عون على مدخل القصر الجمهوري: سنحارب العصابة! ملاك عقيل
تتناقص الأوراق تدريجاً بيدّ ميشال عون، من دون أن تفقده «القوة الضاربة» التي شَحنها بـ «المقوّيات الوطنية» مذ كان رئيساً لحكومة عسكرية ثم جنرالاً منفياً فزعيماً مسيحياً «رَجع» لـ «يربّي الجميع»!
لم يعد التعداد ينفع مع ميشال عون. لم تعد المسألة مسألة أرقام. ثمّة رجل مهجوس بمعارك استعادة الحقوق وإصلاح الاعوجاج، يؤازره شارع جاهز، لن يستكين قبل أن يحقّق مبتغاه حتى لو كان الثمن سقوط آخر هياكل المؤسسات الدستورية.
13 تشرين لا تزال ماثلة في أذهان من امتحن قدرة «الجنرال» على معاندة الاقدار المصنوعة بعجينة الحسابات الاقليمية، ورشّة ملح من حقد الداخل على ضابط يظنّ أنه يستطيع ان يصنع «تاريخاً» بنفسه.
بعد ربع قرن تكيّف الرجل.. لكنه لم يتغيّر. خرج من القصر ذات يوم «إلغائي»، ثم عاد اليه ليس بالبدلة البيضاء إنما مع فائض قوة قد يصعب على خصومه تفسيره. «انا الرئيس الذي لم انتخب.. بعد». لم يقلها «الجنرال» لكنه قَصَدها.
سيفهمها «على الطاير» من ينتظره على كوع تحديده لمواصفات الرئيس «لا يكون كيف ما كان، كما يريده البعض أن يكون، بيسمع الكلمة ويحني رأسه ويمشي. نريده على صورتكم ومثالكم. ليس كالحيادي الذي يخبّئ رأسه أو وفاقياً، بالمعنى الذي يقصدونه، أي أن يقسّم لبنان مناطق نفوذ ليرضي الجميع، ويشاركهم المغانم، أو بأحسن الأحوال، وإذا كان آدامياً، يتفرّج عليهم وهم يمتصّون دم لبنان واللبنانيين، متل الحالة التي نحن فيها اليوم».
طمأن عون «الجميع» بلهجة تقارب التهديد، بأن «التلاعب بالقوانين لن يمرّ مرور الكرام وسيدفعون ثمنه، والتلاعب بالاستحقاقات سيضعهم بموقع الاتهام، ويفضح عمالتهم للخارج»، مركّزا على «أولئك الذين يقاتلون بسيف غيرهم. نطمئنهم أن هذا السيف قرُب أن ينكسر». و «الطمأنة» وصلت الى حد الاعتراف «سنقاوم سلبا بالتعطيل»!
وتوجّه الى «الذين لم يندموا بعد، ومبسوطين بالجلوس على كراسي الحكم، إن ساعة الندم قد أتت، ولات ساعة مندمٍ»، داعيا إياهم الى عدم الرهان «لا على الوقت ولا على التعب ولا على الملل. وأبواب الجحيم لن تقوى على كسر إرادتنا».
ومن ظنّ ان عون سيقف منكسرا على منصة تحيي ذكرى «إنكساره» قبل ربع قرن، تفاجأ بخطاب يبشّر بأن ما سبق من «معارك» لم يكن سوى «بروفا» وذلك حين أكّد ان «هناك مرحلة جديدة من النضال بدأت وستكون نتيجتها التغيير ثم الإصلاح. التغيير من خلال انتخابات على أساس النسبية وإسقاط عناصر الفساد، وبعدها يأتي دورنا نحن بفرض الاصلاح». وفي تلويح واضح بأن ورقة الشارع ستبقى سارية المفعول قال «لا شيء يمنع من وقت لوقت أن نتنزّه نحنا وإياكن في شوارع بيروت».
لم تعد القاعات المغلقة والمنابر تفي بالغرض. في الرابع من أيلول، في ساحة الشهداء، قدّم الجنرال الغاضب دفعة «برتقالية» على الحساب. في الحادي عشر من تشرين الأول زاد منسوب المواجهة مع رافضيه فالتحق مزيد من المتظاهرين بـ «جبهة القصر».
