بوتين يتقن تسجيل الاهداف واوباما يستنهض التحريض ولغة العداء د.منذر سليمان
لماذا انتظرت موسكو
تساءل عدد لا بأس به من الخبراء الاستراتيجيين في الساحة الاميركية ان كان قرار الرئيس الروسي بوتين الانخراط العسكري المباشر في سوريا قد اتى متأخرا بعض الشيء. التساؤل مشروع بل له ما يبرره، واتى بخلفية تجسيد لاستراتيجية روسيا بتكريس تعدد القطبية ومنافسة الولايات المتحدة على المسرح الدولي وتشبثها بقواعد القانون الدولي .
سبق التساؤل “استهانة” اميركية بمكانة وقوة روسيا، مطلع العام الماضي، جاءت على لسان الرئيس الاميركي اوباما عقب استعادة روسيا سيادتها على شبه جزيرة القرم، آذار 2014. وصف الرئيس الاميركي روسيا بأنها “قوة اقليمية .. تهدد محيطها من موقف ضعف؛” رافضا توصيفها بقوة دولية، كما ورد على لسان عدد من خصومه السياسيين في الداخل. قواعد السياسة الدولية لا تشذ كثيرا عن نزعة الفرد تسجيل نقاط على خصمه.
رؤية المؤسسة الحاكمة الاميركية التقليدية لاطراف الصراع في سوريا تتلخص بسطحيتها وازدرائها للآخر، كما عبر عنها مرارا بعض اقطاب المؤسسة الاميركية الذين يعتقدون ان “العرب والاتراك يمارسون ازدواجية المواقف ويتشاطران القسوة؛ البريطانيون شركاء تابعين ومتغطرسين؛ الفرنسيون ليسوا لاعبا يحسب له حساب؛ الصينيون يميزهم الغموض؛ والروس يلعبون بالساحة الدولية كرقعة شطرنج.” اما الدول الاخرى بالنسبة لاميركا “كلها دول صغيرة وهامشية باستثناء الولايات المتحدة التي لا يمكن الاستغناء عنها؛” كما ورد في تصريحات مسؤولي ادارة الرئيس الاسبق بيل كلينتون.
لم يتوقف سيل التوصيفات الاميركية العدائية لروسيا منذئذ واعتبرها كبار قادة الكونغرس بأنها “اضحت تشكل تهديدا وجوديا” للولايات المتحدة، وليس عسكريا واستراتيجيا فحسب. اقدام روسيا على انخراط عسكري مباشر في سورية طبع حال الاوساط الاميركية بالذهول والمفاجأة، وهي التي روجت لاندلاع “حرب أهلية” في سوريا.
توصيف الصراع بالحرب الاهلية لم يعد ينطلي حتى على بعض اركان المؤسسة الاميركية الحاكمة عينها. وفندت صحيفة “نيويورك تايمز” التوصيف في عددها الصادر يوم 27 أيلول الماضي بالتساؤل “اين هي الحرب الأهلية؛” موضحة “تدفق نحو 30،000 عنصر اجنبي لسوريا” في غضون بضعة اشهر “منهم ازيد من 250 اميركي بزيادة صافية عن انضمام 100 عنصر العام المنصرم.” واردفت نقلا عن مصادرها “الاستخباراتية والأمنية” الموثقة ان “ما يقرب من 30،000 مقاتل أجنبي دخل الاراضي السورية والعراقية منذ عام 2011 ينتمون لأكثر من 100 دولة.”
تحذيرات واشنطن من ارتداد حملات التجنيد للقتال في سوريا تزامنت ايضا مع تحذيرات مشابهة اطلقها رئيس وزراء فرنسا، مانويل فالس، تحت قبة البرلمان الفرنسي اوضح فيها ان ما لا يقل عن 1،800 مواطن فرنسي انضم “للشبكات الجهادية العالمية،” قتل منهم 133 عنصرا ولا يزال 500 آخرون في ساحتي سوريا والعراق.
موسكو بعيون اميركية
جولة فاحصة لتوجهات المسؤولين الاميركيين وتصريحاتهم وردود فعلهم على سياسة موسكو السورية تؤدي لاستشعار تباين في لهجة خطابها السياسي ورؤية فريق خبرائها واخصائييها الاستراتيجيين والعسكريين على السواء.
