مقالات مختارة

الغرب وسياسة خداع النفس: انقلاب المسارات حميدي العبدالله

 

تعليقاً على فتح الجيش السوري أكثر من ثماني جبهات دفعة واحدة، والتقدّم في هذه الجبهات، نشرت وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 19/10/2015 تقريراً استند إلى شهادات باحثين يعملون في مراكز أبحاث أميركية، قللت فيه من قيمة المكاسب التي يحققها الجيش السوري، ونسبت إلى باحث في معهد كارنيغي قوله «المساهمة الروسية الجوية وحدها غير قادرة على ترجيح الكفة لمصلحة النظام، خصوصاً مع وجود ثُغَر ونقاط ضعف كثيرة لدى القوات السورية». وأضافت: «على الرغم من إعلان روسيا الجمعة شنّها حتى الآن ضربات على 500 هدف لتنظيم الدولة الإسلامية ـــــ داعش، فإنّ ذلك لم يكن كافياً لتحقيق أيّ تقدّم ميداني نوعي».

إنّ وصف أيّ تقدّم بالنوعي أو بغير النوعي ليس مسألة تقدّر مزاجياً، إذ إنّ ثمة معايير كثيرة هي التي تحدّد ذلك. ومع هذا فإنّ انقلاب المسارات هو الذي يحدّد أولاً ما إذا كانت «المساهمة الجوية الروسية» المدعومة بوحدات برية قادرة أو غير قادرة على تحقيق إنجاز نوعي أم لا، والهجوم ثانياً كان عمره عند نشر وكالة الصحافة الفرنسية للتقرير لا يتجاوز الثلاثة أسابيع، ومعروف أنّ عملية جوية تمهيدية لتقدّم بري تحتاج إلى وقت أطول من ذلك لإطلاق هجوم «ميداني نوعي».

تقرير وكالة الصحافة يشدّد: «على الرغم من اشتداد المعارك في ريف حماه الشمالي، فإنها فعلياً لم تقلب موازين القوى».

انقلاب موازين القوى لا تحدّده فقط طبيعة المدن والبلدات التي سيطر عليها الجيش السوري على الجبهات الثماني، وهي جبهات درعا والقنيطرة، وريف دمشق وشمال حمص، وريف اللاذقية، وسهل الغاب في ريف حماه، وإدلب، وحلب، بل يحدّدها بالدرجة الأولى انقلاب المسارات بعد الإسهام الجوي الروسي، وبعد الهجوم السوري على الجبهات الثماني.

قبل الإسهام الروسي كان الجيش السوري في وضع دفاعي، إما الصمود في مواقعه أو خسارة بعض المواقع. بعد الإسهام الجوي الروسي، وبعد الهجوم البري للجيش السوري على الجبهات الرئيسية الثماني، بات الجيش في وضع الهجوم والجماعات المسلحة في وضع الدفاع، بل أكثر من ذلك في الجبهات الثماني حقق الجيش السوري تقدّماً وحرّر مناطق كانت خاضعة لسيطرة المسلحين منذ فترة طويلة. وحتى لحظة نشر تقرير وكالة الصحافة الفرنسية كان «المرصد السوري» المعارض يعترف بتقدّم الجيش على جميع الجبهات التي فتحها، وفي بعض هذه الجبهات لم يكن هناك أيّ إسهام لسلاح الجو الروسي، مثل جبهتَي درعا والقنيطرة.

لا شك في أنّ تقرير وكالة الصحافة الفرنسية هو تقرير دعائي وليس توصيفاً للواقع الميداني، هدفه رفع المعنويات، وعدم التسليم بالانقلاب الحاصل ميدانياً، ولكن هذه السياسة هي أقرب إلى خداع النفس منها إلى أيّ شيء آخر، فالادّعاءات بأنّ الإسهام الروسي والهجوم البري للجيش السوري وحلفائه لم يشكل «انقلاباً في الموازين» رغم ما حققه ويحققه هذا الهجوم كلّ ساعة من تقدّم لن يصمد طويلاً أمام حقائق الأمر الواقع التي ترسم الآن في مناطق سيطرة المسلحين الأساسية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى