“فيينا السوري”: طلاق بائن مع “جنيف 1″؟: محمد بلوط
“فيينا السوري” تنشيط أفكار روسية قديمة. الأفكار التي وضعها الروس على طاولة اللقاء الرباعي في فيينا، صياغة مستحدثة لكل المواقف التي كانت الديبلوماسية الروسية قد طرحتها في كل منعطفات الأزمة السورية، والتي تمحورت تمحوراً رئيسياً على إبقاء الدولة السورية، في منظومتها الحالية، من أجهزة أمنية وقوات مسلحة، قادرة على تأمين استمرارية السلطة، ومواجهة الهجوم الإقليمي التركي ـ السعودي، والأميركي، وحماية الموقع السوري، وتثبيت دور الرئيس بشار الأسد كجزء من أي حل
.
لكن الحاجة إلى منح العملية العسكرية الروسية في سوريا أفقها السياسي، تدفع إلى إعادة تقديم خطة، وإطلاق مسار سياسي يواكبها، وتأمين مخرج لها. وبدت فيينا ضرورية، بعدما نسف السعوديون والأميركيون فرص المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لإطلاق عملية جنيف. فلم يسمح «الفيتو» السعودي على إشراك إيران في مجموعة الاتصال الدولية حول سوريا، ببدء مفاوضات متوازية مع العملية العسكرية، كما أن دي ميستورا نفسه انصاع للضغوط التركية والسعودية، ولم يملك الشجاعة الكافية للدعوة إلى عقد اجتماعات لجان العمل السورية في جنيف، في موعدها قبل شهر، بمن حضر، كما نصحه الروس في لقائهم الأخير به في موسكو، بعدما رفض «الائتلاف» وحده من بين جميع الفرقاء، المشاركة في تلك الاجتماعات.
وتبدو خريطة الطريق الأولية التي وضعها الروس في فيينا طلاقاً بائناً لا عودة عنه مع جنيف، على الأقل في عنوان المرحلة الانتقالية، ومع السجال حول دور الرئيس السوري فيها، بل طيّ صفحتها.
وتقول تسريبات إن الأسد وافق خلال قمة الكرملين، على انتخابات رئاسية مبكرة، في الربع الأول من العام 2017، وروزنامة سياسية تستمر 18 شهراً، تتضمن تشكيل حكومة موسعة مع معارضة وطنية سورية، تشرف على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مفتوحة، يشارك فيها الأسد. كما رفض السوريون أي رقابة دولية عليها من دول شاركت في الحرب على دمشق. ولا تزال الأمم المتحدة تعتبر أن 13 إلى 15 مليون سوري يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري، وان ثلاثة إلى أربعة ملايين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال والمجموعات المسلحة في الغوطة والشمال والجنوب، و «داعش» في الرقة ودير الزور، فيما هجر البلاد ما لا يقل عن أربعة ملايين سوري.
وبحسب مصادر سورية معارضة مقربة من الروس، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم ضمانات سياسية وعسكرية للأسد، وتطمينات واسعة للمضي في البحث في خريطة الطريق الروسية. وتتضمن الضمانات السياسية ألا تتطرق الخريطة إلى أي تغيير في موقع الرئيس السوري وصلاحياته، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، وتعهدات باستمرار الدعم العسكري الروسي خلال تلك الفترة.
وتقول مصادر إن رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروتشيف اقترح، خلال اجتماع الكرملين، ضم وحدات من «الجيش الحر» إلى إطار مع الجيش السوري، تقبل بالعمل معه في الحرب على الإرهاب.
ويقول مصدر سوري معارض إن أحد الأجنحة التي وافقت على الاقتراح، خلال لقاء جمع ضباطاً من «الجيش الحر» في باريس مع ديبلوماسيين وعسكريين روس، اشترط أن يتم ذلك في إطار مجلس عسكري مشترك، وتحدثت عن فصائل منه لا تزال تنتشر في المنطقة الجنوبية وتضم الآلاف من المقاتلين. ويقول المصدر إن ضابطاً سورياً منشقاً، يقيم في باريس، عرض خلال لقاءات باريس ضم 11 اسماً مدنياً سورياً يتقدمهم رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، بتنسيق تركي – سعودي، للعمل ضمن حكومة سورية موسعة.
ويقول مصدر مقرب من لقاء فيينا إنه من المبكر الحديث عن تقدم حقيقي، لان الروس لا يثقون بالسعوديين، الذين يبادلونهم الريبة نفسها، وان التقدم الوحيد الذي تحقق هو التحدث للمرة الأولى في إطار مجموعة اتصال دولية غير رسمية حول سوريا، وطرح مجموعة أفكار جديدة، وقبول السعوديين الجلوس إلى الطاولة، لان إيران لم تدع إليها لتفادي المقاطعة السعودية في مرحلة أولى. والأرجح أن ما يدفع السعودية للعودة إلى اجتماع الجمعة المقبل في فيينا، ليس سوى تكريس استبعاد الإيرانيين من أي مفاوضات حول سوريا، خصوصاً أن الروس لم يحسموا حتى الآن أمر لائحة الدعوة، التي ينبغي أن تشمل أيضاً الأردن ومصر وقطر.
إذاً لا مؤشرات حقيقية على تحقيق أي تقدم سياسي، فضلاً عن أنه لا احتمالات للرهان على أي تقدم سياسي كبير من دون تقدم ميداني. ففي القاهرة، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مرة جديدة، إنه لا مكان للأسد في سوريا المستقبل، ملخصاً ما جرى في فيينا «بأنه تقارب في بعض المواقف، نحتاج إلى مزيد من المشاورات ومزيد من المباحثات، وإننا لم نصل إلى أي اتفاق بعد، ففي الحل النهائي كلنا يريد أن تكون سوريا بلداً موحداً يعيش فيه جميع الطوائف بمساواة، وتكون بلداً خالياً من أي قوات أجنبية. هذا ما نريده لسوريا».
سياسياً، يبدو متضارباً كلام وزير الخارجية السعودي مع أهداف خريطة الطريق الروسية، بل ممعناً في البعد عنها. إذ تضع هذه الخريطة الأسد خارج مساومات المرحلة الانتقالية، وأخطارها التي كانت تجعل الموقع السوري ومستقبله في يد تركيا والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة التي تهيمن على الجزء الأكبر من معارضة الخارج، تحت مسميات جنيف. إن نقل مركز الثقل في العملية السياسية والتسوية إلى الداخل السوري، والى لعبة الانتخابات التشريعية والرئاسية، يتعارض كلياً مع هدف الاستيلاء على الموقع السوري، ويقوي عناصر الحل الداخلي السوري، إذا ما نجح الروس بإسقاط شروط القوى الإقليمية لإجراء تلك الانتخابات، وتحقيق تقدم ميداني ضد المجموعات المسلحة التي تدعمها هذه الدول ضد سوريا.
وميدانياً، لا تستبعد مصادر سورية مقربة من الديبلوماسية الروسية أن يمنح الروس زخماً أكبر لعملياتهم الجوية إلى جانب الجيش السوري في الأسابيع المقبلة. ويجري تداول اقتراح بإرسال بضعة آلاف من المقاتلين الشيشان الأوفياء للرئيس رمضان قاديروف للانضمام إلى الحرب على الإرهاب، فيما بدأ الأتراك خطوة نحو توحيد كل الجماعات السلفية «الجهادية» التي تعمل بإمرة مخابراتها، لتعزز ما قالته وزارة الدفاع الروسية قبل أيام عن وجود مفاوضات بين تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة»، لتوحيد عملياتهما ضد الجيش السوري. فقبل أسبوعين، ومباشرة بعد انطلاق الغارات الروسية، تقدم «داعش» في ريف حلب الشمالي، بعدما أخلت «الجبهة الشامية»، بقرار تركي، ومن دون قتال تقريباً تسع قرى، لتفتح جبهة جديدة مع الجيش السوري، في باشكوي والمنطقة الصناعية، على المدخل الشمالي للمدينة. وخلال أيام كانت فصائل كثيرة تبايع «أحرار الشام»، في الشمال وتلتف حولها، وهي الفصيل الأقوى في المنطقة، الذي يعمل بقرار تركي – قطري . كما دخلت «أحرار الشام» في غوطة دمشق في تحالف معلن مع «جبهة النصرة». والأهم أن أحد مؤشرات الهجوم السعودي – التركي المضاد لروسيا، وفيينا، قد انطلق من خلال هجوم «داعش» و «أحرار الشام» و «النصرة» المتزامن على طريق إمداد الجيش السوري الحيوي في حلب، واستيلائهم على 29 كيلومتراً من الطريق عند محور خناصر – اثريا، وهي رسالة تعني أن السياسة في فيينا، وخريطة الطريق الروسية، لا تزال بعيدة عن إنجاز أي تقدم، قبل رفع مستوى القتال والغطاء الجوي، والانخراط في الحرب.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد ذكرت، في بيان، بعد اجتماع وزير الخارجية الأميركي جون كيري والملك السعودي سلمان في الرياض أمس الأول، أن الجانبين “تعهدا بمواصلة الدعم وتكثيفه للمعارضة السورية المعتدلة، وفي الوقت نفسه متابعة المسار السياسي، وشددا على ضرورة تعبئة المجتمع الدولي باتجاه تحقيق هذا الهدف. وجددا تأكيد أهمية عملية انتقالية من دون الأسد”. ولم يوضح البيان ماهية الدعم المقصود للمعارضة “المعتدلة“.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان أمس، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وكيري بحثا الأزمة السورية، في اتصال هاتفي بطلب من الولايات المتحدة. وأضافت أن لافروف وكيري واصلا مناقشاتهما بشأن “احتمالات الحل السياسي للأزمة السورية، بمشاركة السلطات السورية والمعارضة الوطنية، وبدعم هذه العملية من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الإقليمية الكبرى“.
وهو الاتصال الثاني خلال يومين بين كيري ولافروف. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي “إنهما ركزا على بحثهما المشترك لبدائل تحقيق تسوية سياسية، وناقشا إمكانية عقد اجتماعات متعددة الأطراف في المستقبل بشأن هذا الموضوع“.
(السفير)