ابرز الخبراء الاستراتيجيين في المؤسسة الاميركية، زبغنيو بريجنسكي، المسكون بهاجس العداء لروسيا حث الرئيس اوباما وادارته على “تهديد روسيا بردٍ قاسٍ ان لم تتوقف عن استهداف الاستثمارات الاميركية في سوريا.” وحذر بلاده بالقول ان “مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الاوسط اضحت على المحك .. ان استمرت روسيا باستهداف تجمعات قوى لا تنتمي لداعش، فينبغي على الولايات المتحدة الرد.”
وزير الدفاع الاميركي، ممثلا لصناعات الاسلحة والشركات الكبرى واقطاب الحرب، اضحى يناشد “روسيا التدخل لدى (الرئيس) الاسد بغية التوصل لحل سياسي.” هذا التحول نضج بعد اقرار الادارة الاميركية “تعليق برنامجها لتدريب وتسليح قوى المعارضة السورية” بكلفة مادية باهظة تعدت 500 مليون دولار واسفر عن بضعة افراد لا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة.
في الشق المقابل، تبلورت رؤية بعض اهم الخبراء لتعيد التوازن للخطاب الاميركي الذي يرى “الآن” التدخل الروسي المباشر “يرمي لتعزيز مكانة روسيا عالميا، واستعراض قوتها ونفوذها الديبلوماسي .. ورسالة موسكو لحلفائها بأنها ثابتة في توفير الدعم لهم، بخلاف واشنطن.”
واضاف اولئك كبار الخبراء ان روسيا انتهت من خطوتها العسكرية في سوريا تنتظر نتائج حملتها الجوية على المسلحين والارهابيين “وردود فعل الدول الغربية والاقليمية .. وان يشكل تدخلها عنصرا ضاغطا على واشنطن وحلفائها الغربيين لتعديل موقفهم من الحل الديبلوماسي واقرارهم بعدم جدوى القفز عن الرئيس السوري.”
وسعيا لمواساة النفس، اعرب فريق الخبراء عن شكوكه في قدرة روسيا “نشر قوات عسكرية (في سوريا) تكفي لشن حرب برية تحت قيادتها على غرار ما فعلت في اوكرانيا وجورجيا او افغانستان .. لا سيما ان ساحة القتال السورية بعيدة عن حدود روسيا.” واقصى ما تخشاه واشنطن في سوريا ان يثمر التدخل الروسي ويؤدي الى “تسريع السقوط والحاق الهزيمة بقوى المعارضة،” المدعومة اميركيا والحلفاء الاقليميين.
على الرغم من العداء الاميركي المتجذر لروسيا، فقد اقر بعض خبرائها في الاستراتيجية بقدرة “القوات العسكرية الروسية وحليفها السوري على سحق المقاتلين الاسلاميين” في زمن قصير “ومضاعفة نفوذ موسكو والتأثير على صياغة مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في منطقة مضطربة وساحة اشتباك محورية في منطقة الشرق الاوسط.”
اتسعت رقعة الغارات الجوية الروسية فوق الاراضي السورية وشملت تجمعات ومراكز قوى المعارضة وبالقرب من الحدود المشتركة مع تركيا، وشرقا في محيط مدينة تدمر، فضلا عن شنها سلسلة غارات في محافظة وريف دمشق.
اعنف الغارات الجوية استهدفت تجمعات المسلحين في خاصرة سوريا الوسطى، حمص وحماة، والتي اثارت غضب وارتياب واشنطن وحلف الناتو بالزعم انها لم تستهدف “مصدر التهديد الاكبر، قوات الدولة الاسلامية.”
عمدت روسيا الى توسيع رقعة القصف واطلاقها صواريخ متوسطة المدى من على متن سفنها الحربية المرابطة في بحر قزوين، قطعت مسافة نحو 1،500 كلم عبر الاجواء الايرانية والعراقية استهدفت 11 موقعا للمجموعات المسلحة. واقترن القصف البعيد بعملية برية واسعة للجيش السوري على مواقع وتجمعات ومقار المجموعات الارهابية.
الصواريخ المنطلقة من بحر قزوين حملت “رسائل رعب” لاطراف اقليمية متعددة، ربما تفوق فعاليتها ما حملته من رؤوس متفجرة. الرسالة المحورية كانت باتجاه واشنطن وحلفائها الغربيين بشكل خاص رمت الى الكشف عن “بعض” التقنية العسكرية الدقيقة للترسانة الروسية، من شانها ردع نزعات الغرب لمحاصرة روسيا واقلاعها عن شن حرب عليها.