الحنين الى المكان وذكريات 13 تشرين المؤلمة لم تكن فقط الحافز للحشد الكبير في مسيرة «التيار الوطني الحر» باتجاه «بيت الشعب». صارت المسألة في ذهن العونيين: نكون او لا نكون. تجاوزوا «حرتقات» بيتهم الداخلي، ونفضوا عنهم وعودا فارغة أتتهم من رموز في «التحالف الرباعي» الذي أقصاهم في العام 2005 في ذروة أوان قطف ثمار النضال، وضعوا «الترقيات» خلف ظهورهم، ومعها قيادة الجيش التي لن تذهب الى شامل روكز، ولبّوا دعوة التجمّع على مفرق القصر الجمهوري.
جهد المنظمين كان واضحا. الملتزمون اصطحبوا معهم «شجرة العائلة». ثمّة عونيون استدعوا من الاحتياط بعد أن تأقلموا مع فكرة ان الشارع لم يعد له دور في حبكة التسويات والتحالفات.
خلية «المركزية» في ميرنا شالوحي بإدارة مباشرة من جبران باسيل فعلت فعلها. الدعوة لملء ساحات بعبدا صدرت أولا عنه في 20 أيلول يوم تسلّمه رسميا رئاسة «التيار». وبناء عليه تابع شخصيا تفاصيل التحضير لليوم الكبير. لكن حين تكون الذكرى 13 تشرين يصعب حجب طيف «الجنرال» عن كل تفصيل. فيما كان باسيل يشقّ طريقه بصعوبة بين الحشود يقول لـ «السفير» إنها ذكرى 13 تشرين، لا كلمة اليوم إلا كلمة العماد عون.
وسط الكادر البرتقالي «المقتحم» لمنطقة عسكرية بامتياز، بدا العسكر غائبا تماما عن المشهد. لا قوات عازلة بين المتظاهرين وطلعة القصر، ولا إجراءات أمنية توحي بالاستنفار.
في نقاط بعيدة جدا عن التجمّع انتشرت وحدات محدودة من الجيش، أما القوى الامنية فاقتصرت مهامها، بأعدادها الرمزية، على قطع الطريق أمام السيارات على جميع المداخل المؤدّية للقصر الجمهوري. استرخاء أمني واضح كان نتيجة مباشرة للتنسيق المسبق بين المنظّمين ولواء الحرس الجمهوري حول حدود التظاهرة التي لم تتخطّ تقاطع القصر أمام مدرسة الحكمة.
قبل أن يطّل عون في كلمة سياسية انتظرها أركان ما تبقى من دولة ليبنوا على الشيء مقتضاه، كانت الامواج البرتقالية الدافقة من المناطق والأقضية تأخذ مكانها أمام منصة أعدّت لطلّة «جنرال» عاد الى بعبدا بعد 25 عاما، وفي الخلفية صورة عملاقة للقصر الجمهوري والمدّ الشعبي إبّان حكومة عون العسكرية.
بالتأكيد، وعكس ما روّج كثيرون، لم يرفد «حزب الله» التظاهرة بمجموعات من الضاحية، لكن «ستايله» في التنظيم كان حاضرا. عناصر من «الانضباط» بشارة برتقالية انتشروا بكثافة بين الحشود حاملين أجهزة لاسلكية. لم ترصد صورة واحدة لنصرالله باستثناء يافطة قالت أكثر من الصورة «لن تركع أمة قائديها عون ونصرالله».
وفد متواضع من بلدة القصر (الهرمل) يهتف لعون بخجل. «اتينا من أجله ومن أجل السيّد». مشاركة رمزية تقابلها رسائل رمزية أخرى بكافة الاتجاهات: شامل روكز يحضر في الصور «نودّعك قائدا لنستقبلك رئيسا». ولـ بوتين «حصة الاسد» في الحشد المفعم بالمعنويات. صور الرئيس الروسي وجدت مكانها بسهولة الى جانب صور «الجنرال» مع تعليق وَصَلَ بعبدا بموسكو «اجاكن فلاديمير يا بلا ضمير».
