«الإسلام الجهادي» قوة ثالثة هل تحالِفُه أميركا ضدّ روسيا وإيران؟ د. عصام نعمان
تكشّفت الحروب في سورية والعراق واليمن ومصر سيناء وليبيا وتونس والجزائر عن حقيقة صارخة: «الإسلام الجهادي»، بمختلف أركانه وتنظيماته، بات قوة ثالثة، سياسية وعسكرية، في مجتمع دولي متعدّد الأقطاب. لا يقتصر حضور «الإسلام الجهادي» على حروب يشنّها ضدّ دول وحكومات في بلاد العرب بل يقود حروباً وعمليات إرهابية وعنفاً أعمى في أفغانستان وباكستان وتركيا كما في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة واستراليا، ناهيك عن روسيا الاتحادية.
أبرز أركان «الإسلام الجهادي» وتنظيماته اثنان: «القاعدة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش». تنظيم «القاعدة» له حضور قويّ في اليمن الجنوبي عدن وحضرموت ، كما في شمال غرب سورية محافظة إدلب . تنظيم «داعش» باتت له دولة فاعلة في غرب العراق محافظات نينوى «الموصل» والأنبار وصلاح الدين وفي شرق سورية مناطق من محافظات الرقة والحسكة ودير الزور وحلب .
الولايات المتحدة أدركت قبل غيرها قوة «الإسلام الجهادي» وحضوره، فحرصت على التسلل باستخباراتها إلى بعض تنظيماته، كما لم تتورّع عن التعاون مع بعضها الآخر ولا سيما مع «داعش» في العراق وسورية ومع «جبهة النصرة» في سورية. التعاون مع هذين التنظيمين اتخذ صيغة إجارة الخدمات عند التقاء المصالح السياسية والأهداف الميدانية في الصراع مع خصوم مشتركين.
التعاون الميداني بين الولايات المتحدة و«داعش» انحسر مؤخراً نتيجةَ توسع «الدولة الإسلامية»، ولا سيما في العراق، ما هدّد مصالح واشنطن وحلفائها المحليين. لكنه مرشح إلى العودة والتجدد حيال بروز تطور جديد وخطير: وثوب روسيا إلى سورية وتكثيف وجودها العسكري فيها وتوسيع مشاركتها القتالية الى جانب الجيش السوري في الحرب ضدّ مختلف تنظيمات «الإسلام الجهادي»، ولا سيما جناحه الإرهابي التكفيري.
تبدو الولايات المتحدة مرتبكة حيال «الهجمة» الروسية السريعة والواسعة الممتدّة من بحر قزوين إلى البحر المتوسط، ناهيك عن أجواء سورية في العمق وفي محاذاة حدودها مع تركيا والعراق. ذلك أنّ تداعيات ومفاعيل عدّة نجمت عن «هجمة» روسيا، يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
دعم الجيش السوري لوجستياً ونارياً وتمكينه من الانتقال من حال الدفاع إلى حال الهجوم في مناطق عدّة في وسط البلاد وشمالها الغربي.
رفع معنويات الشعب السوري وعودة شبّانه إلى تلبية نداء خدمة العلم أو التطوّع في كتائب «الدفاع الوطني» المؤازرة للجيش.
انتعاش القوى المناهضة للولايات المتحدة في العراق وارتفاع أصوات المطالبين بأن يمدّ سلاح الجو الروسي نشاطه لضرب «داعش» في مواقعه العراقية، بعدما تكشّف هزال ضربات «التحالف الدولي» الذي تقوده أميركا.
تراجع دور تركيا وفعاليتها في الساحة السورية ولا سيما بعد اضطرار التنظيمات الإسلاموية الأجنبية الشيشانية والتركستانية والايغورية المتحالفة معها إلى التقهقر باتجاه حدودها مع سورية.
انتعاش قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية المتحالفة مع سورية، خصوصاً قوى المقاومة ومناصريها في الضفة الغربية وغزة وحتى في المناطق المحتلة العام 1948، وارتباك حكومة نتنياهو حيالها ناهيك عن عجزها في السيطرة على انتفاضاتها الشعبية المتعاظمة.
إعلان مصر دعمها للتدخل العسكري الروسي في سورية ضدّ «داعش»، ووضوح اغتباطها من انعكاس ذلك سلباً على «غريمتها» السياسية والاستراتيجية: تركيا.
تزايد مشاركة إيران ميدانياً في الحرب ضدّ الإرهاب في سورية بدلالة إعلان الحرس الثوري الإيراني عن استشهاد أحد أركانه الجنرال حسين همداني، العامل كمستشار لدى الجيش السوري في منطقة حلب.
