ماذا أرادت أميركا من الاعتراف بتقدّم سورية في الميدان؟ العميد د. أمين محمد حطيط
لم يكن مريحاً لمكوّنات منظومة العدوان على سورية والمنطقة، أن تسمع التصريح الذي أطلقه رئيس الأركان الأميركي حول الوضع العسكري للمواجهات في سورية، والقول بأنه بات راجحاً لمصلحة الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، لا بل قد يكون التصريح شكّل صدمة لهم ودّوا لو لم يسمعها أحد منهم أو يراها، خاصة تركيا والسعودية.
وبعد الإعلان هذا جاءت الفضيحة التي كشفها الناطق العسكري السوري بإعلانه عن طائرات تركية وسعودية وإماراتية نقلت في الأسبوع الفائت 500 عنصر من إرهابيّي «داعش» المفسدين في سورية، نقلهم إلى اليمن ليساهموا مع مرتزقة آخرين جيء بهم من السودان وكولومبيا لاستعادة السيطرة على عدن التي طُردت منها للمرة الثانية الحكومة ـــ الدمية اليمنية التابعة للرئيس الفارّ منها عبد ربه منصور هادي المسيّر سعودياً.
هذان الأمران بالإضافة إلى عناصر أخرى تسارَعَ وقوعُها على مسرح المواجهة بين سورية ومحورها وحلفائها من جهة، وبين منظومة العدوان بكل مكوناتها من جهة أخرى، كلّ هذه الأمور تقود إلى التساؤل حول حقيقة المشهد بالعين الأميركية وموجبات التعامل معه من قبلهم، وعما إذا كان في السلوكيات الأميركية تناقضٌ أم تكاملٌ والى أين تقود؟
هنا لا بدّ من القول أولاً بأن اعتراف الأميركيين بحقيقة تقدّم القوات العربية السورية في الميدان، رغم أنه يشكل حقيقة قائمة بذاتها سواء اعترف الخصم بها أم لم يعترف، يعتبر مهماً بذاته لأنّ وصول الخصم إلى حد الاعتراف بهذه الحقيقة يعني أحد أمرين:
1 ــــ إما أنه يوطّئ للقيام بعمل عسكري نوعي لم يسبق أن قام به في الميدان وبات على استعداد الآن للإقدام عليه، ويكون قد جاء بهذا التصريح لتبرير هذا العمل، ويكون التصريح ـــ الإعلان نوعاً من الضغط على السلطة المختصة للاستجابة للمتطلبات العسكرية التي تدفع لذلك.
2 ــــ أو أنه يكون نوعاً من التمهيد للتراجع العسكري في الميدان والاتجاه إلى التركيز على العمل السياسي فيأتي التصريح ليشكل نوعاً من الضغط على الجهات السياسية المتردّدة أو المتثاقلة ليدفعها للإسراع في حث الخطى على المسار السياسي مع تحذيرها بأنّ ما يمكن نيله اليوم يصبح صعباً غداً.
أي أنّ الإعلان بذاته لم يأت من الخصم من اجل إسداء خدمة معنوية لخصمه أو تثبيطاً لعزيمة حلفائه، بل جاء برأينا توطئة لتعزيز عسكري أو لتراجع ميداني يوطئ للحلّ السياسي، فأيّ من الأمرين أقرب للواقع؟
قبل الإجابة على هذا الأمر يستوقفنا في السلوك أمران لا بدّ من مواجهتهما في معرض ما أُعلن:
ـ الأول أو ما سرّبه الأميركيون عن احتمال إرسال قوات خاصة إلى سورية وتحديداً إلى منطقة الرقة ومحيطها لمواجهة داعش في المركز الأهمّ الذي تتحصّن فيه في سورية.
ــــ والثاني ما كشفه الناطق العسكري السوري عن نقل 500 إرهابي داعشي من سورية إلى اليمن.
وبالتالي فإنّ الأمرين يتناقضان في نتائجهما الميدانية، حيث إنّ المنطق يقول إنّ الميدان المنهار يستوجب تعزيزه بالقوى والقدرات أو الانسحاب لتحديد الخسائر، أما أن يكون إدخال وإخراج للقوى خارج عملية البدل، فإنه يكون شيئاً خارج السياق المألوف عسكرياً.
