تفاهم فيينا ينتشل المفاوضات النووية: لا اتفاق.. ولا فشل…محمد بلوط
نيات حسنة كثيرة، وإشادات أميركية إيرانية متبادلة لإشاعة التفاؤل وتخفيف الخسائر الديبلوماسية للطرفين. لكن لا اتفاق نهائيا في فيينا يطلق عملية رفع العقوبات عن إيران .
التمديد سبعة أشهر جديدة حتى تموز المقبل، للاتفاق المرحلي هو أبعد ما وصلت إليه قوة الدفع الإيرانية الأميركية، التي تجلت بالإصرار على تجاوز التمديد والذهاب من فيينا إلى طهران وواشنطن، ولكنها أخفقت في التوصل إلى اتفاق ناجز «برغم التقدم الجوهري» الذي قال وزير الخارجية جون كيري إنه قد تحقق في فيينا.
وتجلى ذلك في اجتماعات لستة أيام متتالية، تحولت إلى ثنائية في لحظات حرجة، للوزيرين محمد جواد ظريف وجون كيري، ليخرج الجميع بتفاهم نهائي، ينبغي له أن يذهب أبعد من مجرد تسوية ثنائية على الملف النووي، كما عكستها التصريحات المتقاطعة للرئيس الإيراني حسن روحاني، وكيري، وأن يحمل في ركابه صيغة تسويات إقليمية منتظرة لأزمات لبنان وسوريا والعراق، وضعت كلها على الرف، في انتظار الصيف والجولات المقبلة من المفاوضات.
وجلي أن نقاط الخلاف التي تدور حولها المفاوضات، دون الوصول إلى اتفاق، بقيت هي نفسها من مسقط حتى فيينا، إذ يفهم الإيرانيون الاتفاق أنه رفع للعقوبات الأممية والأميركية والأوروبية بشكل متزامن مع التوقيع على الاتفاق النهائي، وإلغاء قرارات العقوبات الدولية السبعة التي صدرت عن مجلس الأمن، ودونما الخضوع إلى مهل للتأكد من تنفيذه على ما يشترط الغربيون، باستثناء المهل الإجرائية.
وركز المفاوض الإيراني على إلغاء القرار 1929 الصادر في حزيران 2010، وهو الموجة الأخيرة من عقوبات مجلس الأمن بحق إيران، إذ يطال القرار مجمل أوجه العقوبات التي فرضت على إيران نفطيا وتسلحيا وصاروخيا ونوويا ونقلا بحريا، مرفدا بالفصل السابع، ويشكل إلغاؤه مدخلا لإلغاء مفاعيل القرارات الأخرى لأنه يشكل استعادة لها، كما أنه يسمح لإيران بعودة سريعة إلى سوق النفط وبيع كميات كبيرة من تركيا والهند والصين.
ويقول مسؤول إيراني إن المشكلة التي برزت في المفاوضات أيضا، هي طبيعة المفاوض الأميركي. وقال إن كيري خلال المفاوضات عجز عن تقديم ضمانات برفع العقوبات الأميركية، وأبلغ ظريف أنه لا يضمن أن يمتثل الكونغرس لرفع العقوبات، بيد أنه يضمن ما فُرض منها بأمر رئاسي فقط.
وشكلت مسألة تخصيب اليورانيوم، حجمًا ونسبة وكيفيات وبأي طاردات، عقبة في المفاوضات التي عمل الغربيون فيها على تقييد البرنامج النووي الإيراني لسنوات.
فبرغم موافقة طهران على نسبة تخصيب لا تتجاوز الخمسة في المئة، وهو ما وافق عليه الأميركيون، فقد طالبوا باقتصار التخصيب على طراز «بدائي» من آلات التخصيب، والتعهد بعدم تطوير أجيال جديدة منها، وسحب الطاردات «آي آر» اثنان وثلاثة من الخدمة، وفصل مجموعاتها التسلسلية بعضها عن بعض لإبطاء البرنامج النووي، وإبلاغ وكالة الطاقة الدولية مسبقا عن أي تصنيع لطراز جديد.
وسيكون تطورًا بارزًا، إذا ما صحت التسريبات التي تحدثت عن مهاتفة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس روحاني، وطمأنته إلى «أن روسيا لن تسمح بالمماطلة وبإطالة المفاوضات إلى ما لا نهاية، وأن بلاده مستعدة لرفع العقوبات تدريجيا ومن جانب واحد عن إيران».
التقط الروس تأجيل الاتفاق النهائي للحديث عن شراكة استراتيجية، كما قال بوتين، لأنه يبعد شبح إعادة تموضع طهران للتقارب مع واشنطن، في ذروة الاشتباك في أوكرانيا، وشن حرب خفض أسعار النفط عبر السعودية على موسكو. فضلًا عن أن عودة سريعة لطهران إلى أسواق النفط ستفاقم، بارتفاع العرض، أزمة الأسعار.
يحكم الاتفاق المرحلي البرنامج النووي الإيراني حتى الصيف المقبل، ويمنح التأجيل الإيرانيين تحرير 700 مليون دولار شهرياً من أرصدتهم المجمدة في المصارف الغربية، أي ما يقترب من خمسة مليارات دولار في منتهى المرحلة المقبلة.
وبموجب الاتفاق، يعود المفاوضون إلى العمل مجددا خلال الشهر المقبل، في لقاءات تعقد إما في فيينا أو في مسقط. وينبغي أن يشهد شهر آذار، على ما قاله الوزير كيري، اتفاقًا سياسيًّا مع الإيرانيين، «يمهد للاتفاق النهائي خلال سبعة أشهر».
ومع ذلك، كان لافتًا أن يعمد الإيرانيون والأميركيون، وبإيقاع واحد برغم خيبات الأمل، إلى تبادل التشجيع للاستمرار في المفاوضات، وحتى التعبير عن العرفان بالجميل للجهود المبذولة، للتعويض عن «الفشل التقني» بإنجاز ديبلوماسي لمجرد انعقاد المفاوضات. وهكذا أشاد كيري بنظيره ظريف الذي لم يتوقف عن العمل.
ودافع كيري عن قرار تمديد المفاوضات، مرحبًا بـ»التقدم الحقيقي والمهم الذي تم إحرازه بعد أسبوع من المداولات» في العاصمة النمساوية.
وحض المجتمع الدولي والكونغرس الأميركي على دعم تمديد المفاوضات، محذرًا في الوقت نفسه من أن «هذه المحادثات لن تكون أكثر سهولة بمجرد أننا نمددها. إنها شاقة وستبقى شاقة».
وقال كيري إن إيران ومجموعة الـ»5+1» ستتفاهم «بحلول أربعة أشهر»، أي في آذار المقبل، على «النقاط الرئيسة» لاتفاق مستقبلي.
من جهته، أشار ظريف، خلال مؤتمر صحافي، إلى أنه «كانت هناك عشر مراحل من الجلسات والاجتماعات المتعددة بشأن ملف إيران النووي وكانت هناك أفكار طرحت»، لافتًا إلى «أننا نحتاج إلى عمل إضافي وكنا نفضل أن ننتهي في فيينا».
ولفت ظريف إلى «أننا واثقون من وجود طريق للوصول إلى اتفاق»، مشيرًا إلى أن «إيران ومجموعة 1+5 مرة أخرى تؤكد أنها ملتزمة ببرنامج العمل المشترك وسوف تنفذ بالوقت المناسب».
وإذ قال إن «السعي الآن هو للوصول إلى تفاهم سياسي في أقرب فرصة ممكنة»، أكد وزير الخارجية الإيراني أن «أهم نتيجة وصلنا إليها هي أن البرنامج النووي سوف يستمر في صورة كاملة وشاملة».
وأضاف أن «مشروع إخافة العالم من إيران قد فشل وضعف»، معتبرًا أن «الشعب الإيراني قاوم كل الضغوط من أجل الحصول على حقوقه».
وبرز تقليل الرئيس الإيراني من فشل المفاوضات وانطواء أيام فيينا الستة على «إتاحتها تسوية غالبية الخلافات، والثقة بأنها ستؤدي إلى اتفاق نهائي، وأن الخلاف مع الآخر، هو في كيفية تحويل التفاهمات إلى اتفاق مكتوب وشامل».
وأوضح روحاني أنه «كان لدينا هدفان مهمان: عدم التخلي عن برنامجنا النووي والعمل على رفع العقوبات»، مضيفًا أنه «طيلة هذا الوقت، استمرت أجهزة الطرد المركزي في العمل، ووعد الأمة الإيرانية بأنها لن تتوقف عن العمل».
ويعكس كلام الرئيس الإيراني إلى حد ما، ولادة تقارب أميركي إيراني في غمرة المفاوضات، راهن الطرفان عليه للتقدم نحو حل المشاكل الإقليمية، ولكنه اصطدم في فيينا بممانعة فرنسية وضغوط سعودية، على ما تقوله مصادر إيرانية، حمّلت الفرنسيين جزءاً من مسؤولية عرقلة الاتفاق.
وعاد الفرنسيون إلى لعب دور معرقل في المفاوضات، بطلب من السعوديين الذين حصلوا على حق الاطلاع على ما يجري في قاعات المفاوضات، وتعديل مواقفهم على ضوء ما يجري. ولعب اشتراط الفرنسيين توقيع إيران الملحق الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي قبل الولوج إلى أي اتفاق معهم، دورا حاسما في إحباط فيينا.
وطبعا، يعلم الفرنسيون مسبقًا أنه يكفي طرح مثل هذا الشرط لإفشال المفاوضات، وهو ما قدمه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس «بالأفكار الجديدة التي تجري مناقشتها».
ويعني الملحق الإضافي، استباحة حقيقية ليس فقط للمنشآت النووية الإيرانية، وإنما لأي بقعة أو منشأة يختار مفتشو الطاقة الدولية دخولها متى شاؤوا وبشكل مفاجئ، ومن دون إبلاغ الإيرانيين مسبقا بالزيارة، بحجة الشفافية.
وتطمح وكالة الطاقة إلى تفتيش مواقع عسكرية واستراتيجية، تقول طهران أن لا علاقة لها بالبرنامج النووي. كما تشترط طهران، التي واقفت في العام 2004 على الملحق الإضافي، من دون أن يصوت مجلس الشورى على القرار، لإجازته نهائياً أن تقبل به، ولكن بعد رفع العقوبات كاملة وليس قبلها، والاتفاق على بقية النقاط، وهي ورقة يحتفظ بها الإيرانيون حتى النهاية، لمنع استباحة منشآتهم قبل التوصل إلى اتفاق واضخ يضمن مصالحهم، وعدم التضحية بورقة تفاوضية مقابل لا شيء، وهو هدف المناورة الفرنسية.
ويبدو الفشل مضاعفًا، لأن وجود اتفاق مرحلي موقع منذ عام بين إيران والستة في جنيف يتضمن نقاط الخلاف كافة وطرائق حلها، لم يكن كافيًا لاستنباط اتفاق دائم، بحسب ما تقتضيه معادلات التفاوض، خصوصًا أنها لم تنطلق من نقطة الصفر الديبلوماسية، بل إنها كانت مسلحة، إذا ما صدقنا الإشادات، بنيات الطرفين الحسنة.
(السفير)