يشار في هذا الصدد الى حادثة اختراق طائرة روسية، ربما بدون طيار او من طراز ميغ-29، المنطقة الحدودية مع تركيا وما تسرب عن قيامها بتعطيل اجهزة الملاحة الجوية لثماني مقاتلات من طراز اف-16 لمدة اربع دقائق ونصف الدقيقة تابعة لسلاح الجو التركي، وما ينطوي عليها من رسائل تقرن اقوال موسكو بافعالها، ووضع نهاية قاسية لحلم اردوغان بانشاء منطقة حظر للطيران في الاراضي السورية.
اوجز المعلق البارز في صحيفة “الاندبندنت” البريطانية، باتريك كوبيرن، نتائج الغارات الجوية الروسية على تركيا بان قواعد الاشتباك قبلها ليست كما بعدها، ورفعت كلفة “الغزو البري التركي للاراضي السورية عليا ومغامرة غير محسوبة النتائج.” واضاف ان قوات الدفاع الجوي الروسي اضحت تسيطر على الاجواء السورية “وعازمة على الدفاع عن سيادة الحدود السورية.”
ادرك الخبراء العسكريون الاميركيين مغزى رسالة موسكو متعددة الاطراف، لا سيما بتعزيزها حضورها البحري بالقرب من الشواطيء السورية بطوافة ومدمرة وفرقاطتين لتنضم الى القطع البحرية الاخرى، شاركتها ايضا حاملة طائرات للبحرية الصينية تحمي الاجواء والشواطيء السورية، لاول مرة في تاريخ جمهورية الصين الشعبية.
كما ادرك اولئك نية موسكو بعدم الاشتباك الجوي مع طائرات حلف الناتو باقتصارها استخدام مقاتلات من طراز سوخوي-30 وقاذفات سوخوي-34 ومقاتلات سو-25 للدعم الجوي ومروحيات مقاتلة من طراز ام اي-24، في استهداف التجمعات والمراكز الارضية. وحذر الفريق عينه من تداعيات القوة الروسية “وترويع دول اخرى لتفادي الاشتباك مع موسكو حول المسألة السورية .. وامكانية فوز الرئيس الروسي بتأييد قادة جدد في الشرق الاوسط للنهوض وتشكيل جبهة واسعة لمكافحة الارهاب واستغلال قلقهم من تراجع عزم وتصميم الولايات المتحدة” القيام بالمثل.
ميزات القوة الروسية
لعل من اهم عناصر القوة الميدانية المتوفرة لروسيا الحضور الفعال لقوات حلفائها البرية المكونة من الجيش العربي السوري ورديفه من مقاتلي حزب الله وعناصر استشارية ايرانية من العسكريين. تراكم الانجازات الميدانية في فترة زمنية قصيرة كشفت مواطن الضعف لدى الفريق الآخر في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وفضح زيف ادعاءاته بشن ما ينوف عن 9،000 غارة جوية ضد تجمعات داعش ومشتقاته، دون تحقيق نتائج ملموسة.
الانجازات الميدانية السريعة لروسيا وحلفائها “احرجت” الولايات المتحدة التي سارعت لادخال بعض التعديلات على استراتيجيتها لا سيما داخل الاراضي العراقية، خاصة لتحول انظار الحكومة العراقية نحو موسكو طلبا لمعاونتها في مكافحة تمدد تنظيم الدولة الاسلامية.
نظرة سريعة على مهام سلاح الجو الروسي فوق الاجواء السورية، وخاصة استخدام مقاتلات سوخوي-25 ومروحيات ام آي-24، تدل على فعاليتها في ملاحقة التجمعات والتشكيلات العسكرية، وقدرتها على توفير الدعم والحماية للقوات البرية الحليفة. ربما تتراجع فعالية تلك الاسلحة في غارات بعيدة المدى.
بالمقابل، ركيزة سلاح الجو الاميركي من مقاتلات اف-16 تتراجع فعاليته في القتال البري، بل نال سوء السمعة لتوفير دعم جوي غير دقيق مقارنة مع مقاتلات ايه-10 للدعم الجوي. تتضح المفارقة في خطل الاعتماد على مقاتلات اف-16 مقارنة بـ ايه-10 التي تنشرها الولايات المتحدة في دول اوروبا الشرقية لمواجهة الدبابات والمدرعات الروسية.
التحديات اللوجستية لروسيا
يلتزم الخبراء العسكريون الاقتداء بالقول المأثور بأن “الهواة يتحدثون بالاستراتيجية والتكتيك، والمحترفون يناقشون الترتيبات اللوجستية.”
