استقالة هاغل… وجهة تغيير السياسات إلى أين؟: عامر نعيم الياس
استقال وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، وكما كان تعيينه صاخباً استناداً إلى حجم الاعتراض الذي صاحبه، فإن استقالة العضو الجمهوري الوحيد في فريق الرئيس الأميركي الحكومي، أثار ضجةً مماثلة، وسط إجماع على أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييراً في سياسة أوباما الخارجية، فأي سياق يحكم هذا التغيير؟ وما هي وجهته، هل نحن أمام تصعيد جديد، أو إعادة تكيّف مع المستجدات على الأرض؟
مراسل صحيفة «لوموند» الفرنسية في واشنطن بدأ تقريره عن استقالة هاغل بالقول: «العراق أتى به، والعراق أطاح به»، اختصار للمشكلة ربما يناسب من يريد تأطير الملف في سياق مشاكل الشرق الأوسط من دون غيرها، لكن متابع السياسة الأميركية يرى أن الأمر يتجاوز ما سبق إلى وضعية النهج السياسي العام للرئيس باراك أوباما وإدارته على الصعيد الدولي، فالاستقالة غير مفاجئة وسبقها قبل ثمانية أسابيع من الآن مذكرة رفعها هاغل إلى البيت الأبيض عبّر فيها، بحسب «لوفيغارو» الفرنسية عن «عدم رضاه على طريقة إدارة البيت الأبيض وزارة الدفاع وتحويلها إلى ذراع تنفيذية لقراراته، واضعاً استقالته على طاولة الرئيس». وبحسب أحد المصادر العسكرية الأميركية، فإن «هناك خلافات في شأن مجمل الاستراتيجية الدفاعية الأميركية، وإعادة هيكلة القوات المسلّحة، وملفّ الموازنة العسكرية، واستراتيجية مواجهة تنظيم داعش، فضلاً عن الخلاف المستحكم بين العسكريين من جهة، وإدارة الرئيس أوباما من جهة أخرى حول إدارة عددٍ من الجبهات، كتعيين الجنرال جون آلن منسقاً للحرب التي تخوضها الإدارة ضدّ داعش، وهو ما قوبل باستنكار بعض الجنرلات في البنتاغون».
سورية هي الأخرى كانت في قائمة هموم وزير الدفاع المستقيل والذي طالب الرئيس أوباما «بتحديد موقفه من سورية ونظامها» مشدّداً أنه «لا تغيير ولا توجه مختلفاً في استراتيجية محاربة داعش» وأن «أهدافنا العسكرية في سورية في المدى القريب محصورة في عزل تنظيم داعش وتدمير ملاذاته الآمنة». متسائلاً أمام لجنة القوات المسلّحة في الكونغرس: «بمن سنستبدل الأسد وأي جيش سيواجه داعش؟».
هنا، وعند هذه النقطة، يظهر نزوع وزير الدفاع إلى التعاطي بشكل يتوافق مع الرئيس أوباما في سورية تحديداً، لكن مع مراعاة فارق جوهري وهو تحديد استراتيجية أكثر تماسكاً لمقاربة ملفات المنطقة. ففي سورية تبرز الحاجة إلى اتخاذ موقف من الأسد والإجابة عن هذا التساؤل الكبير. وفي العراق لا تبدو الأمور جيدة في ضوء الحاجة إلى إرسال قوّات برّية إلى الأرض وذلك وفقاً لتصريحات عدّة صادرة عن وزير الدفاع هاغل وعدد من مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية. وهو ما كان على الدوام يستلزم توضيحات من البيت الأبيض. وعليه نحن هنا وفي إطار تحديد سياق الاستقالة، نجد أنفسنا في مواجهة أزمة قيادة وأزمة خيارات تواجه أوباما من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، مروراً بآسيا والمحيط الهادئ. أزمة فرضها هذا الانتقال من نهج الانكفاء والانسحاب، إلى نهج العودة إلى الأرض في العراق والتمديد في أفغانستان في تراجع واضح عن حدثٍ لطالما ركّز عليه أوباما في سياق الترويج لأسلوب قيادته الجديدة للولايات المتحدة، والذي يبدو أنه ذهب أدراج الرياح، وما التمديد لبقاء القوات العسكرية الأميركية في أفغانستان سنة أخرى، إلّا دليلاً على «رضوخ أوباما لرغبة جنرالاته الذين لا يريدون تكرار مشهد الانسحاب المتسرّع من العراق» بحسب محطة «سي إن إن» الأميركية. انسحاب هو الآخر طواه الزمن مع عودة أميركية إلى العراق وسورية تحت ستارة محاربة «داعش».
الواضح أن استقالة هاغل جاءت لترسم مرحلةً جديدة من الارتباك الأميركي في قيادة المنطقة، لا مرحلة معلومة الاتجاه، فتحديد الخيارات وفقاً للمعطيات على الأرض أمر لا يريد أوباما الإجابة عنه الآن، حتى أنه لا يريد أن يُسأل عنه كما فعل هاغل المُقال في مذكرته قبل ثمانية أسابيع، فالرئيس الأميركي لا يريد اتخاذ موقف من الأسد ويرفض تطوير الاستراتيجية العسكرية في العراق وسورية وإرسال قوات برية أميركية على الأرض. هو لا يريد نهجاً متماسكاً واضح المعالم والأهداف، يريد فقط الاكتفاء بالضربات الجوّية ودعم بعض المجموعات على أسس طائفية تمهد في المرحلة الأولى لبقاء الفوضى، وفي المرحلة الثانية لمحاولة فرض تقسيم الأمر الواقع في مسرح العمليات الأميركي في منطقة الشرق الأوسط.
كاتب سوري
(البناء)