وبالتالي نرى أن نتعامل مع الحقائق والوقائع تكاملياً من دون أن نكون أسرى تسريبات وإشاعات قد تكون للتضليل أو حرف الانتباه، ومن دون أن نُسقط من الحساب القرار الأميركي الاستراتيجي النهائي قاعدتَيْ عدم فتح جبهات جديدة في المنطقة وعدم زجّ قوى برية في خنادق المواجهة.
إن التحليل المنطقي هنا يقودنا إلى استبعاد القرار الأميركي بالتدخل البري في الميدان السوري لكبح الاندفاعة السورية المشكو منها أميركياً، ومن جهة أخرى فإننا نرى أن التحضير الأميركي لإرسال قوات خاصة إلى سورية لا يعني حتماً أنّ أميركا بصدد خوض معارك برية ضد «داعش»، فالأمر مستبعَد بنظرنا و«داعش» لم ولن تكون إلا الجيش السري العامل بقيادة وإدارة وتوجيه «سي أي آي» خدمة للمشروع الصهيو ــــ أميركي، وإنّ إرسال قوات خاصة أميركية إلى سورية إذا حصل فيكون بنظرنا من أجل حماية «داعش» وليس لقتالها، حماية تتشكّل عبر إنشاء منطقة أو مظلة أميركية يتم الاتفاق مع القوات الروسية على عدم الدخول إليها بذريعة تحاشي الاصطدام.
وفي هذا التحليل نخلص إلى القول بتكامل في المشهد يسقط معه التناقض الظاهر. تكامل نقول فيه إنّ أميركا أدركت فعلاً أن خطتها في إدارة حرب استنزاف في سورية بواسطة «داعش» فشلت وسقطت، وباتت القوى المدافعة عن سورية تملك من القدرات الهجومية ما يجعلها ممتلكة للمبادرة في الميدان وراجحة الكفة في الميزان العسكري وأن المستقبل لا يشي بفشل حرب الاستنزاف فحسب، بل أيضاً بخروج «داعش» كلها مع المجموعات الإرهابية كلها وتحت العناوين كلها من سورية ولذلك ولتحديد الخسائر فإنّ أميركا لجأت إلى خطة بديلة ترمي منها إلى تحقيق الأهداف التالية:
أ ـ منع الإجهاز على «داعش» في سورية كلياً وهي صرّحت سابقاً أنها لا تريد ذلك ، وهي ترى أنّ متابعة المعركة التي بدأت في مطلع شهر تشرين الأول الحالي وبالشكل الذي تتمّ فيه سيحقق لسورية هدفها بالإجهاز على الإرهاب أولاً، ثم السير بالعملية السياسية ثانياً، وهذا الأمر يناقض المصالح الأميركية التي لا تتحقق إلا إذا فُرض حلّ سياسي في ظلّ الإرهاب الأميركي القيادة والاستثمار، وتحت النار الإرهابية التي تخدم تلك المصالح. وحتى يتحقق الأمر تحمي أميركا بعض هذه المكوّنات فتعلن عن إرسال وحدات خاصة يتبعها وضع خطوط حمر أمام الطيران الروسي لمنعه من «تعريض القوى الأميركية للخطر»؟!
ب ــــ الاستفادة من بعض قوى «داعش» في الميدان اليمني الذي أظهر عجز السعودية وحلفائها وكلّ من جاءت بهم من مرتزقة بمن فيهم السودانيون الـ800 ومثلهم من الكولومبيين، عن تمكين السعودية من السيطرة على مدينة واحدة أو منطقة ضيقة تستطيع أن تتخذها مركزاً لحكومة الرئيس الفارّ هادي.
د ــــ الظهور بمظهر المستعدّ عسكرياً والمالك خططاً بديلة تمنع انهيار الميدان أمام الهجوم التطهيري الذي تقوم به سورية وحلفاؤها، لأنّ إظهار القوة هنا شرط للدخول في العملية التفاوضية التي تقود إلى الحلّ السياسي الذي بات بالنظر الأميركي المخرج الرئيسي لتحديد الخسائر في الحرب ــــ العدوان الذي شنّته أميركا وأتباعها على سورية ومحور المقاومة.
بالتالي، إذا كان لا بد من استنتاج بعد هذا الغرض، فإننا نستطيع القول إنّ سورية وحلفاءها ضربوا في الشهر الأخير ضربة المعلم الذي أفهم المعتدي بأنّ عدوانه فشل ولا مجال لأيّ خطة جديدة تنقذه من فشله، وبات عليه أن يدخل في عملية سياسية تكون مخرجاً له من ميدان بات ينقلب عليه…
(البناء)