هل ما زالت روسيا دولة إقليمية ضعيفة؟ عامر نعيم الياس
في آذار 2014، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر صحافي في ختام قمة الأمن النووي في لاهاي الهولندية، إن «روسيا لا تشكل التهديد الرئيس للولايات المتحدة الأميركية»، ووصف أوباما روسيا بأنها «دولة إقليمية تهدّد من منطق الضعف لا القوة بعض جيرانها».
يبدو أن الإدارة الأميركية لم تخرج في سياق تناولها التطورات الأخيرة في سورية عن هذا المنطق، فالأميركيون رفضوا استقبال وفد برئاسة رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف لمناقشة التنسيق بين الحكومتين الأميركية والروسية في شأن سورية وغيرها من القضايا الخلافية على المسرح الدولي بين الدولتين والتي تمتد من أوكرانيا، وصولاً إلى الدرع الصاروخية وتوسّع الناتو، وليس انتهاءً بالوجود العسكري الروسي في سورية وملف الحرب على الإرهاب في ساحتيه السورية والعراقية، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد.
ففي سياق البروباغندا الأميركية الموجهة للضغط على موسكو في ما يخصّ الحرب الدينية أو «الصليبية» تحديداً، والحديث عن تكاليف الحملة الروسية في سورية، يظهر جلياً أن الإدارة الأميركية كما النخب لا تزال تراهن على دفع موسكو للتخلي عن مغامرتها في سورية عبر الضغط الإعلامي المكثّف، والرهان على ترك الروس يغرقون في «المستنقع السوري» عبر دعم الميليشيات الإسلامية في سورية بالعتاد والتي كان آخرها تزويدهم من الجو بخمسين طناً من الأسلحة غاب عنها تعبير «الأسلحة غير القاتلة»، وذلك في ضوء انكفاء إدارة أوباما بشكل لا جدال فيه عن التدخل العسكري المباشر في سورية، وهو بطبيعة الحال الموقف الرسمي لحلف شمال الأطلسي.
معهد ستراتفور الأميركي للدراسات يراهن في سياق الحملة الإعلامية على ما سمّاه «تكاليف الحملة الروسية الموسعة» والتي ستبطئ في حال شملت العراق «الوتيرة المعتدلة نسبياً للأعمال في سورية»، فهل نحن أمام وتيرة معتدلة حتى اللحظة للعمليات الروسية الجوية في سورية؟
خلال 16 يوماً من بدء العمليات الجوية الروسية في سورية تقدم الجيش السوري على محاور عدة في طول البلاد وعرضها، بدايةً من الجنوب في محافظة درعا، حيث سيطر على مقر اللواء 82 وتقدم باتجاه مدينة الشيخ مسكين، فضلاً عن سيطرة الجيش والقوات الرديفة على حي المنشية في مدينة درعا، من دون أن نغفل هنا التقدم في محافظة القنيطرة. وفي الوسط تابع الجيش تقدّمه في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، حيث باتت منطقة سهل الغاب خارج إطار لعبة الضغط الأميركي الغربي ــــ التركي على وسط البلاد التي تشكل الخزان الاستراتيجي للدولة السورية. ومن الوسط بدأ استهداف ريف إدلب الجنوبي تمهيداً للعملية المقبلة في الشمال عموماً. أما عاصمة الشمال، محافظة حلب، فقد أُعلن عن بدء العمليات في ريف حلب الجنوبي الغربي ومن محاور عدة، فضلاً عن التقدم في الريف الشرقي للمدينة، من دون أن نغفل دلالات سيطرة ما يُسمّى «وحدات حماية الشعب الكردي» على حي الشيخ مقصود داخل مدينة حلب، وأثر ذلك على الميليشيات المتمركزة في القسم الشرقي من المدينة.
وفي ريف اللاذقية الشمالي وصلت طلائع القوات السورية إلى محيط مدينة سلمى والميليشيات هناك في حالة ارتباك نتيجة الضغط الميداني للجيش السوري، فيما أعلنت مصادر سورية أن العملية في محيط مدينة دمشق وتحديداً في الريف الملاصق للعاصمة ستبدأ قريباً، هذا ما يفسّر اشتعال جبهة جوبر وحرستا خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية.
إذاً، ما عجزت الميليشيات المرتبطة بتركيا والغرب واشنطن عن تحقيقه خلال سنة من بدء حملة أوباما على سورية والعراق، حققه الروس في غضون أقل من ثلاثة أسابيع.
من ناحية أخرى، يدرك الروس حجم التحديات التي ستواجهها عملياتهم كلما اقتربوا من معاقل الميليشيات الإسلامية على الحدود السورية التركية، وفي مدينة حلب، فضلاً عن محيط العاصمة دمشق، ويعلمون أن ما يجري الآن هو مجرد انسحاب للمسلحين من مناطق لا تشكل أولوية بالنسبة إليهم وإعادة تمركزهم في مناطق تشكل معركة الفصل على أكثر من جبهة، وبالتالي هم يؤمنون الموارد اللازمة للبقاء في سورية على المدى الطويل. ولعل حديث الرئيس بوتين عن ربط التواجد الروسي «بالمدة الزمنية لتقدم الجيش السوري» على الأرض، خير دليل على الاستعداد الروسي، فضلاً عمّا قاله معهد ستراتفور في دراسته حول تكاليف الحملة الروسية في سورية والتي تناقض ما تراهن عليه الدراسة، إذ جاء فيها «أظهرت التجربة الأخيرة في سورية أن روسيا قادرة تماماً على إنشاء قاعدة جوية فعالة في نحو شهر. وهذا يشمل جلب الروس لتشغيل القاعدة الجوية ونشر أنظمة الدعم اللوجستي وتوفير قوة الحماية».
لكن على رغم ما سبق، فإن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال مصرّة على رؤيتها الخاطئة لروسيا ودورها، وهو أمرٌ تدركه موسكو وتستغله في توسيع دائرة نفوذها الدولي لاستجلاب اعتراف أميركي بدورها غير القابل للنقاش في عالم متعدد الأقطاب، على أمل أن يبدأ تغيير تقدير الموقف الأميركي من سورية.
(البناء)