«فيينا السوري» يحدد مسار الحل: دستور جديد.. ثم انتخابات وسيم ابراهيم
لم تحد نتائج اجتماع فيينا عن مدار المؤشرات التي أوردتها «السفير» في تغطيتها أمس: إدارة الأزمة السورية إلى مجرى جديد للحل السياسي يبدأ من وضع دستور جديد والذهاب به إلى الانتخابات.
كل ذلك صار مثبّتا الآن في بيان رسمي، تبناه 17 طرفاً حضروا حول طاولة المؤتمر. الخرق الديبلوماسي تحقق بجمع إيران والسعودية، كما أنه مفتوح على الاتساع مع قرار العودة إلى العاصمة النمساوية بعد أسبوعين.
الخلافات الأساسية تم الاتفاق على أن تبقى معلّقة، لأنها ستشكل الآن خثرة «ستجلط» أي عملية سياسية تقرر الوقوف أمامها منذ البداية. في قلب هذه الخلافات بقي مصير الرئيس السوري بشار الأسد، بعدما أصرّت روسيا وإيران على أن الشعب السوري يقرره، فيما النواة الصلبة للخصوم تريد أن يتم إعلان متى ينتهي دوره صراحة في العملية الانتقالية.
هذه العودة ستكون تكريساً للمسار الجديد. سماه وزير الخارجية الأميركي جون كيري «بداية لعملية سياسية جديدة». المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا رأى أن المناسبة «التاريخية للاجتماع» تستحق إطلاق تسمية جديدة، مولود جديد، معطياً مجموعة فيينا عنوان «مجموعة الاتصال الخاصة للسلام في سوريا».
أياً كانت التسمية، الواضح أن أهم نقاط البيان الختامي المشترك لم تأتِ نتيجة التئام ممثلي 16 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي. الخلافات جعلت مداولاته تطول لأكثر من سبع ساعات، لكن ذلك لم يغيّر واقع أنه، على أهميته، جاء بمثابة «حفل بريستيجي». دُعي إليه الكثيرون، لكن النتيجة التي خرج بها كانت ناضجة سلفاً. قضية الانتخابات يرددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أسابيع. أكثر من ذلك، النقطتان الجوهريتان أوردتهما «السفير» في تغطيتها أمس، حسب ما عرضتهما وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، حتى قبل انعقاد اللقاء. الأهم في خلاصات فيينا تجاوز عقبة عدم التوافق حول «جنيف 1»، الذي رفضت إيران المصادقة عليه معتبرة أنه يتضمن «نقاطاً إشكالية». مصدر ديبلوماسي تابع الاجتماع قال لـ «السفير» إن هذا التحوّل «منطقي»، مبرراً ذلك بأن «إيران لم تكن بين الدول التي شملها مسار جنيف، كما لم يجرِ التفاوض معها بشأنه».
على هذا الأساس، لم يرد بيان جنيف على أنه المرجعية التي يدور حولها الانتقال السياسي. ورد عرضياً، في البيان الختامي، ليذوب في نسخة جديدة تحمل مصادقة السعودية وإيران الآن. هكذا طلبت «مجموعة فيينا» من الأمم المتحدة، عبر ممثلها دي ميستورا، دعوة السوريين إلى مفاوضات شاملة، بين ممثلي النظام والمعارضة، من أجل التوافق حول «دستور جديد وانتخابات».
التناقض واضح. هذه العملية تجعل آخر خطوة وضعها جنيف للانتقال السياسي، تصير أول خطوة بالنسبة لمسار فيينا. لم يعد هناك حديث عن «هيئة حكم انتقالية» يجب بدء الانتقال بتشكيلها، ثم نقل الصلاحيات «التنفيذية». العملية الجديدة تقترح أفقاً مختلفاً. البداية من وضع دستور جديد، يعني العمل على تحديد شكل الدولة السورية ونظام الحكم فيها، الأمر الذي يعني ضمناً طريقة تقاسم السلطة وتوازناتها.
هذه الأولية «الدستورية» يمكن أن تشير إلى الأفكار التي كشفها دي ميستورا سابقاً، حينما تحدث عن نموذج الحكم اللبناني، المحاصصة الطائفية، بوصفه «النموذج الأمثل» للحل السوري. ربطاً بذلك أيضاً، سيعني الدستور تحديداً لطبيعة الحكم، ونسب توزع السلطات بين البرلمان والوزراء والرئاسة. إنهاء كل هذه القضايا متاحة للتفاوض، لتجتمع في إطارها الخلافات وتوازنات قوى المتحاربين واللاعبين خلفهم، لتؤدي في النهاية إلى الانتخابات.
دي ميستورا أكد، لـ «السفير»، أنه سيبدأ التحضيرات فوراً للاجتماع بالنظام والمعارضة. بعد انتهاء المؤتمر الصحافي إلى جانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، قال لنا «سأجتمع مع المعارضة ومع النظام للتأكد من أنهم يشعرون بقوة بأنها طريقة بناءة للمضي قدما». شدد على أن الاجتماع يشكل فاتحة مرحلة جديدة، لخص ديناميكيتها، معتبراً أن «المجتمع الدولي يعمل على أن يكون لديه خط واحد، لكن القرار الأخير يعود للشعب السوري».
