أين بدأت الرواية الكاذبة؟ بنت الأرض
أين بدأت الرواية الكاذبة؟ بدأت من لدنك السيدة الوزيرة. كان هذا هو سؤال عضو الكونغرس الجمهوري جيم جوردان عن مدينة أوهايو للسيدة هيلاري كلينتون خلال جلسة التحقيق معها في الكونغرس حول مقتل أربعة أمريكيين في مدينة بنغازي الليبية من بينهم السفير الأمريكي إلى ليبيا جي كريستوفر ستيفن. تركزت الأسئلة في معظمها للسيدة كلينتون حول ما إذا كان مقتل الأميركيين نتيجة نشر فيديو معادٍ للإسلام تسبب في خروج مظاهرة ضدّ الأميركيين ومن ثمّ الهجوم على السفارة ومقتل الدبلوماسيين الأميركيين الأربعة وكان جواب كلينتون: سواء أكان هذا بسبب المظاهرة أو لأن بعض الأشخاص هناك يسيرون في الشارع وقرروا أن يقتلوا بعض الأميركان، ما هو الفرق بين الحالتين في هذه النقطة؟ وأضافت: “كنا في موقع نحاول أن نفهم معلومات كثيرة ترد إلينا؛ ليس لديّ شكّ أننا بذلنا قصارى جهدنا في ضوء المعلومات التي كانت متوفرة لدينا في ذلك الوقت.” أكدت السيدة كلينتون أكثر من مرة أن المعلومات كانت كثيرة ومشوّشة وأنهم بذلوا جهدهم أن يفهموا ما يرد إليهم وأن يتصرفوا بأفضل طريقة. وهنا تكمن مشكلة المآسي التي تسببها الولايات المتحدة في ليبيا وسورية والعراق وأماكن كثيرة من العالم، تكمن في المصادر الكاذبة التي تستند إليها الولايات المتحدة لخطّ سياساتها الخارجية. والسبب أنهم حققوا في قضية بنغازي أكثر من مرة هو أن الضحايا هم من الأميركيين أما كل ضحايا الشعب الليبي والذين هم ضحايا قرار الولايات المتحدة ودول الناتو وبعض العرب بالهجوم على ليبيا فهذا ما لم يتوقفوا عنده أبداً وما لم يستحق سؤالاً أو جواباً منهم. تماماً كما أن الأكاذيب التي روّجوا لها حول العراق في عام 2003 برهنت على أنها عارية عن الصحة تماماً وكلفت العراق استقراره وأمنه إلى حدّ يومنا هذا فإن كلّ ما جرى لم يتمّالتحقيق فيه أو طرد مسؤول بسببه أو مراجعة سياسة ما أو الإعتراف بخطأ فادح تمّ ارتكابه بحق شعب وبلد وتاريخ وحضارة .
وسؤال عضو الكونغرس جيم جوردان للسيدة كلينتون: أين بدأت الرواية الكاذبة؟ سؤال هام وعميق ويجب أن يسأل ليس فقط حول مقتل الأمريكيين الأربعة في بنغازي وإنما حول مقتل آلاف الفلسطينيين وتشريد الملايين منهم على مدى عقود، وحول استهداف العراق وليبيا وسورية ومصر واليمن، إذ أن كلّ ما يصل صانع القرار الأميركي حول منطقتنا وبلداننا يكاد يكون من صنع أعداء العرب ونتاج تخطيطهم لتمزيق بلداننا وتدمير حضارتنا. وفي الحرب على سورية مازالت الولايات المتحدة تعتمد على متوسلي دولارات أو منبوذين في مجتمعهم أو صغار لا يحلمون أن يكونوا شيئاً في حياتهم لتجري تقييمات حول مصير بلد وشعب ساهمت الولايات المتحدة وعملاؤها الإقليميون بتدمير ممنهج لمدارسه ومشافيه ومعامله وآثاره وبناه التحتية. ومن الواضح أنّ الولايات المتحدة بدأت تظهر بمظهر دولة نامية غير قادرة على فهم ما يدور في مناطق كانت تعتبرها مناطق نفوذ لها ومن هنا تأتي الاستراتيجية والخطوات الروسية لتحويل هذه المناطق إلى مناطق نفوذ لروسيا بدلاً من الولايات المتحدة وقد بدأ هذا المسار بقوّة في الشرق الأوسط ولن يتوقف هنا.
واللافت أنه وفي ذات الجرائد التي حملت أخبار التحقيق مع كلينتون والجدل الذي دار في معظمه حول صحة المعلومة أو كذبها تقرأ في عنوان آخر: “إسرائيل تصارع لفهم الدوافع وراء المهاجمين المنفردين” في إشارة إلى حملة الهجمات التي شنها شبان وشابات فلسطينيون ضدّ المستوطنين والجيش الإسرائيلي الذي يدعمهم ويردي كل هؤلاء الشبّان برصاص حيّ دون سؤال أو جواب. فبعد كلّ الإذلال الذي يعاني منه هؤلاء الفلسطينيون وكلّ التصرفات الوحشيّة التي تنصبّ عليهم من مستوطنين، هم أشبه ما يكونوا بتنظيم الدولة الإسلامية فكراً وعنصريّة وكرهاً وإجراماً، تحاول إسرائيل وفق هذا المقال أن تكتشف الدوافع وراء هذه الهجمات وتضيف عنواناً آخر “تصعيد في العنف وعدم ثقة متبادلة” وعنوان آخر “دوافع مختلطة ومختلفة تقود فلسطينيين معظمهم من الشباب ويتصرفون بمفردهم”. ما وجده الإسرائيليون غريباً هو أن هذه حركة شباب فلسطيني من طلاب المدارس لأنهم كانوا يعتقدون ويوهمون العالم أن حقوق الفلسطينيين تسقط بالتقادم وأن الأجيال القادمة لن تكون متشبثة بتحرير فلسطين أو مقاومة العدوان والاحتلال. المستوطنون المجرمون وقوات الإحتلال يستهدفون قادة هؤلاء الشباب والمدنيين المؤمنين بحقّ الفلسطينيين في العيش حياة حرّة كريمة بعد أن أمضوا عقوداً ينشرون الأكاذيب المضلّلة حول أرض بلا شعب وحول رغبتهم في السلام بينما هم يقضمون الأرض ويمارسون تصفية جسديّة للشعب الأصلي وعقوبات جماعيّة تؤدي إلى الموت والنزوح واللجوء في محاولة لإسقاط حقّ العودة.
الإعلام الكاذب والروايات الكاذبة هي إحدى أهم أدوات الصهيونيّة والعنصريّة والإحتلال والإستعمار وقد بدأ الدبّ الروسي بتعرية كذب هؤلاء على أكثر من صعيد وهذا ما يزعج المستعمر الغربي أكثر من أي شيء آخر: ظهور الحقيقة وتعرية النفاق والأكاذيب. قد يكون مقتل الأميركيين الأربعة بدأ من رواية كاذبة للسيدة كلينتون أما مآسي بلداننا وشعوبنا فقد بدأت من روايات كاذبة تمّت حياكتها من قِبَل نخب ومراكز أبحاث ودوائر قرار بدأت اليوم تنكشف حقيقتها أمام أعين العالم أجمع.