مقالات مختارة

دلالات القمة السورية – الروسية حميدي العبدالله

 

عقد أول من أمس الثلاثاء الفائت لقاء قمة جمع الرئيسين السوري بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين. تأتي هذه القمة بعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء الإسهام الجوي الروسي في الحرب على الإرهاب في سورية، ومساندة الجيش السوري في هجومه الواسع الذي شنّه على كلّ الجبهات التي تتواجد فيها بقوة التنظيمات الإرهابية.

البيان الروسي ـــــ السوري المشترك الصادر بعد انتهاء القمة أوضح طبيعة المباحثات التي جرت، والتي أوضحتها أيضاً تصريحات الناطق الرسمي باسم الكرملين، لكن الأمر اللافت للنظر والذي له دلالات سياسية تتعدّى المضمون الرئيسي للمباحثات والإسهام العسكري الروسي في الحرب على الإرهاب، هي العبارة التي تضمّنها البيان الختامي والتي جاء فيها حرفياً «أنّ الرئيس الروسي يشكر الرئيس الأسد على تلبية الدعوة التي وجّهها إليه». والأرجح أنّ من وضع هذه العبارة في متن البيان الختامي هو الرئيس الروسي في رسالة واضحة إلى مَن يعنيه الأمر، والمقصود بذلك جميع الدول التي تبنّت مطلب تنحّي الرئيس الأسد، أيّ أنّ روسيا تعترف بأنّ الرئيس الأسد هو الرئيس الشرعي الذي انتخبه الشعب السوري.

وإذا كان عقد القمة، وفي هذا التوقيت، ومن ناحية الشكل، شكلت مفاجأة للكثيرين، إلا أنها من حيث المضمون هي امتداد لثوابت الموقف الروسي من سورية، إذ منذ بداية الأزمة رفضت روسيا بإصرار منح الحق لأيّ جهة، مهما كانت هذه الجهة، لتقرير مَن سيكون ومَن لا يكون في سدّة المسؤولية في سورية، إذ إنّ هذا حقّ حصريّ للشعب السوري، لهذا جاءت تفاهمات جنيف حول هذه المسألة غير واضحة وحمّالة أوجه، لأنّ موسكو مثل دمشق عارضت بقوة أي محاولة لإعطاء حقّ لجهات غير سورية في تحديد مَن سيكون في السلطة أو لا يكون. وجاءت الانتخابات الرئاسية في سورية العام 2014 والإقبال الكبير عليها، والنّسب التي حصل عليها الرئيس الأسد لتؤكد صحة رهان وخيار موسكو.

لا شك في أنّ الزيارة وما جاء في البيان الختامي يبعث برسالة إلى الحلف المعادي لسورية، تؤكد أنّ روسيا ملتزمة بالشرعية السورية، وأنها تدعم هذه الشرعية وتعترف بها وتتعاون معها، وبالتالي فإنّ أيّ مطلب يتجاوز الحقّ الحصريّ للشعب السوري في اختيار مسؤوليه سيلاقي ردّاً ومواجهة مباشرة مع روسيا التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من معادلة الواقع الميداني في سورية.

بعد القمة السورية الروسية بات السقف السياسي لمقاربة الحلول في سورية يكمن بالتخلّي عن مطلب تنحّي الرئيس الأسد، أو استبعاده عن الحلّ السياسي، وعلى جميع الدول والجهات التي تخوض الحرب في سورية أن تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار.

سورية ما بعد قمة الأسد بوتين ستكون غير سورية ما قبلها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى