الى الساحات…
فاطمة طفيلي
فكرة الحكم في تاريخ البشرية نشأت من مبدأ إدارة شؤون الناس والمجتمع. والحاجة الى سلطات عامة تنظِّم شؤون العباد والبلاد هي أصل المشروعية، التي تعطي فريقا من الناس المكانة المعنوية والامتيازات المادية، بذريعة أنهم يخدمون الآخرين ويسهرون على مصالحهم البسيطة والمعقدة في آن معا. في الدول الحديثة تم اعتماد فكرة الانتخاب في اختيار الحكام لتمكين الناس من المحاسبة على الأخطاء والتجاوزات ووجوه التقصير والعجز.
حتى في زمن العشائر والجماعات البدائية كان السهر على نظافة الخيم والمضارب مسؤولية مشتركة، يلتزم بها الناس ويسهر عليها شيوخ العشائر والقبائل، وهي بديهية من خارج النصوص.
لا يطالب اللبنانيون بشيء كبير وجسيم عندما يتوقعون من حكومتهم إيجاد مخرج لأزمة النفايات، التي تأكل الأخضر واليابس في البلد، وتداهم الأحياء والمنازل، وتقلق الجميع على صحة أبنائهم وعائلات المهددة بشتى الأمراض والأوبئة، فهذا أقل ما يمكن اعتباره مطلبا بدائيا في مجتمع بدائي.
مرَّت الأسابيع والأشهر، وها هو البلد يتحول الى مزبلة، كيف لا وقد جع حكامنا من النفايات ميدان استثمار لنهب الأموال العامة وللسمسرات، وصمّوا آذانهم عن مطالب الشباب، التي هي مطالب كل اللبنانيين. وعندما وضعوا خطة التراجع عن المناقصات المشبوهة والمفضوحة، قذفوا بها الى متاهة التجاذب الطائفي والسياسي غير المسؤول، ليستمر الجدل وتقاذف الاتهامات، ويبقى التبرير سيد الموقف عند الجميع ، بينما يتزايد تراكم النفايات وزحف الحشرات، وكأننا في مجاهل ما قبل التاريخ والاجتماع البشري، حين كان الناس يفترشون الغابات والحقول مع مواشيهم ودوابهم.
المخزي أن هذه المسخرة لا تؤرق أحدا ولا تشغل بال مسؤول، وكل جهة تنسب المسؤولية لغيرها، ولا تتخذ الموقف المناسب لفضح المسؤوليات وتحميل التبعات وتبرئة الذمة على الأقل، كأن لا وزن ولا اعتبار لما يُدعى بالرأي العام.
تزَّلف كثير من السياسيين للتحركات الشعبية عندما انطلقت، دعمها بعضهم، وتبرّأ منها آخرون، فيما اتهم كثيرون مَن نزلوا غاضبين الى الشوارع بتعقيد الأزمة. تراجعت التحركات اليوم، والشلل مستمر، ولم يفعل المسؤولون شيئا، بالرغم من أن جبال النفايات ما تزال ترتفع وتكبر، فأي عبث سياسي يغرق البلاد في الوسخ، وأي عذر لرفض التحرك الشعبي، الذي يجب ان يتركَّز اليوم على همِّ التغيير المطلوب أن يكنس شيئا أكبر وأدهى وأقوى من تلال المزابل. ما يجب كنسه هو الواقع السياسي المشلول والتافه وغير الإنساني والمنافي لآدمية البشر، والذي تتخطى المسؤولية فيه أشخاص الرؤساء والوزراء.
قانون الانتخاب النسبي هو الطريق لقبر الفضيحة التي تغطي كل شيء في لبنان. وما ندعو اليه، بأنوفنا المزكومة وحناجرنا المبحوحة وحياتنا المهددة، هو تغيير سياسي شامل، يفك الاستعصاء القائم بتحرك شعبي مستمر حتى فرض قانون الانتخاب النسبي.
الى الشوارع والساحات أيها اللبنانيون بمكانس أصواتكم، لنزيل هذا الوسخ المتحجِّر، المتشكِّل من مصالح سياسية وطائفية، هي القفل المحكم، الذي يُراد به إغلاق أبواب الحياة علينا وعلى عائلاتنا وعلى أحلامنا بوطن نستحقه.