الاستراتيجية الأميركية البديلة في سورية: إصرار على الفشل عامر نعيم الياس
اهتمت الصحافة الغربية الصادرة لهذا الأسبوع بالاستراتيجية الأميركية البديلة في سورية والتي تأتي بعد نجاح التدخل العسكري الروسي المباشر في خلط الأوراق على الساحة السورية ووضع حدٍّ نهائي للاستراتيجيات الأميركية والتركية والخليجية في سورية، رغم محاولات الإنكار الإقليمية لهذا الأمر. لكن اللافت في تلك الاستراتيجية التي سنتناول بنودها بالتفصيل هو عدم تضمّنها جديداً كما يحاول الإعلام الغربي الترويج له، بل إنها تحوي في سياق ما تضمنته عوامل فشلها كما الاستراتيجيات الأميركية السابقة في الساحة السورية. فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بعض بنود هذه الاستراتيجية فيما توّلت الصحافتان البريطانية والفرنسية محاولات توسيع الاستراتيجية ووضع الأماني القديمة لزيادة منسوب التدخل العسكري الغربي في سورية موضع التنفيذ، حيث يمكن تلخيص هذه الاستراتجية بالآتي:
توجيه الجهد العسكري لتحالف أوباما إلى الشمال الشرقي من سورية وتحديداً مدينة الرقة، حيث الوجود الأهم لتنظيم «داعش» الإرهابي.
تشكيل «تحالف عربي ـــــ سوري» يضم القبائل «السنيّة» إلى جانب الميليشيات الكردية المسلّحة للهجوم على الرقة تحت غطاء جوي من تحالف أوباما في سورية، ويتألف هذا التشكيل العربي القبلي من ثلاثة إلى خمسة آلاف عنصر.
إيقاف برنامج تشكيل تشكيلات سورية وتجهيزها وتدريبها وتسليحها من «الرأس حتى أخمص القدمين»، والاستعاضة عنه بتدخل مباشر لواشنطن في تسليح مباشر للميليشيات العاملة على الأرض السورية، فالولايات المتّحدة وفق «فايننشال تايمز» البريطانية «ملزمة بالتعامل مع المقاتلين الإسلاميين الأقل تشدّداً».
منح الغطاء لتحرك سعودي خليجي لمواجهة «الروس» في سورية.
ووفق الصحف الغربية فإن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق جملة أهداف وهي: أولاً، تكرار النجاح الذي حققه المقاتلون الأكراد ضد مقاتلي «داعش»، بحسب «واشنطن بوست». ثانياً، العودة إلى نغمة المنطقة الآمنة في سورية بحجة «منع تدفق اللاجئين» وفق «تلغراف» البريطانية. وثالثاً، وهو الأهم، تقسيم البلاد على أساس «دولة السنّة» في سورية وفق «تلغراف» البريطانية أيضاً.
إن عوامل تفجير هذه الاستراتيجية التي تحاول الإيحاء بوجود رغبة غربية لمنافسة النموذج الروسي في سورية، لا تعدو كونها دوراناً في حلقة مفرغة، فما سبق جرّبه الأميركيون وإلا من أين يأتي السلاح للمجموعات الإسلامية الجهادية في سورية منذ سنواتٍ خمس؟ ومَن منح الغطاء لدول الخليج وفي مقدّمها السعودية وقطر ولتركيا في تسليح وتمويل وشراء النفط من التنظيمات «القاعدية»؟ هل تستطيع الولايات المتّحدة إقامة منطقة عازلة أو آمنة في سورية في ظل وجود عسكري روسي على حدود الأطلسي في مواجهة تركيا؟ مَن قال إن إمكانية تعاون ما يُسمّى بمقاتلي القبائل مع الكرد في سورية واردة، ألا تأخذ الإدارة الأميركية أو تدرك بالمعنى الأدق حجم الخلاف بين العرب والأكراد في سورية وتحديداً في المناطق الشرقية التي تشكّل منطقة عمليات الاستراتيجية البديلة في سورية؟ ماذا عن تعارض الأجندات الكردية التركية في سورية، هل تسمح تركيا للأكراد بدخول الرقة على رأس قوة برية يشكلون هم وحدهم العنصر الراجح والأكثر قوة وتنظيماً في صفوفها؟ ماذا عن مصير عفرين إن استطاع الأكراد الوصول إلى الرقة والتمركز فيها، ألا يؤمن ذلك وصل الأقاليم الكردية في سورية وفي مواجهة تركيا؟ هل من الممكن ضمان عدم تكرار تجربة الفرقة «30» في سورية والتي سلّمت سلاحها إلى «النصرة»، ألا تزيد هذه الاستراتيجية التورط الأميركي في سورية، خصوصاً في ضوء احتمال «ذهاب السلاح إلى اتجاه آخر» بحسب «واشنطن بوست»؟
ماذا عن الاختلاف الجذري في أهداف الحملتين الروسية والأميركية على الإرهاب في سورية؟ هل تسمح موسكو لواشنطن بحجة «التنسيق» الجوي، أن تتمدّد على الأرض لإنشاء منطقة عمليات في شرق البلاد خالية من الطائرات الروسية، يتم بموجبها تشكيل منطقة آمنة غير مباشرة تحت حماية سلاح الجو الأميركي تصبح مركزاً للكتائب القوقازية التي تشكل أولوية الأولويات بالنسبة إلى الحرب الروسية الاستباقية في سورية دفاعاً عن الأمن القومي لروسيا، وفقاً لبيان مجلس الاتحاد الروسي الذي وافق بموجبه على إرسال قوات عسكرية روسية إلى الأراضي السورية.
مرةً أخرى تحمل استرتيجية أوباما، التي من المتوقع أن يعلن عنها هذا الأسبوع، في طياتها بذور الفشل، ومرةً أخرى تصر الإدارة الأميركية على الاستنزاف كحلٍ وحيد في سورية، فهل يسمح بوتين باستنزاف إضافي؟
(البناء)