«فيينا السوري» عُقد بمبادرة أميركية. دعت واشنطن إليه بعجالة، لا يمكن فصلها عن زيارة الرئيس السوري المفاجئة إلى موسكو، ومثلها زيارة وزير الخارجية العماني إلى دمشق. كيري أكد بقاء الخلافات حول دور الأسد لكن «الوضع الآن واعد أكثر مما كان في الماضي». هذا التسارع سيستمر مع عودة «مجموعة فيينا» للاجتماع، في غضون أسبوعين.
لكن هذا التسارع لا يعني قطع مسافات كبيرة. مسؤول رفيع المستوى، جلس في الصف الأول في الاجتماع، أكد لـ «السفير» أن «الخلافات كانت كبيرة»، معتبراً أنه «حتى نقاط الاتفاق التي أعلن عنها هي إطار يجمع داخله مواقف مختلفة». المسؤول كشف أن الاجتماع شهد طرح مشاريع للمرحلة الانتقالية، منها «أن يعطى لوضع الدستور فترة ستة أشهر، وأن يعطى أمام إجراء الانتخابات فترة سنة ونصف السنة». لكن كانت هناك معارضة كبيرة، من إيران على وجه الخصوص، لتبني أي مهلة زمنية.
جو هذه الخلافات أكده أيضا وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري. قال، خلال مقابلة مع «السفير» متحدثاً عن الخلافات الأساسية، «لا شيء يحدث بزر كهربائي، حتماً يحتاج الأمر إلى جهد، نحن أمام أزمة سياسية متراكمة امتدت لما يتجاوز الخمس سنوات»، قبل أن يضيف «حتماً لا أقول إن زمن العلاج يساوي زمن المشكلة، لكن بالتأكيد هناك تناسب بين الزمنين».
رغم هذه الواقعية المتريثة، لكن الجعفري شدد على أن اجتماع فيينا أنتج «مقاربة إيجابية وجيدة». واصفاً الأفق أمام هذه المقاربة، اعتبر أن «المرحلة المقبلة هي للحل السياسي، والحل السياسي وحده، لأن السنوات الخمس الماضية أثبتت أن الشعب السوري عاش معاناة متواصلة»، قبل أن يضيف «المهم أن تقف الإرادة الدولية والإقليمية خلف الشعب السوري من أجل ولادة جديدة تطوي صفحة الاحتراب».
لكن الخلافات حول الأسد بقيت مقيمة داخل المداولات، لم تتحرك. كيري قال «اتفقنا على ألا نتفق» حول هذا الموضوع مع إيران وروسيا. مع ذلك، بدا أن لديه مرونة كافية للتعامل مع تلك العقبة: «نحن نعتقد أن السوريين يستحقون خياراً آخر (بين الأسد والمنظمات الإرهابية)، وهدفنا هو العمل مع السوريين من العديد من الفصائل لتطوير هذا الخيار، ولكننا لا يمكن أن نسمح بأن يقف هذا الخلاف في الطريق أمام إمكانية أن (تعمل) الديبلوماسية لإنهاء القتل».
باريس قالت إن الانتقال السياسي لا يمكن أن يقفز عن دور الأسد. وزيره خارجيتها لوران فابيوس شدد على أن الرئيس السوري يجب أن يغادر «في لحظة أو في أخرى» من العملية الانتقالية.
حين سألت «السفير» وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو عن هذه القضية، قال إنه «لا تزال هناك خلافات قائمة حول دور الأسد خلال العملية الانتقالية، إن كان سيلعب دوراً أم لا. بالطبع الغالبية من المشاركين لا تريد دوراً للأسد خلال الانتقال، إذا كان سيحل السلام فالأسد لن يكون هناك».
من جانبه، شدد لافروف على وجود قاسم مشترك يمكن معه محاولات جسر أية خلافات. أكد أن «لدينا عدواً مشتركاً، ويجب أن نضمن أن هذا العدو لا يأتي إلى السلطة في سوريا أو في أي بلد آخر»، مضيفاً «الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد»، معرباً عن أمله بالمزيد من التسويات لإنهاء الحرب السورية.
مجموعة فيينا أعلنت أيضا ضرورة العمل بالتوازي على تحقيق وقف لإطلاق النار، يجب ألا يشمل المنظمات الإرهابية. لهذا السبب، قال لافروف إنه يجب العمل مع الأمم المتحدة لإدراج منظمات إرهابية لم تدرجها بعد على لائحتها السوداء. المجتمعون شددوا على أهمية ضمان وحدة سوريا واستقلالها، الحفاظ على مؤسسات الدولة، ضمان حقوق السوريين، كما طالبوا بتوفير وصول للمساعدات الإنسانية وتكثيف العمل على محاربة «داعش» و «غيره من المنظمات الإرهابية».
العمل على جمع المعارضة والنظام بدأ مسبقاً، على ما يبدو. هذا ما أكده لـ «السفير» نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، معيداً التأكيد أن موسكو قدمت نحو 40 اسماً لمعارضين سوريين يمكنهم الانضمام للمفاوضات حين تحين لحظتها. عما يفعلون الآن بهذا الخصوص، قال «نحن نقوم بدراسة اللائحة»، مع واشنطن وحلفائها، معتبرا أن ذلك يبقى «اقتراحات لمرشحين» محتملين للجلوس حول الطاولة مقابل وفد النظام السوري.
(السفير)