ماذا بعد اعتراف تركيا بالاعتداء على أكراد سورية؟ حميدي العبدالله
اعترف رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو أنّ القوات التركية اعتدت على وحدات الحماية الشعبية الكردية في سورية مرتين عبر قصف مواقعها. وعلى الرغم من أنّ هذا الاعتراف لا يمكن أن يوضع إلا في سياق تقديم الدعم لتنظيم «داعش»، لأنّ وحدات الحماية الكردية تخوض قتالاً حصرياً مع هذا التنظيم الإرهابي، إلا أنّ لهذا الاعتراف دلالات ومترتبات أخرى.
دلالات هذا الاعتراف، أنّ تركيا على عكس حلفائها في الناتو تنظر إلى وحدات الحماية ليس كقوة حليفة، بل كقوة معادية، وعداء أنقرة لأكراد سورية ليس فقط لأنهم امتداد سياسي للقوى الفاعلة في صفوف أكراد تركيا، بل لأنّ أكراد سورية يشكلون سداً في وجه أطماع تركيا في الأراضي السورية، كما أنّ من دلالات هذا الموقف الصريح الذي أعلنه داوود أوغلو، الاعتراض على الاستراتيجية الأميركية القائمة على اعتماد وحدات الحماية كقوة برية لمواجهة تنظيم «داعش» وسعيه للقضاء على كلّ التشكيلات المسلحة العاملة في سورية المرتبطة بالغرب. ومن شأن هذا الموقف أن يعقّد الاستراتيجية الأميركية ويدخلها في مرحلة جديدة من التخبّط، وقد بدأت ملامح هذه المرحلة بالظهور عبر وقف الهجوم الذي كانت قد بدأته وحدات الحماية للسيطرة على جرابلس ومواقع أخرى تقع غرب نهر الفرات خاضعة لسيطرة «داعش».
أما ما يترتب على هذا الاعتراف فهو موجه إلى طرفين، الأول الولايات المتحدة، حول كيفية حلّ هذه المعضلة، لأنّ واشنطن تواجه على هذا الصعيد معضلة يبدو أنه يصعب تسويتها، لأنها إذا انحازت إلى جانب أكراد سورية سوف تخسر تركيا، سواء تركيا حزب العدالة والتنمية في السلطة، أو آلت هذه السلطة بعد انتخابات 1 تشرين الثاني إلى سلطة أخرى، وإذا انحازت إلى جانب الأتراك فإنها سوف تخسر تعاون أكراد سورية الذين لديهم الآن بدائل متمثلة بالدولة السورية وبروسيا التي باتت جزءاً لا يتجزأ من المعركة الدائرة الآن.
أما بالنسبة لأكراد سورية، فإنّ عليهم أن يختاروا بين الاستمرار في التحالف مع الولايات المتحدة المرتبكة وغير القادرة على الفعل لمراعاة تركيا، حتى وإنْ كان ذلك على حساب الأكراد، وبالتالي خسارة المعركة في مواجهة «داعش» والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية الأخرى التي تشهر عداءها للأكراد، أو الوقوف إلى جانب سورية وروسيا وتحمّل تبعات موقفهم على هذا الصعيد في مواجهة غضب الولايات المتحدة، واحتمال إعطائها ضوءاً أخضر لتركيا لضرب أكراد سورية وإضعافهم.
لا يبدو أنّ تجاهل هذا الواقع المعقّد يشكل سياسة عملية بالنسبة للأكراد. يمكن لتجاهل هذا الواقع كسب بعض الوقت لكنه لا يفيد في ظلّ معركة مصيرية بالنسبة لجميع الأطراف المنخرطة في الحرب على سورية.
(البناء)