عباس ليس صهيونيا: دمتري شومسكي
يمكن الافتراض أن مقالة البروفيسور ماتي شتينبرغ بعنوان «ما الذي قاله أبو مازن فعليا»، التي جاء فيها أن رئيس السلطة الفلسطينية اعترف بشكل علني بحق «الشعب الإسرائيلي» في تقرير المصير في دولته.كان يمكن الافتراض أنها ستؤدي إلى ردود فعل غاضبة تجاه عباس والجناح المعتدل في الحركة الوطنية الفلسطينية. وكل هذا بزعم أن الاعتراف «بالشعب الإسرائيلي» يعني نفي حق تقرير المصير للشعب اليهودي.
مقالة يوسي كوبرفاسر ورسالة الدكتور موشيه شيلا ومقالة البروفيسور شلومو افينري، كلها تعكس الشكوك بأن استخدام عباس مصطلح «الشعب الإسرائيلي» هو الطريقة التي يرفض فيها حق الشعب اليهودية بدولة
كان يمكن أن تكون هذه الشبهات مبررة لو كان يمكن اثبات أن كلمة «إسرائيلي» هي النقيض لكلمة «يهودي» عند عباس. أي مفهوم يرمز إلى تشكل شعب جديد في دولة إسرائيل، الشعب الإسرائيلي المنفصل عن اليهودية واليهود. ويتبنى هذا الموقف مؤيدو الدولة المدنية الإسرائيلية حيث يعتبرون أنه في عهد الصهيونية تشكل شعب جديد كليا، وهو يشمل كل الجماعات الاثنية والدينية لمواطني إسرائيل.
هل هذا ما يعتقده عباس؟
يمكن أن يكون الجواب لآ. وخلافا لموقف افينري الذي ينسب لعباس موقفا كهذا، يمكن أن يكون الشيء الاخير الذي يفكر فيه عباس هو الطلب من الفلسطينيين مواطني إسرائيل، الاندماج داخل «شعب إسرائيل». فعندما يتم طرح هذا الموضوع أمام عباس يشدد على أن عرب إسرائيل هو جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ومحظور الاضرار بحقوقهم المدنية القومية بسبب أي اتفاق مستقبلي. لذلك من الواضح أن مصطلح «شعب إسرائيل» يعني بالنسبة لعباس «شعب يهود إسرائيل» لأنه لا يشمل في داخله مواطني إسرائيل غير اليهود ـ المواطنون الفلسطينيون أبناء الديانات المختلفة.
هنا يطرح السؤال: لماذا يرفض في تصريحاته استبدال مصطلح «شعب إسرائيل» بـ «الشعب اليهودي»؟.
الاجابة بسيطة. اذا اعترف عباس والمعتدلين لديه بـ «الدولة القومية للشعب اليهودي»، كما يطلب بنيامين نتنياهو وافينري في مقالته، فسيُفسر الامر على أنه اعطاء الشرعية لكل يهود العالم للشراكة في السيادة الإسرائيلية. وهذا أمر لا يستطيع ولا يريد عباس تحمل المسؤولية عنه. وهذا يعني تعميق التمييز والقمع ضد مواطني إسرائيل العرب، الذين سيصبحون أكثر أقلية مع وجود كل يهود العالم، الذين ستصبح دولة إسرائيل «دولتهم القومية».
المفارقة هي أن معظم الإسرائيليين الصهاينة يرفضون إشراك يهود الشتات في تشكيل مستقبل الدولة.
افينري مثلا في مقالة له في صحيفة «هآرتس» في 2011 بعنوان «ضرر حقيقي بالسيادة»، أعلن عن معارضة شديدة لاقتراحات رئيس الوكالة اليهودية، نتان شيرانسكي، السماح ليهود الشتات بالمشاركة في حسم الامور التي هي من صلاحيات السلطة الإسرائيلية مثل من يحق له الهجرة إلى إسرائيل والسياسة الإسرائيلية حول عملية السلام.
إذاً، اغلبية الإسرائيليين الصهاينة، ومحمود عباس وجماعته المعتدلة، يعترفون بحق السيادة وتقرير المصير في إسرائيل للشعب «الإسرائيلي اليهودي»، ما يسميه الفلسطينيون «الشعب الإسرائيلي»، ويعارضون إشراك كل يهود العالم في السيادة الإسرائيلية، لاسباب مختلفة:
الإسرائيليون يعارضون ذلك لاسباب صهيونية وطنية. فهم غير معنيين باشراك من لا يوجدون هنا ولا يتحملون العبء، في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالمواطنين في إسرائيل. الفلسطينيون المعتدلون يعارضون ذلك لاسباب فلسطينية قومية، وهم لا يريدون ازدياد التمييز ضد الفلسطينيين مواطني إسرائيل في أعقاب تعاظم دور يهود الشتات في القرارات الحاسمة في مجال السيادة الإسرائيلية.
نشأت هنا ظاهرا أرضية مشتركة لاتفاق مصيري بين إسرائيل وبين الوطنية الفلسطينية في موضوع الاعتراف المتبادل في حق تقرير المصير الوطني. ولكن ليس كذلك. فللإسرائيليين في عصر نتنياهو لا يكفي اعتراف الفلسطينيين الواضح بحق اليهود الإسرائيليين في تقرير المصير. فهم يطالبون الفلسطينيين بان يتبنوا التعابير واللغة الصهيونية، ليس أقل.
يطالبون الفلسطينيين بان يوافقوا على ما ليس ثمة يقين بانهم هم أنفسهم مستعدون لان يوافقوا عليه: ان يكون لملايين اليهود في العالم تأثير أكبر فأكبر على مصير الدولة القومية للشعب اليهودي.
كل هذا في الوقت الذي لا يشاركون فيها في تجربتها ومشكوك أن يكونوا سيشاركون فيها في المستقبل.
ألا يشكل تنكيلا لذاته بالشعب الفلسطيني وتضليلا عديم المسؤولية للشعب اليهودي الإسرائيلي؟ من هنا إذن هو الرافض للسلام؟
هآرتس