الغارات الجوية الروسية المكثفة استندت بقوة على الطائرات المقاتلة وسبل دعمها وحمايتها، وفعاليتها العملياتية تعتمد ايضا على اعمال صيانة متواصلة وتوفر قطع الغيار بوتيرة مستمرة. استمرار الغارات يضاعف من الاعتماد اللوجستي على كل مال يتعلق بابقاء الجهوزية لسلاح الجو.
بدأت روسيا حملتها بانشاء جسر جوي مباشر بين قواعدها داخل روسيا وسوريا، وما ينطوي على تلك المهام من بقاء الجسر مفتوحا للتزود بما تقتضيه العمليات والمتطلبات الميدانية. مقارنة بالامكانيات والموارد الاميركية العالية، فان ما يتوفر للترسانة الروسية ادنى مما لدى نظيرتها الاميركية والتي تحتفظ بعدد من القواعد العسكرية المتنوعة في بلدان المنطقة. كما ان الجسر الجوي الروسي حديث النشأة والمهام في القرن الحادي والعشرين.
المحافظة على وتيرة الغارات الجوية يستدعي مسألة توفر سبل الدعم للقوات المقاتلة، لا سيما ما يتوفر لدى مفرزة قتالية من اطقم طيران وقوات اسناد ارضية تكفي لاداء مهمة القيام بشن سلسلة غارات يومية تحافظ على ديمومتها وفعاليتها. ان اي خلل او اخفاق في هذه النواحي المترابطة والمتداخلة سيقوض وتيرتها ويقلص عدد الطلعات اليومية مع استمرار نزيف الكلفة المادية.
عند الاخذ بعين الاعتبار كافة العناصر الضرورية لتنفيذ مهام عسكرية بالغة التعقيد يتضح ان روسيا درست ذلك واعدت له جيدا، بمعدل طلعة جوية واحدة لكل طائرة مقاتلة يوميا، وهو أمر قابل للتنفيذ والادامة لفترة زمنية طويلة تتضاعف فعاليته طردا مع العمليات البرية للجيش العربي السوري وحلفائه.
خيارات حلف الناتو
لم تنتظر روسيا ردود فعل خصومها في حلف الناتو وبادرت لبسط سيطرتها على الاجواء السورية وملاحقة المقاتلات الاميركية والتركية الى خارج الاجواء، كما اسلفنا في حادثتي الثالث والرابع من الشهر الجاري. الـتأم شأن حلف الاطلسي بعقده لقاءا عاجلا في اليوم التالي، 5 تشرين1، وخرج الجانب الاميركي بنتيجة مفادها ضرورة تجنب الاشتباك المباشر مع المقاتلات الروسية تقتضي تعديل مسار المقاتلات الاميركية في تلك المنطقة.
اقطاب معسكر الحرب الاميركيين، لا سيما بريجنسكي، اصابهم الذعر والاحباط من المتغيرات الجيوسياسية، وشنوا حملة اعلامية شرسة ضد القيادة الروسية لتجرؤها على “تخريب خطة الهيمنة الاميركية على المنطقة.” جدير بالذكر ان بريجينسكي يعد “الاب الروحي” للتيارات والمجموعات الاسلامية المتشددة، ومهندس اطلاق حركة طالبان في افغانستان في اوج الحرب الباردة.
اجواء دول حلف الاطلسي تتسم بعدم الانسجام والتباين لناحية طبيعة الرد على التدخل الروسي في سوريا، في ظل تجربته مع الازمة الاوكرانية، وضجره من عدم قدرة الدول الثماني والعشرين اعضاء الحلف على تعديل ميزان القوى لصالحها هناك.
حلفاء اميركا المخلصين في لندن وباريس يناشدون الدول الاخرى الموافقة على نشر القوة العسكرية حديثة النشأة وقوامها 5،000 جندي لمهام التدخل السريع بعيدا عن حدود دول الحلف، نظرا للحاجة الميدانية في كل من سوريا وليبيا.
دول اوروبا الشرقية سابقا، لا سيما بولندا ودول البلطيق التي تشترك حدوديا مع روسيا تتطلع لنشر قوات الحلف مباشرة على اراضيها بصورة دائمة كقوة ردع للسياسة الروسية. تركيا التي تذرعت بتعرضها لخطر الحرب فازت بنشر مزيد من بطاريات صواريخ الباتريوت على اراضيها، عام 2013، اضطرت الانحناء لعاصفة التغيير واعادة تلك البطاريات وطواقمها العسكرية المرافقة لقواعدها السابقة في المانيا وهولندا قبل نهاية العام الجاري.
