“مُولّدات” و”ثورات” في لبنان وسوريا !: ثريا عاصي
لا أظنّ أني أجازف إذا قلت إنّ لبنان ذو مناعة ضدّ الثورة. ذلك مردّه إلى تفاصيل لا يتّسع هذا المجال للغوص بحثاً عنها. مهما يكن فهذا ما تُظهره الأحداث والتطورات في حقل السياسة بصورة واضحة في كل مرحلة من المراحل التي مـرّت بهـا قضيـة الدولة في لبنـان. أو بتعبير أدقّ، تثبت متوالية الأزمات في لبنان حقيقة مناعة المجتمع اللبناني ضدّ الثورة بموازاة فقدان التخلُّق بخُلُق الجماعة الوطنية، بوجهٍ عام .
أقتضب هنا لأقول، حتى لا أُتّهم بإحباط أعمال المناضلين أو بالتنكّر لها، إني أسوِّق هذه الملاحظات بعد أن رأيت السيول في المدن اللبنانية تجرف أكياس القمامة. هطلت الأمطار ساعاتٍ عدّة، فتكوّن الطوفان. مضت أشهر دون أن يتوصّل أصحاب السلطة إلى إيجاد طريقة لمعالجة مشكلة النفايات، ما يدلّ على انقسامهم الحادّ.
تحضرني في السياق نفسه مسألة الكهرباء التي صار عملياً إلى خصخصتها، بواسطة توفير الظروف الملائمة، بحيث تستطيع قوى الأمر الواقع، في البلدات وأحياء المدن، إتاحة الفرصة أمام وكلائها وأمام المتنفّذين الذين تستحسن إرضاءهم، لامتلاك وتشغيل مولّدات للطاقة الكهربائية، ومن ثم بيعها للمستهلك. ما يهمّني هنا هو درجة التلوث التي من المحتمل أن تتسبّب بها هذه المولدات التي تعمل أحياناً وسط الأبنية السكنية، في غيابٍ تامّ لأيّة مراقبة صحية ـ بيئية.
أودّ الإشارة أيضاً، بإيجاز، في إطار هذه المقدمة، إلى مسألة النازحين السوريين إلى لبنان؛ إذ لديّ انطباع من موقعي كمراقبة أدّعي الانحياز التام لقضية الوطن السوري اللبناني، بأنّ النازحين المذكورين يمثّلون سلعة توظّفها، من جهة، دوائر الأمم المتحدة ضمن الدور المُناط بها، من أجل تفكيك المجتمع السوري. وتستخدمها، من جهةٍ ثانية، البلدان المضيفة وتحديداً لبنان والأردن وتركيا، بقصد التأثير والابتزاز في مسار الأحداث في ميدان الصراع في سوريا.
من البديهي أنه يتعذر في هذا البحث إيفاء موضوع نزوح السوريين حقّه، فأنا لستُ بصدَدِه. أكتفي بالملاحظة، على سبيل المثال، أنّ مسألة تأمين «التعليم»، في إطار خطة تشترك في تنفيذها الأمم المتحدة إلى جانب وزارة التربية في لبنان، لا تَلقى معالجة مثلى أو بالأحرى متناسقة مع السياسات التي تعلنها قوى «الأمر الواقع»، بل أذهب إلى القول بأنّي لن أُفاجأ في الواقع، لو أنّ دراسة تحقيقية أظهرت أوجه شبهٍ بين معالجة نقص الطاقة الكهربائية في لبنان بأسلوب الخصخصة المموّهة بواسطة مولدات «متنفّذي» قوى الأمر الواقع من ناحية، وبين معالجة النقص، المدرسي ـ التعليمي، المتعدّد الأسباب الذي يعاني منه أولاد النازحين السوريين في لبنان، من ناحيةٍ ثانية. إذ يبدو لي أنّ «متنفّذي الأمر الواقع» وجدوا في «تعليم» هؤلاء الأولاد، مصدراً لاستخراج الربح على حساب حاضرهم ومستقبلهم.
مُجمَل القول وقصاره إنّ التجربة في لبنان، إن دلّت على شيء فإنّما دلّت على استحالة إنجاز «الثورة» في الراهن (إذا جاز الكلام عن ثورة). بدأ «هذا الراهن» في ستينيات القرن الماضي، وما تزال المراوحة في المكان مستمرة. تبديل قرص الموسيقى العسكرية بين آونةٍ وأخرى لا يعدو خداعاً سمعياً أو وعوداً لن تتحقق!
إنّ مولّدات الطاقة الكهربائية ليست حلاً لمشكلة الكهرباء، بل هي بالضدّ من ذلك، وصفة سامّة وباهظة الثمن. الانقراض في ثلاث مراحل؛ التسبّب بالمرض، سرقة المريض عن طريق تجريع المريض دواءً ساماً غالي الثمن، وبالتالي حرمان بنيه من جميع أملاكهم ومن ضمنها طبعاً، المنزل والحقل وقناة الري.
يُخيّل لي في هذا السياق أنّ «حكاية الثورة» في البلاد العربية التي التزمت، بشكل أو بآخر، بالقضية الفلسطينية، وبصرف النظر عن محصلة هذا الالتزام، هي كمثل حكاية «الكهرباء» في لبنان. أي معالجة «النقص» بمولد الطاقة. هل تعوّض «مولّدات الطاقة» التي استوردها «الوزراء»، آل سعود، وآل ثاني، والعثمانيين الجدد، مشكلة «نقص الثورة» في سوريا؟.
(الديار)