تقمّص بيار رفول، المنسّق العام لـ «التيار»، حقبة 1989 ـ 1990. تولّى القصف بأكثر من اتجاه مجيّشا الجموع المحتشدة على أبواب القصر. وتَضامُن مع زحلة الحزينة واستذكار لـ «البيك» ايلي سكاف «الذي يرافقنا من فوق».
اللقاء الجامع في بعبدا شكّل فرصة لتوسيع النادي العوني. على يسار الطريق المؤدّية الى موقع التظاهرة نصبت خيمة أعدّت خصيصا للانتساب الى «التيار» مع دعوة «لايف». يحمل أحد الناشطين مكبّرا للصوت وينادي على الحاضرين «انتسبوا الى التيار الآن.. نحن بانتظاركم».
شهادات في الاحتفال.. وكلمة عون
احتفال ذكرى 13 تشرين، أمس، بدأ بوضع الوزير جبران باسيل اكليلا من الزهر على لوحة تذكارية للشهداء، ليقدّم بعد ذلك كلّ من كوليت زعرب زوجة الشهيد زعرب والعميد المتقاعد فؤاد الأشقر والعميد المتقاعد ميشال عوّاد شهادة حياة، سردوا فيها وقائع الأحداث التي جرت معهم في تلك الفترة.
بعدها توجّه عون الى الحشود قائلا «الاشكالية الكبرى ان جميع الذين حكموا لبنان بعد 13 تشرين استمرّوا في حكمه بعد التحرير»، مشيرا الى «أنها المرة الأولى في التاريخ التي يرحل فيها المحتل ويبقى في الحكم من كان يزحف أمامه أيام الاحتلال».
وشدّد على ان «الطبقة السياسية التي حَكمت البلد 25 سنة وتحكّمت بكل شيء فيه، هي المسؤولة عن الانهيار الحاصل اليوم». وقال «بفضلهم صار لبنان كالهيكل العظمي، ينتظر أعجوبة تحييه من جديد».
ولفت الى ان هناك «مجموعة تعتمد السياسة الكيدية وتعرقل المشاريع التنموية»، مؤكدا «اننا سنحارب هذه العصابة».
وقال عون «إذا اتهمونا اليوم أننا نعطّل مؤسسات، فلهم نقول: صحيح، نحن نعطل»، لافتا الى «اننا نعطّل فقط قراراتكم السيئة وانحراف المؤسسات التي لم تعد تنتج برعايتكم إلا الفساد واستغلال النفوذ وتجاوز النصوص الدستورية والقانونية وتخطي الميثاق»، ومؤكدا «لن نساهم بهذا الشيء، على العكس سنقاومه، سلباً بالتعطيل، وإيجاباً بمحاولات التغيير بصورة مستمرة».
ولفت الى ان «أكثر مؤسسة وطنية أصابها التعطيل والضرر هي مؤسسة الجيش، بسبب التلاعب بقوانينها من دون مسوّغ قانوني ومن دون حاجة، مما أثر سلباً على معنويات الضباط».
اضاف «بعدما استولى الوزير على صلاحية الحكومة وصار يمارس منفرداً أخد القرارات مكانها، صرنا نخاف من ان يصيب التمديد كلّ الحكومة، ويصير لكل وزير نمطه الخاص، فيمدّد على مزاجه، ويعمل ما يحلو له.. وهذه ليست مزحة، هذا موضوع خطير جداً لأنّه يفكّكك الدولة».
وقال: صار كل شي عنا «عياري»، حتّى حكومتنا «عياري»، إذ كان يجب أن ترحل منذ زمن لو انتخبنا رئيساً للجمهورية. ولكنّها، لا تزال موجودة لليوم وممدّد لها. والأمر نفسه ينسحب على مجلس النّواب الممدّد له منذ وقتٍ طويل».
وبعد التوقف عند خيارات «التيار» تجاه الربيع العربي وحرب تموز والموقف من الارهاب قال عون «إن الأيام أثبتت أن خياراتنا في كل مرة تنقذ الوطن، وربما لهذا السبب تشنّ علينا هذه الحرب الشرسة، ومن كل الجهات»، معتبراً أنها «الحرب الكونية عا العونية».
(السفير)