الحراك الدولي حول سورية حميدي العبدالله
تكثفت اللقاءات الدولية بمشاركة أطراف دولية فاعلة للبحث عن حلّ للأزمة القائمة في سورية. فبعد لقاء فيينا الرباعي الذي جمع وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا، عقد لقاء آخر على عشاء فرنسي في باريس بدعوة من وزير خارجية فرنسا، وسيعقد لقاء جديد اليوم الخميس تشارك فيه إيران والسعودية ولبنان ومصر والأردن وتركيا، إضافة إلى وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة.
عنوانان يحملان دلالات لهذه اللقاءات. موسكو وضعت هذه اللقاءات تحت عنوان «الحلّ السياسي» للأزمة في سورية، الولايات المتحدة وضعت هذه اللقاءات تحت عنوان «الانتقال السياسي» في سورية، وكأنّ جدول هذه اللقاءات حسب واشنطن بات محسوماً، وهو تخطى مسألة حق الشعب السوري في تقرير مصيره، وبات نقل السلطة هو المسألة الوحيدة المطروحة على جدول أعمال اللقاءات، وغابت قضية محاربة الإرهاب غياباً كاملاً.
العنوانان أوضحا مستوى الخلاف وجذريّته، وإذا لم تكن الولايات المتحدة تقصد بالحديث عن «الانتقال السياسي» تسهيل تراجع حلفائها عن سقوفهم العالية، وإذا ما أصرّت على أنّ المسألة الأساسية التي تتصدّر جدول أعمال اللقاءات هو البحث في كيفية انتقال السلطة في سورية، فيمكن القول إنّ مصير هذه اللقاءات لن يختلف على الإطلاق عن مصير اللقاءات والمبادرات والتفاهمات السابقة، بدءاً من تفاهمات جنيف 1 عام 2012، وانتهاءً بجنيف 2 عام 2014، لأنه لو كانت الدولة السورية، وحلفاء الدولة السورية، وتحديداً إيران وروسيا، لديهم الاستعداد لنقل السلطة إلى المجهول المعلوم، وهو التنظيمات الإرهابية التي تسيطر وحدها ميدانياً في سورية، لما كانت ثمة حاجة لهدر كلّ هذه الدماء، ولما كانت ثمة حاجة لدعم إيران وتدخل عسكري روسي في مواجهة الإرهاب.
في ضوء هذه الحقيقة يمكن الاستنتاج أنّ اللقاءات والاتصالات التي تجري على أكثر من صعيد إما أنها الخطوة الأولى على طريق التفاوض الجدي الذي سترسم أفقه ومعالمه نتائج المعارك التي تخاض في الميدان، حيث يسعى كلّ طرف إلى الإمساك بأوراق تجعل كلمته العليا في المفاوضات السياسية، سورية وحلفاؤها يسعون إلى استعادة المزيد من الأراضي من سيطرة الإرهابيين وخلق واقع ميداني جديد، والولايات المتحدة وشركاؤها يسعون إلى توحيد صفوف الإرهابيين، وزيادة الدعم المقدّم لهم، كما يتضح من خلال الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي والملك السعودي، وسعيهم إلى صدّ هجوم الجيش، على الأقلّ، إذا تعذر تحقيق المزيد من المكاسب الميدانية.
والأزمة السورية، شأنها شأن أيّ أزمة إقليمية دولية تتداخل وتتقاطع فيها مصالح أطراف كثيرة لا يمكن إيجاد نهاية لها من خلال مسار واحد، سواء المسار العسكري، أو المسار السياسي، وفي هذا السياق تأتي هذه اللقاءات الدولية والإقليمية.
(البناء)