء منطقة حظر الطيران” في سوريا بانها “غير واردة في المدى المنظور من قبل البنتاغون، ومع ذلك تبقى من ضمن الخيارات” المعدة. واضاف مؤكدا ان “الرئيس باراك اوباما لم يسحب او يخرج من التداول خيار اقامة منطقة حظر الطيران في سورية.”

احد ابرز خصوم الادارة وسياساتها المرشح عن الحزب الجمهوري ليندسي غراهام وبخ الثنائي، كارتر ودانفورد، بلهجة قاسية قائلا “تداعت الاستراتيجية الاميركية بالكامل .. روسيا وايران وحزب الله سيمضون في القتال نيابة عن (الرئيس الاسد) اما نحن فليس بوسعنا فعل اي شيء من شأنه دعم القوى التي ترغب بتغيير سوريا الى الافضل عبر الاطاحة بديكتاتور دمشق.”

خلفية ضرورية

توثيق نية الادارة الاميركية التدخل عسكريا في سوريا، وبشكل مباشر، ليس بالامر اليسير او المتوفر. لكن ينبغي الاسترشاد بوثيقة صادرة عن “معهد ستراتفور” الاستخباري عام 2011، ونشرتها ويكيليكس توضح فيه “احتمال” تواجد قوات اميركية خاصة على الارض في سورية منذ عام 2011.

قبل اعلان الادارة بقليل نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال،” 28 اكتوبر الجاري، نبأً نسبته الى “مصدر اميركي مسؤول رفيع المستوى (يمهد) لاحتمال اقدام الادارة الاميركية على نشر عدد محدود من القوات البرية (الاميركية) في سوريا ..” والذي يأتي تصديقا لتصريحات وزير الخارجية القطري، خالد العطية، بان بلاده “قد تتدخل عسكريا في سوريا كرد على التدخل الروسي” هناك.

لم ينقطع سيل التصريحات الاميركية والدول الحليفة بالاشارة الى “احتمال” قيام الرئيس اوباما ارسال قوة عسكرية مؤلفة من 3000 عنصر للقتال المباشر في سوريا، خاصة عقب اعلان الادارة عن فشل برنامجها لتدريب وتسليح عناصر معارضة جديدة بلغت كلفته 500 مليون دولار.

في هذه الاثناء “تسربت” انباء مصدرها وزارة الدفاع الاميركية تفيد بان “قوات أجنبية شاركت مباشرة بعمليات مشتركة مع (المسلحين) منذ بدء الازمة السورية في شهر آذار 2011.

قبيل مثول الثنائي كارتر ودنفورد امام لجنة في مجلس الشيوخ، هللت وسائل الاعلام الاميركية لشريط فيديو منسوب للبنتاغون بشن وحدة من “قوات دلتا” الخاصة عملية مباغتة على معتقل تديره داعش في العراق، اسفر عن “تحرير” 70 معتقلا من الاكراد، وتكبدت القوة الاميركية مقتل احد عناصرها. وتم بث الشريط مرارا وتكرارا على كافة الوسائل المرئية والالكترونية.

تضاربت الرواية حول صحة ودقة ما جرى، وبثت شبكة (ان بي سي) للتلفزة ما اعتبرته توضيح للعملية، نسبته لمصادرها، اسهم في تنامي الشكوك مفاده بان “العملية نفذت بناء على طلب من الحكومة العراقية واولئك الذين أُنقذوا هم من المقاتلين الاكراد ..” بالمقابل، اوردت وكالة “رويترز” للانباء خبرا على لسان “مسؤول اميركي رفيع” يؤكد ان الرهائن وعددهم 69 كلهم من العرب، من ضمنهم 20 عنصر لقوات الأمن العراقية .. وعناصر في تنظيم داعش اعتقلوا لشبهة التجسس.”

عند هذا المفصل، يرجح ان الغرض من اشهار الفيديو، بصرف النظر عن دقة الرواية الرسمية، كان لخدمة شهادة وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان المقررة سلفا، وتأكيد آشتون كارتر بان بلاده “على اتم الاستعداد للانخراط المباشر على الارض في العراق وسوريا.” سبق نشر الفيديو اختتام جوزيف دنفورد زيارته العاجلة لبغداد لحثها على عدم التوجه شرقا بطلب معونة عسكرية من روسيا.

الغرض الآخر لشريط الفيديو هو ارسال الادارة رسالة قوية لحلفائها العرب مغزاها ان “الولايات المتحدة لا تزال شريك يمكن الاعتماد عليه في الحرب ضد الارهاب،” وتهيئة الرأي العام الاميركي لقيام قواتها المسلحة بالقتال المباشر ايضا.

اتضحت معالم السياسة الاميركية كثمرة لجهود “المراجعة” التي اعلنت عنها الادارة الاميركية، ولم يعد خفيا انخراط قواتها العسكرية مباشرة في القتال في سوريا تحديدا، وتكرار تجربتها العراقية بتخفيف الضغط الميداني على قوات الدولة الاسلامية، تحت غطاء الدعم ورفد “مستشارين عسكريين.”