حقيقة المبادرة الروسية
يجمع عدد من الخبراء العسكريين الاميركيين، بشكل حصري، على عزم موسكو استغلال تباين المواقف والرؤى داخل دول حلف الاطلسي وتوظيفها لصالح سياستها في اوكرانيا التي يقف الحلف عاجزا امام تحول ميزان القوى لصالح روسيا. كما ان بعض اقطاب حلف الناتو الرئيسيين، المانيا وفرنسا تحديدا، ادركوا اهمية التوصل لارضية عمل مشتركة مع روسيا للتصدي للارهابيين ومرابضهم للحيلولة دون عودتهم لاراضيها، فضلا عن منافع التعاون في الحد من تفاقم ازمة هجرة اللاجئين للاراضي الاوروبية.
اقتصرت الحملة الروسية على توفير الدعم الجوي للقوات السورية وحلفائها، امر ادركه قادة حلف الناتو سريعا، والتعايش مع عزم موسكو حماية الاجواء السورية واخراجها من حسابات اسلحة الجو المختلفة تحت تصرف حلف الناتو.
استطاع الطرفان، روسيا وحلف الناتو، التوصل لصيغة “تعايش” مشتركة وفق قواعد الاشتباك الجديدة، على الرغم من التصريحات الاعلامية عالية الوتيرة ونبرة التحدي في واشنطن. تصريحات اركان الادارة الاميركية، لا سيما وزير الدفاع، عززت تلك القراءة باقرارها فشل خططها السابقة “لتدريب وتسليح .. 15،000 عنصر سوري مقاتل،” نواة جيش جديد يحل مكان الجيش العربي السوري بعقيدة مغايرة تهادن الغرب ومخططاته.
اوضح وزير الدفاع ومسؤولين اميركيين آخرين ان “تعليق” برنامج التدريب سيتحول الى تزويد “قادة تشكيلات عسكرية” في المعارضة السورية المسلحة بمعدات قتالية. الناطق باسم وزارة الخارجية، جون كيربي، اوضح متلعثما ان “الغارات الروسية لن تحد من سبل التعاون بين الادارة الاميركية وروسيا ..” اعتبر تصريحه اشارة ملتوية لقرار اميركي “القبول بالرئيس الاسد .. في ظل غياب سياسة عسكرية اميركية لمواجهة روسيا في سوريا.”
تردد في الآونة الاخيرة، نقلا عن مسؤولين كبار في البيت الابيض، توصل ادارة الرئيس اوباما الى قرار “أليم” مفاده ان “بقاء الرئيس الاسد في السلطة يخدم المصالح الاميركية،” وما ينطوي عليه من تأييد للتدخل الروسي العسكري هناك.
في التفاصيل، نسب الى مستشار الرئيس اوباما في مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الاوسط، روبرت مالي، حثه الرئيس اوباما على “بقاء الرئيس الاسد في السلطة كأفضل سبيل لبقاء باب التفاوض مع روسيا مفتوحا على مصراعيه والحد من تمدد وانتشار المجموعات الاسلامية المتشددة.”
ونقل ايضا عن معارضة كل من وزير الخارجية جون كيري والمندوب الدائم في الأمم المتحدة سامانثا باور للاستراتيجية “الجديدة،” لا سيما مواقفهما الثابتة المؤيدة لاقامة منطقة حظر للطيران في الشمال السوري.
للتوقف عند حصيلة الجدل السياسي داخل اروقة الادارة الاميركية تجدر الاشارة الى تباين التصريحات الرسمية نهاية الاسبوع الجاري، خاصة تشارة الناطق باسم الخارجية، جون كيربي، يوم الخميس 8/ اكتوبر الجاري، الى ان بلاده “تلمس تدهورا متزايدا” في سيطرة “النظام السوري .. نتيجة لجهود الولايات المتحدة دعم قوى المعارضة المعتدلة.”
في اليوم التالي، الجمعة 9/ اكتوبر، صرح وزير الدفاع آشتون كارتر ان الادارة الاميركية “ليست راضية عن النتائج الاولية” لبرنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية وستواصل “توريد الاسلحة لقادة معينيين في المعارضة.”
من المقرر ايضا التآم مجلس الأمن القومي مطلع الاسبوع المقبل للبحث في خطة تطبيق وقف اطلاق النار في مناطق متعددة من سوريا، بينما تمضي قدما الاتصالات الرسمية بين الادارة وروسيا لضمان عدم الاشتباك المباشر بينهما في الاجواء السورية.
ويسجل ايضا تراجع حدة التصريحات الرسمية الاميركية وتباكيها على استهداف روسيا لمواقع وتجمعات قوى المعارضة التي رعتها على امتداد الجغرافيا السورية.