كلّ هذه الواقعات والتطورات تدرسها واشنطن بعناية، فماذا عساه يكون قرارها؟ هل تردّ ميدانياً على روسيا أم سياسياً أم بكليهما؟
تطور ذو دلالة أن يصرح وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر محذراً روسيا في اجتماع وزراء الدفاع في دول حلف شمال الأطلسي بقوله: «خلال الأيام المقبلة سيبدأ الروس بتكبّد خسائر بشرية». التصريح يحتمل تفسيرين: تحذير موسكو من قيامها بدعم الجيش السوري بكتائب قتال برية، أو أن تكون واشنطن بصدد تزويد تنظيمات «الإسلام الجهادي» في سورية أسلحةً فتاكة من شأنها إلحاق خسائر فادحة بالقوات المحاربة، سواء أكانت سورية أم روسية.
بعض مؤشرات التحذير الأميركي سرعان ما تبدّى على الأرض: وحدات من «جبهة النصرة» قامت باستعمال صواريخ «تاو» المضادّة للدروع وأعلنت تحقيق «مجزرة دبابات» في الجانب السوري. القيادة السورية كذّبت مزاعم «النصرة» ودعمت تكذيبها بسرد أسماء المواقع التي تمكّن الجيش السوري من السيطرة عليها في سهل الغاب وشمال محافظة حماة. إلى ذلك، أكدّ مصدر عسكري سوري أنّ صواريخ «تاو» التي استعملتها «النصرة» هي جزء من «كدسة» لا تقلّ عن ألف صاروخ مضادّ للدروع كانت تركيا زوّدتها «النصرة» عشيةَ السيطرة على بلدة جسر الشغور قبل أشهر.
الأرجح أنّ قرار واشنطن النهائي في طبيعة الردّ على موسكو سيُتخذ بعد تقويم احتمالات واعتبارات معينة، والإجابة عن الأسئلة التي تثيرها:
هل تدخّلُ روسيا العسكري مردّه ومسوّغه دعمُ حضورها ونفوذها في سورية، كما اختبار بعض أسلحتها الجديدة المتطورة؟ أم أنه ينطوي على أهداف أخرى أبعد مدى وخطورة؟
هل يؤدّي دعم روسيا لسورية إلى نجاح محور قوى المقاومة في طرد تنظيمات الإرهاب من بلاد الشام وبالتالي تكريس وجود إيران على حدود فلسطين المحتلة من جهة ووصولها إلى مياه البحر المتوسط من جهة أخرى؟
هل يؤدّي التطوران السالفا الذكر إلى إضعاف، إنْ لم يكن الى طرد، نفوذ أميركا من المشرق العربي، كما إلى تهديد أمن «اسرائيل»؟
في ضوء الإجابة عن هذه الأسئلة سيتقرّر الردّ الأميركي، سواء بصيغة سياسية أو عسكرية. إذا ما تبيّن انّ التدخل الروسي ستكون له مفاعيل استراتيجية سريعة وقوية، فإنّ ردّ واشنطن سيكون، على الأرجح، عسكرياً وذلك باعتماد صيغة متقدمة لحرب بالوكالة تتحقق بإقامة تحالف مرحلي مع قوى «الإسلام الجهادي» وتنظيماته الأقوى «داعش» و«النصرة» وغيرهما وتزويدها أسلحةً فتاكة متطورة لكسر حدّة الهجمة السورية – الروسية المتعاظمة، والحؤول دون قيام رديف لها في العراق، والسماح لتركيا بمباشرة دور لوجستي وعسكري أوسع في شمال سورية، والإيعاز إلى «إسرائيل» بأن تلعب دوراً مماثلاً في جنوب سورية.
أما إذا كان تقدير واشنطن أنّ بإمكانها احتواء مفاعيل الحضور الروسي المتعاظم في سورية وربما في العراق ضمن حدودٍ لا تؤذي نفوذها ولا أمن «إسرائيل»، وتتضمّن توافقاً على تسوية سياسية تحدّد حصص الأطراف المتصارعين ليصار إلى تظهيرها واعتمادها في مجلس الأمن الدولي أو في مؤتمر «جنيف 3»، فإنها سوف تستبعد أو تؤجل أيّ ردّ عسكري من الطراز المنوّه به آنفاً.
وكيفما سيكون عليه قرار واشنطن وحظوظه من النجاح أو الفشل، فإنّ الحرب في سورية وعليها ليست مرشحة لنهاية قريبة.
(البناء)