لا احد من المعنيين لديه استعداد للإقرار بحقيقة اطلاق صفة “العدوان” على سوريا، عند الاخذ بعين الاعتبار ان قرار واشنطن احادي الجانب يعتبر انتهاكا للقانون الدولي وفاقدا للشرعية كونه لم ينتج عن قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي، او نتيجة طلب من الحكومة السورية التي لا زالت شرعية معترف بها في الامم المتحدة.

من ابرز ردود الفعل اميركيا كان تصريح المرشح الرئاسي السابق رون بول، والد المرشح الحالي راند بول، معلنا “لا استطيع الادانة بما يكفي من الشدة التصعيد العسكري الاميركي غير الحكيم في الشرق الاوسط. ايا يكن من استنتج استحسان فكرة ارسال قوات عسكرية اميركية الى منطقة تشهد غارات من قبل القوات العسكرية الروسية ينبغي ان يعفى من واجباته.”

عضو الكونغرس السابق رون بول استمر في توجيه نقده اللاذع للسياسة الاميركية مضيفا “هذه الحرب لا تعنينا. نزعة التدخل الاميركية حصدت دمارا بما فيه الكفاية في العراق وسوريا، ناهيك عن ليبيا. آن الاوان للعودة الى الوطن ..”

تعديل الاستراتيجية ام الخطاب

ثمة تطور مثير جرى قبل محادثات فيينا في سياق تصريح المسؤولين الروس عن ضرورة مشاركة جميع الاطراف في الحدث، لم يحظ بالاهتمام المطلوب. الا وهو اعلان روسيا ابرام اتفاق مع الاردن لانشاء غرفة عمليات مشتركة لمكافحة الارهاب بينهما مقرها عمّان. موسكو لم تغفل سياسة الاردن كحليف ثابت وقوي للثلاثي “اميركا واسرائيل والسعودية.” القراءة الاولية تشير الى استشعار السلطات الاردنية خطر تمدد داعش، وهو المرابط على حدودها المشتركة مع العراق وسوريا، مما حفزها اتخاذ خطوة “براغماتية” لدرء الخطر الداهم.

في شهادة كارتر المذكورة اكد على ان الادارة الاميركية “لن تدخر جهدا لتوفير الدعم لشركاء باستطاعتهم شن هجمات ضد داعش، او القيام بتنفيذ تلك المهام مباشرة، سواء عبر الغارات الجوية او عمل مباشر على الارض.” الهدف المرئي في خطاب وزير الدفاع ان الأمر يخرج عن نطاق “محاربة” الارهاب ويرمي لانقاذ الجماعات المسلحة من هزيمة ماحقة.

في معرض توضيح البيت الابيض لقراره بايجاز تدخل القوات الخاصة، والذي اتخذ بالتشاور مسبقا مع قادة الكونغرس من الحزبين، قال الناطق الرسمي، جوش ايرنست، 30 اكتوبر، ان التدخل في “سورية يختلف قانونيا” عن التدخل الاميركي في العراق – عندما ارسالت قوة عسكرية اضافية مؤلفة من 3000 عنصر. واضاف “تهديد الأمن القومي (الاميركي) انبثق من سوريا .. وعانى منه العراق.” واستدرك بالقول “انطلاقا من حرص الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف الدولي على الأمن القومي للعراق اجيز العمل (العسكري) خاصة وان ما يتوفر من قرائن تشير الى ان الحكومة المركزية في سوريا اما انها غير قادرة او غير راغبة القيام بمعالجة الأمر على عاتقها.”

وفي سعيه لطمأنة هواجس الداخل الاميركي من الانخراط مباشرة في حرب طويلة، اوضح البيت الابيض ان وحدة القوات الخاصة “المتجهة الى سوريا ليس لديها تفويض بمهمة عسكرية .. بل افقها هو التدريب وتقديم الاستشارة والمساعدة” للقوى الحليفة. وزير الدفاع كارتر ايضا ذكر اعضاء الكونغرس بان ادارة الرئيس اوباما “على استعداد لمواصلة توفير مزيد من القدرات ودعم القوة النارية لمساعدة نجاح شركاءنا العراقيين.”

ووجه البيت الابيض رسالة اضافية للداخل الاميركي تنفي مسبقا “اي تغيير على الاستراتيجية الاميركية،” امام العهد الذي قطعه الرئيس اوباما لمواطنيه بأنه لن يرسل قوات برية تخوض القتال في سوريا. “قلنا بوضوح شديد انه كانت فعلا حالات شهدت انخراط قوات عسكرية (اميركية) على الارض داخل سوريا.” لكن تبريره لم يكن موفقا مما اضطره للقول “ما نقوم به (في سوريا) هو مواصلة العمل المكثف بعناصر استراتيجيتنا الواعدة والتي حققت بعض التقدم. ذلك بالطبع يعني تغيير. نقوم بتصعيدها.”

