تونس: «النهضة» ولعبة الانتخابات عامر نعيم الياس
بعد أقلّ من شهر على الانتخابات التشريعية التونسية، توجّه الناخبون التونسيون إلى مراكز الاقتراع مرّة أخرى لانتخاب رئيس الجمهورية الأوّل للبلاد بالاقتراع المباشر. ووفقاً للنتائج الأولية للانتخابات التي شارك فيها 27 مرشّحاً، انحصرت المنافسة بين الباجي قائد السبسي مرشح حزب «نداء تونس»، إذ رجّحت الاستطلاعات حصوله على ما بين 42.7 و47.8 في المئة من الأصوات، مقابل 26.9 و32.6 في المئة للمنصف المرزوقي رئيس تونس الحالي، ما يفتح الباب أمام إجراء جولة ثانية للانتخابات الرئاسية في الثامن والعشرين من الشهر المقبل.
إن تقاسم الأصوات بين مرشّح حزب «نداء تونس» والمنصف المرزوقي المدعوم ضمناً من حزب «النهضة» الإخواني، يعكس التأثير والنفوذ الكبيرين اللذين كا زال النهضة يتمتع بهما على رغم تراجعه في الانتخابات التشريعية التي جرت الشهر الماضي، وخسارته حكم البلاد، إذ حصل على ما نسبته 31.8 في المئة من أصوات الناخبين، أي 69 مقعداً في البرلمان التونسي بتراجع قدره عشرون مقعداً عن انتخابات عام 2011. والجدير ذكره أنّ مجلس شورى «النهضة» وهو أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب، كان قد أعلن عدم ترشيح أيّ شخص من أعضائه للانتخابات الرئاسية، وعدم تفضيله أيضاً أيّ مرشّح من المرشّحين للانتخابات الرئاسية. فما دلالات ذلك في ضوء نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية؟
تشير التسريبات الإعلامية إلى أنّ المنصف المرزوقي حاز النسبة العليا من أصوات الناخبين في محافظات جنوب تونس، وبعض المحافظات الواقعة غرب البلاد، والتي شكّلت مهد التحرّكات نهاية عام 2010 ضدّ الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وهي ذاتها المحافظات التي يتمتع فيها «النهضة» بنفوذٍ واسع. الأمر الذي يضع إعلان «النهضة» عن عدم تفضيله أي مرشّح في ميزان الابتزاز الضمني لحركة «نداء تونس»، وتسليفها موقفاً مع الاحتفاظ بورقة ضغط متمثلة بالمرزوقي وحلوله في المركز الثاني، للدخول في عملية تفاوض واسعة فرضتها نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية التونسية. وبهذا المعنى فإن «النهضة» بعدم ترشيحه أيّ شخصٍ من كوادره وعدم دعمه العلني أحداً، ضرب عصفورين بحجرٍ واحد. فهو حاول إثبات قوّته بشكل غير مباشر، وترك الباب مفتوحاً للحوار مع أيّ طرف لإعادة إنتاج شكل الحكم في تونس، مع مراعاة إدراك «النهضة» انقلاب المزاج الشعبي العام عليه، والتسليم بقيادة حزب «نداء تونس» المرحلة المقبلة في البلاد.
إن نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية تبدو شبه محسومة للباجي قائد السبسي، ما سيعني بداية مرحلة جديدة في تونس على المستويين الداخلي والخارجي. فبالنسبة إلى الداخل، من المتوقع أن تساهم الانتخابات الرئاسية في دفع عجلة تشكيل الحكومة التونسية إلى الأمام مع اتضاح الإطار العام لشكل الحكم التونسي خلال السنوات المقبلة، إذ يتم تداول عدد من السيناريوات من أجل تشكيل حكومة ائتلافية لحكم البلاد مع عجز أيّ طرف عن حكمها بمفرده. أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فيتمتع الرئيس التونسي بصلاحيات واسعة وفق الدستور، إذ يشارك بشكل فاعل في إعداد سياسات الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية. كما أنه رئيس أركان القوات المسلّحة بحكم منصبه كرئيس للجمهورية. واستناداً إلى هذه الصلاحيات، ومع أرجحية فوز السبسي، فإن سياسات تونس ستشهد تحوّلاً نوعياً على مستوى مقاربة الوضع في سورية يشابه إلى حدّ ما السياسات التي يتّبعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. كما أنّ الانتخابات ستفرز علاقات أكثر قوّة مع دول الخليج التي تعارض حكم الإخوان وعلى رأسهم السعودية، ما يعني دعماً أوسع لبرنامج حزب «نداء تونس» على المستوى الاقتصادي، في ظل أزمة معيشية تعيشها تونس في الوقت الحالي.
(البناء)