الحروب على سوريا !: ثريا عاصي
لا غلوّ في القول إنّ سوريا تتعرّض لحرب يشترك فيها جميع الذين يمدّون حركات المتمردين السورية بالخبرات والمعلومات العسكرية، بالإضافة إلى الأموال والسلاح والمرتزقة الأجانب. اللائحة طويلة ومعروفة. لندع خطاب الجوقات الممجوج في لبنان وسوريا جانباً، التي يحاول أعضاؤها محاكاة الأدوار التي يؤدّيها بعض الناشطين في البلاد الأوروبية تحت ستار الإغاثة الإنسانية، حقوق الإنسان، الحرية، والديمقراطية، بقصد تقويض كيانات الدولة الوطنية وتفرقة الناس .
يحقّ لنا أن نتساءل!
نحن نعرف تقريباً ما تريده الحكومة التركية من خلال النهج الذي تسلكه، وهو نهج متناسق مع حركة الإخوان المسلمين ومشروعها السياسي الإسلامي. كما لا يخفى على المراقب أنّ المستعمرين الإسرائيليين يحملون مشروعاً استعمارياً استيطانياً توسّعياً، أنجزوا منه بعض المراحل وبقيت مراحل أخرى.
وحتى لا يهيج هائج كلاب الحراسة فيعاودون حكاية جبهة الجولان التي لم يعكّر هدوءها إطلاق رصاصة واحدة. نذكّر بأنّ سوريا ضعيفة، وليست قادرة في الراهن، كدولة، على مواجهة إسرائيل. ولكن التناقض بين المشروع الاستعماري من جهة، وبين سوريا، هو تناقض جوهري لا يزول بتغيّر الظروف، ولا يمحوه الزمان ولا تلغيه إرادة حاكم . فلا خيار لدى السوريين سوى البحث عن الوسائل والأساليب التي تمكّنهم من استرجاع حقوقهم وتُتيح لهم العيش والعمل بأمان . هنا أقتبس من مقالة لميشيل شيحا، بتاريخ 4 تشرين أول 1947، «على كلّ لبناني كما على كلّ سوري أن يتذكّر أنّنا الجيران المباشرون لهذا المطمَع ولهذه القوة، وأن المشروع الإسرائيلي لن يعرف التوسّع المأمول إلا بمروره على جسدنا« (من كتاب فلسطين).
الغريب في دنيا العرب، أنّ الذين أغضبهم تصعيد الدعم الروسي للحكومة السورية، فعبّروا عن ذلك دون استحياء، لم نسمع أنهم برّروا قبولهم بالتدخل الأميركي والأوروبي والتركي والإسرائيلي، في شؤون سوريا. لماذا يكون الأميركيون أقرب إلينا من الروس؟!
لقد اغتاظوا لأنّ إيران تقف إلى جانب الدولة السورية بحجة أنّ الإيرانيين ليسوا عرباً، وأنهم يُضمرون الحقد للعرب، ويسعون إلى بسط هيمنتهم ونفوذهم. من البديهي أنه لو لم تكن لإيران مصلحة في الدفاع عن سوريا لما أيّدوا السوريين ولما قاوموا العدوان الإمبريالي الأميركي ـ الأوروبي، جنباً إلى جنب معهم. الخلاف هو بين فريقين. يزعم أتباع أميركا وأوروبا وآل سعود أنّ مصلحة الإيرانيين تتعارض مع مصلحة السوريين، ولكن لا يقولون شيئاً عن مصلحة أميركا وفرنسا وإسرائيل وتركيا وآل سعود. بالمقابل يُصرّ الذين درجوا على تسمية الأشياء بأسمائها، على أنّ الإيرانيين والسوريين لهم مصلحة مشتركة في أن يتصدّوا معاً لمقاومة المستعمرين الإسرائيليين والرجعيين العرب . فمن يقول الحقيقة ومن يكذب؟
يحسن بنا أن نلاحظ في هذا السياق أنّ آل سعود والسعوديين في لبنان وسوريا لا تساورهم أية شكوك تجاه السياسة التي يتبعها الرئيس التركي أردوغان في موضوع المسألة السورية. ألا تراود هذا الأخير رغبة بأن يكون سلطاناً «عصرياً» لدولة الإخوان المسلمين، ومركزها تركيا؟ أم أّنّ السيد أردوغان، الذي أرسل قواته مع الحلف الأطلسي من أجل إسقاط سلطة العقيد القذافي في ليبيا، ثمّ ادّعى بأحقية الوصاية على مصر، ليست له أطماع في سوريا، مثله كمثل آل سعود، وأميركا وفرنسا وبريطانيا، الذين هبّوا لنجدة السوريين، فأحرقوا حلب عاصمة الصناعة السورية، وأرسلوا إلى سوريا المرتزقة والسلاح عبر الحدود التركية!
ولكن السؤال الأصعب الذي لا يستطيع أحد التهرب من الإجابة عليه هو ما دلالات عدم الإحساس بالحَرَج حيال تدخّل المستعمرين الإسرائيليين إلى جانب المتمردين ضدّ الحكومة السورية، في الجنوب وفي سلسلة جبال لبنان الشرقية؟ لا بدّ من التوقف طويلاً، وبجرأة وموضوعية، أمام مُعطى باتَ ظاهراً للعيان، يتمثّل بوجود تيار سياسي إسلامي «يضع يده بيد الولايات المتحدة الأميركية» و«إسرائيل» لمحاربة سوريا . هذا التيار يتنازل عملياً عن فلسطين للمستعمرين الإسرائيليين، وبالتالي هو ليس معنيّاً بمقاومتها، بأيّ شكلٍ من الأشكال.
(الديار)