التغيير والتصعيد” في الاستراتيجية الاميركية يشمل مناطق اوسع في سوريا، بعيدا عن الحدود الشمالية مع تركيا، تتلخص في “ثلاثية: الغارات والرقة والرمادي” كما جاء في اقرار وزير الدفاع كارتر امام اعضاء مجلس الشيوخ. حيث قال ان الاستراتيجية الاميركية تضع نصب عينيها “مدينة الرقة معقل داعش في الشمال السوري وسنعزز جهود دعمنا للمجموعات التي تقاتل الجهاديين .. التصعيد سيشمل الحملة الجوية، ومن ضمنها انخراط طائرات مقاتلة اضافية اميركية واخرى تابعة للحلفاء.”

مما لا شك فيه ان الغارات الجوية الروسية والانجازات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري، في مدة زمنية قصيرة، شكلت عاملا ضاغطا بقوة على القرار السياسي الاميركي بالتصعيد العسكري، وفي الخلفية تمدد الغارات الروسية الى الاراضي العراقية كما تطالب به بعض القيادات العراقية.

تجدر الاشارة الى البعد العملياتي للغارات الجوية الروسية النشطة باستخدام نحو 40 مقاتلة مختلفة، بمعدل 40-80 طلعة جوية مسلحة يوميا، تعادل نصف القدرات الاميركية على شن غارات جوية، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار حجم طائرات سلاح الجو المنخرطة وتقلص عدد الغارات الاميركية وانخفاض معدل اهدافها في سورية.

خيارات تصعيدية اخرى

السؤال الجوهري داخل اروقة صناع القرار الاميركي هو ما المطلوب توفيره وتطبيقه لتعديل سير العمليات الحربية، بعيدا عن ديبلوماسية وزير الخارجية جون كيري الذي يكشف عكس ما تضمره الادارة بقوله في محادثات فيينا ان القوات الاميركية في سورية “لا تستهدف (الرئيس) الاسد، بل محاربة داعش.”

واشنطن في حيرة من امرها على الصعيد الاعلامي والشعبي، على الاقل، خاصة للانجاز الروسي الكبير ببضع مقاتلات، لا يتجاوز عددها 40 طائرة، ومساواته بحجم العمل الاميركي في العراق عبر “الصدمة والترويع،” الذي سخرت له بضعة آلاف من الطلعات الجوية المكثفة. ضمن أفاق تلك المعادلة البسيطة فان موسكو ربحت الحرب الاعلامية واضفت مزايا تفوق سلاحها الجوي على مثيله الاميركي، فضلا عن البعد المعنوي بأن روسيا حليف حقيقي يمكن الاعتماد عليه مقابل تردد وغموض رؤيا في واشنطن.

تستحضر واشنطن خيار “انشاء مناطق آمنة” في سوريا، استجابة لرغبة تركيا وضغوط داخلية لابرز خصومها السيناتور جون ماكين واقرانه المتشددين. وذهب ماكين ابعد من ذلك بمطالبته انخراط قوات عسكرية اميركية لانجاز المهمة، يرافقها تغطية وحماية جوية. تعقيدات الساحة السورية لا تبشر خيرا لدعاة “المناطق الآمنة،” بل تستبعدها اكثر فاكثر مع بقاء نشاط القوات العسكرية الروسية في الاجواء السورية برمتها.

الخيارات العملية المتبقية لواشنطن تتمحور حول محاكاة الغارات الروسية، وربما تكثيف الطلعات الجوية الاميركية دعما للاكراد في الشمال السوري، الأمر الذي تجسد مؤخرا في “تطهير” بلدة تل ابيض من داعش وسيطرة القوات الكردية عليها.

ينطوي على ذلك الاعداد لاحتمال التدخل عسكريا لانقاذ طواقم طيارين اميركيين اسقطت طائراتهم بفعل ما في اراضي سورية. البيت الابيض اوضح مجددا توفر خطة طواريء بهذا الشأن اعدتها وزارة الدفاع “للبحث عن وانقاذ طيارين عسكريين اميركيين .. في اطار خوض عمليات عسكرية ضد الدولة الاسلامية” وما تستدعيه من توفير حماية جوية للقوات الارضية.

دعا قادة عسكريون اميركيون سابقون، ابرزهم رئيس هيئة الاركان السابق مارتن ديمبسي، بان الانخراط الفعال يستدعي تدخل مباشر طويل الأجل في سوريا والعراق “يمتد لعقود ثلاثة من الزمن؛” بعضهم طالب بقوة عسكرية يتراوح تعدادها ما بين عشرة آلاف الى ثلاثين ألف عسكري. صانع القرار السياسي استند الى رؤية البنتاغون لاعداد الشعب الاميركي لمعركة طويلة “تتخذ انماطا متعددة،” منها المشاركة المباشرة والفعلية باعمال حربية. البعد الآخر في الحرب الاميركية الطويلة يتعلق بطمأنة حلفاء واشنطن الاقليميين إلى التزامها باستراتيجية الحفاظ على عروشهم والحيلولة دون جهود الاطاحة بهم، وفي نفس الوقت عقد تحالفات تتطلبها المصالح الاميركية وقد تتعارض مع مصالح الحلفاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى